![]() |
|
* تقرير: سامي هواري*
اعادت مسرحية "سحماتا" الى ارض الواقع احداثا مر بها اهلها، وذكرت العديد منهم بما جرى، وان كنت متأكدا انهم لم ينسوا شيئا منها. تجمع العديد منهم، واولادهم واحفادهم معهم يغمرهم جميعا جو قدسي نادر الحصول تحلقوا حول ساحة العرض وفي الهواء انغام واشعار واصوات رخيمة تزيد من هيبة الموقف. في الصف الاول جلست عدة نساء من اهل سحماتا، السيدة نجية اسعد سعيد عثمان تقول: "كان عمري يوم طردنا من سحماتا (15 عاما)، تسألني عن شعوري وانا اليوم هنا، جيد اني لا افقد الوعي. اريد ان ارى في القرية عمارا، اريد ان ارى فيها اهلها، سكانها، رزقها الذي كان موجودا. اريد ان ادخل الى كرم تيننا وزيتوننا ودور اهلنا. اليوم لا شيء من هذا كله موجود، الحزن والقهر يملآن قلوبنا، فكيف برأيك سيكون شعوري، بعد ان تفرقنا وشردنا في كل البلدان. وهل خرجنا من سحماتا الا بالطائرات. لم يكن القتال متساويا يوم التهجير كنت بين الزيتون، خرجنا لهناك خوفا من تهدم البيوت فوقنا، ما زلت اذكر كل شيء، كيف كنا "نحلش" ونحطب ونملي المياه، اذكر اعراس بلدنا، كانت اعراسا حلوة، اما اليوم فلا توجد اعراس حلوة. اسكن اليوم في المزرعة وآتي عدة مرات في السنة لزيارة البلد. لا ادري، قد يختلف شعور اولادنا عن شعورنا فهم لم يولدوا ولم يعيشوا هنا". انتقلنا الى السيدة لطفية سمعان، التي قالت: "اذكر اغاني النساء التي كن يرددنها، اذكر عادات السحجة والحليشة والحصيدة. كان والدي مزارع دخان، كان عمري 17 عاما وكنت صديقة لنجية. كنت يومها اخبز عندما اغارت الطائرات، لففت الخبز بالشرشف لأطعم اخوتي وهربنا الى فسوطة. اسكن اليوم في حيفا ومركز العائلة فسوطة. اكثر ما اجد في سحماتا؟ احب اهل بلدنا جميعا "الصغير والكبير والمقمط في السرير". تستمر السيدة لطفية تحدثنا والشوق يكاد يقفز من كل جملة ترددها عن سحماتا، والتأثر وحركات اليدين خير شاهد على ما يعتمل في القلوب، وبين كل جملة واختها تتردد كلمة "ييما" العذبة، فكل اولاد شعبنا اطفال لكل امهاته. "نحن لا نريد ان نسقط حقنا، نريد ان نكافح واذا لم نلحق فسيلحق اولادنا، نستطيع ان نعيش مع كل الناس. كنا 65 نفسا مسيحية بين بلد اسلامية، ولم يكن بيننا فرق كنا كالاخوة. كلما امر من جانب القرية ابكي حتى اشبع من البكاء. واقول: أجيت أصبر والقى الصبر مرّ وريقي عقـّد بحلقي يا يمّا مر كل ما آجي صوب بلدنا وأمرّ وأقول وين اهاليها والصحاب ويتجمع حول الحديث عن سحماتا اكثر من شخص، كل يريد ان يدلي بدلوه. وفي اجابة عن سؤالنا حول اراضي سحماتا قيل لنا: وصلت لحدود حرفيش، دير القاسي، ترشيحا، بيت جن، كفر سميع، والبقيعة، لقد اقاموا الكبانيات على اراضينا، نص معلوت على اراضي سحماتا. السيد نعوم فهد سمعان (ابو سهيل) من مواليد 1920، صورة طبق الاصل عنه، الفنان لطف نويصر، في الشخصية التي يؤديها يقول مؤكدا في كلامه ما جاء سابقا: "كانت سحماتا بلدا لم تعرف من هو المسيحي ومن المسلم، لم تكن هذه النعرة موجودة، كنا يدا واحدة، كتلة واحدة، اخوة عايشين بألف نعمة. حتى جاءت الطيارات... ضرب... قتل وتشريد.. هجّت الناس. بقينا تحت الاحتلال حوالي شهرين في البلد حتى آخر شهر 12/48 كان لسحماتا 80 الف عرق زيتون، بعد 50 سنة من التهجير هل ترى التين، ما زلت آكل التين والسمّاق والصبر من هنا، الى هنا يأتي الجميع من مناطق الناصرة والشاغور. الحمدلله خير كتير في سحماتا. بعد انتهاء المسرحية.. تلك التي اطلقت العنان للاحزان وحررت المشاعر من محابسها، وأجرت الدموع في عيون الكل.. حتى لترى العيون حمراء والانوف حمراء والمناديل تمسح هذه وهذه. تقول السيدة لطفية سمعان: "بدني ارتعش، لقد كنت واعية لمثل هذه الاحداث". السيدة نورة سعيد محمود: "كلنا من اهالي سحماتا" بادرتها: "شاهدتك وانت تبكين اثناء العرض؟ فتقول: "أحن الى هذه الارض، ارض اجدادي وآبائي التي حرمت منها. حدثوني كثيرا عن سحماتا. كيف كان العيش فيها بيتا واحدا ولقمة واحدة وعرسا واحدا هذا نحن اليه، الشيء المفقود في هذا الزمن. حدثوني كيف خرجوا من البلد. وتتدخل والدتها في الحديث تقول: كنت وحيدة اهلي.. لم يبق في فلسطين سواي وسوى والدي. والحمدلله عندي عشر اولاد واقول لها هذا خير تعويض. ونستمر بالحديث مع السيدة نورة: "بالطبع احدث اولادي عن سحماتا، وآتي بهم لزيارتها، وعيد الاستقلال الذي هو يوم النكبة اقضيه هنا في سحماتا. ونلتفت نتحدث مع الزوج: "عمري 59 سنة، يعني اكبر من اسرائيل نفسها، كنت واعيا كل تلك الاحداث وما ذقناه من عذاب وهنا احب ان اقول: "اكبر شاهد بيت الطين المبني ع َ ارض فلسطين سحماتا إلنا وحجارا وما مننسى كل جوارا اكبر شاهد بيت الطين المبني عَ ارض فلسطين عكا إلنا والأسوار مهما علينا الدهر جار علم ابنك عالتاريخ عن بيسان وعن حطين اكبر شاهد بيت الطين المبني على ارض فلسطين ومن بين الحضور عدد من الفنانين، الفنانة خولة دبسي انخرطت في بكاء مر جراء تأثرها في الاحداث. الفنان كمال سليمان، جيل ثان لمهجري سحماتا هو الآخر تأثر بشكل واضح، تحدثنا معه، بقدر ما سمح له صوته الذي بالكاد سمعناه: "تربيت على حب اهالي سحماتا، اهلي واجدادي وأمي وأبوي. بالنسبة لحزن امي اعتبر حزني جزءا بسيطا منه.. اعرف عن سحماتا كل شيء". وبالفعل لم نقدر على متابعة الحديث. حيث بلغ التأثر من كمال مبلغا منعنا من استمرار الاستماع بل ان ذلك كان اكبر اثبات على شعوره. حتى المخرج حنا عيدي ابن قرية البقيعة لم يصمد امام هيبة المكان والحدث وامام تأثر اهالي سحماتا والحضور فما ان تقدم من الجمهور بعد انتهاء عرض المسرحية حتى انحبس الكلام وانفجر باكيا ليبكي معه الحضور الذي لم يخفِ تأثره طيلة عرض المسرحية، التي اعادت الى الاذهان فصلا او ربما مشهدا حيا واحدا من مشاهد مسلسل النكبة التي ما تزال مستمرة الى حين تتحقق امنية الجد والوالد والولد والحفيد بعودة المهجرين الى وطنهم وديارهم. (نشرت في تاريخ 28/8/1998 في صحيفة "كل العرب" (ملحق النصف الآخر)) include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |