|
اللحن الباكي - إشراقة يوم جديد - بقلم: أحمد أيوب أيوب
استيقظت مبكراً على صوت المؤذن منادياً للصلاة.... الله أكبر.... صوت يتردد صداه في أجواء الكون الرحيب. هذا الكون الذي يتلفع بعباءته السوداء، الكون كله ظلام. والظلام يبعث على الرهبة. فهالني هذا المنظر غير المنظور. هذا الذي تتعدى حدوده، حدود الزمان والمكان. فبقيت جالساً دون حراك. لحظات قليلة مرت.. كأنها الدهر كله غير أن قدرة الله تجلّت بولوج النهار في الليل .وأصبح الظلام كغلالة سوداء تسحب من كل الإتجاهات فلا تعرف لأي اتجاه يذهب الظلام ولا أين يختفي...فقدرة الله لا تدركها عقولنا ولا أبصارنا. وانبلج النهار... فأنار الله السموات والأرض بنوره .وبدا الضباب يغطي الجبال والهضاب، والربى والسهول، والوديان. ويلف بيوت القرية الوادعة الحبيبة. ثم أشرقت الأرض بنور ربها، وغسل الندى وجه قريتنا الجميل.
واستيقظت طيور الوروار محلقة في الفضاء تصدح بألحانها مسبحة خالقها. ورفوف الحمام الأبيض تجوب عباب السماء بكثرتها. وتنعكس أشعة الشمس على أجنحتها فتملأ الفضاء ضياءً. وتتساقط قطرات الندى على أوراق شجر الغار الذي تمتاز به أحراج قريتنا، وتمتص أوراق الزيتون تلك القطرات لنعتصر من حبها زيتاً مباركا. وعند وادي الحبيس كانت قطرات الندى تتساقط كحبات اللولو عن أوراق الصفصاف فوق الماء الرقراق لتتزين بها حوريات الوادي. هذا الوادي المهيب، حوض الماء الطهور المقدس .الذي منه يتوضأ المتوجهون للصلاة، وفيه يعمّد الأطفال الأبرياء. ومع الندى في الصباح ترى نساء بلدتنا مبكرات إلى الحقول ليزلن الأعشاب الضار ة وينقبن الأرض من الأشواك والحجارة، ليحافظن على تربة بلدنا نقية طاهرة. وترى الرجال يفلحون الأرض هنا وهناك، ذهاباً وإياباً، بهمة وعزة وافتخار. ليزرعوا للأجيال القادمة، ما قد يجنوه رزقاً حلالاً ولقمة طيبة. إن أجران الماء المنتشرة في البرية ملئى بماء المطر، تلمع تحت أشعة الشمس، تغري الفلاح من بعيد ليروي عطشه، فيقطع قصبة من الخافور ليشفط الماء. أو ينفخ على الماء ليغب من جرن الصخرة الذي شرب منه والده وجده من قبله. وفي طريق عودته ينحني ليقطف حبة من الجربيح يعطر بها أنفاسه .أو يقطع سعلوكاً من شجرة البطم ليرطب به فمه. وترتفع أشعة الشمس الدافئة، فترى الأطفال يتجمّعون أمام المدرسة الفوقا على المرجة الخضراء بجانب اشجار العنبر والسرو وكروم التين، ولو تجولت في الحارات لرأيت جدران حاراتنا في القرية مطرّزة بزهور البابونج والنوّير الصفراء .وعلى جوانب الطرقات في الحارة ترى زهور الأقحوان وشقائق النعمان وزهور (العرندس (النرجس) والسكلمان) ( عصاة الراعي) (بخور مريم) (خروف وصوف وبعأ) والخزام .أما أعشاب الزيتا التي كانت تغطي جزءاً من الطريق فهي كانت تشكل إفطاراً شهياً للأرانب البريئة التي ترتع هنا وهناك. هكذا كانت أزقة وطرقات قريتنا الحالمة الوديعة....... إن للتراب في أرض قريتنا رائحة عبق التاريخ. ولو أخذت حفنة من ذاك التراب وشممتها لعرفت أنها من قدس الأقداس. من أرض القداسة. نعم.. إن تراب بلدتنا سحماتا مقدس. وهكذا كل تراب فلسطين. فقد جبل بعرق ودماء آبائنا وأجدادنا…. وتسألني يا صديقي لماذا تدمع عيناي كلما جئت على ذكر قريتنا…..؟ وهل تلومني بعد كلما سمعته مني عن هذه القرية إن رأيت عيناي دامعة ….؟ كانون الثاني 2009 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |