شيرين شهيدة الكلمة الحرة، شهيدة الوطن - د. شكري عواودة


"أَمشي كأنِّي واحدٌ غيْري.

وجُرْحي وَرْدَةٌ بيضاءُ إنجيليَّةٌ.

ويدايَ مثل حمامتَيْنِ على الصليب

تُحلِّقان وتحملان الأرضَ.

لا أمشي، أَطيرُ، أَصيرُ غَيْري في التجلِّي.

لا مكانَ ولا زمان. فمن أَنا؟

أَنا لا أنا في حضرة المعراج.

لكنِّي أُفكِّرُ:

وَحْدَهُ، كان النبيّ محمِّدٌ

يتكلِّمُ العربيَّةَ الفُصْحَى.".

م. درويش، الخالد

ارتقت شيرين وهي تعد التقرير عن "ستالينغراد الوطن"

وهي توثق بطش جيش الاحتلال بشعب يدافع عن حريته في ملحمة الصمود الأسطورية، أمام فاشيي القرن العشرين وما يليه.

شيرين وثّقت بكل صدق ومسؤولية كونها ابنة الوطن، وجمال محياها كجمال ارض بلادي المزركشة بأزهار الربيع.

اليوم وبعد يومين من احتضان ارض بيت المقدس لجثمانها الطاهر، وهنا قمة المأساة، وبعض من بصيص الامل، كون ابنة بيت لحم يتيمة الوالدين، باتت ابنة كل بيت أطلت عليه بوجهها المشرقي الهادئ الواثق عبر الشاشات لنقل عمق "الكارثة والبطولة".

لا بد من التأكيد على بعض الامور:

عملت شيرين مراسلة مهنية للقمة عيشها، في شبكة اخبارية واسعة الانتشار، ذات اجندة مرسومة الفحوى، يقف وراءها نظام مدعوم من الغرب، ما زال يستقبل محللين "مدنيين" وعسكريين ممثلين للقتلة الأوغاد، وهذا مستهجن!

شيرين هي شهيدة الوطن وليست شهيدة المحطة التي كنت تعمل فيها.

قد لا يروق هذا الكلام للبعض، ولكنه حقيقة الامر.

استهدفوا شيرين بشخصية عمدًا، وكما يبدو لتهديد غيرها.

شيرين أوجعتهم في تقاريرها منذ اكثر من عقدين لصدق التوثيق للقضية وصيرورة التاريخ، بدون مكياج او رقيب، فكانت ضمن بنك الأهداف للاحتلال الغاشم.

كشف الإعلام العبري قذارته واحادية الطرح، وفضح نفسه بنفسه وكشف كفارة عاره فنرى ونسمع حتى بعض "المتنورين " يتشدقون بالاحتمالات وعدم أخذ المسؤولية امام العالم المتخاذل ذو الوجهين.

أصاب ممثلو الوطن بقرارهم رفض اقامة لجنة "تحقيق مشتركة"، وقاموا بتشريح الجثمان في نابلس باستقلالية، لمنع طمس الحقائق والعينات، فلا يمكن ان يكون الجاني شريكا في التحقيق لا عن قريب، ولا عن بعيد.

استشاط العسكر غضبا بتوجيه من قيادته السياسة، فانهالوا بالهراوات على "حاملي النعش" الأبطال، لأنهم خافوا من شيرين حيّة، وأكثر وهي روحًا تحلق فوق أسوار القدس والعلم الوطني يلف جسدها الطاهر، فكما يبدو هناك من بين جند "الأخ الأكبر" من فقد صوابه وهو برى ويتيقن ان السيادة مفروضة حتى في جنازة شهيدة، وسهرة رمضانية في باب العامود، وصلاة ورباط في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.

فنكلوا بالمصلين في كل مكان في اعيادنا الدينية الوطنية وخلال شهر رمضان الفضيل.

كم كان جميلا ان نرى رموز الديانتين تقفان صفا واحدة في كل مكان، لتفتح عهدا لطالما اراد الطغاة والرجعيين من بيننا طمسه، عهد عودة وحدة الصف الوطني في ابهى حلله بنسيج مطرز بالثوب الفلسطيني، لا يقدر حزب او حركة مهما عظم شأنها الاستحواذ به.

شيرين مثلها مثل باقي الصحفيين أبناء الوطن انتماؤهم الوطني أقوى بكثير من لقمة عيشهم، إذ لا تنفع "الفلوس" إذا غيّبت الكرامة القومية والاجتماعية.

وعودة على بدء، هذه الحكومة بكل مركباتها وداعميها هي الاسوأ في زمن التراللي والاكثر بطشا وعنفا ضد العزل من أبناء شعبنا، وليس هذا فقط فهي كسابقتها معادية للعدل الاجتماعي والسلام والمساواة.

في عصر قانون القومية لا فرق بين متهم بالفساد وبين مستوطن بحزب هزيل العدد، ليتولى دفة القيادة بدعم طابور خامس من أبناء جلدتنا.

العالم الغربي السافل المرائي، يكيل بمكيالين فعندما تكون الضحية فاتحة البشرة زرقاء العينين، وبرغم انها من صنع ايديهم، يجندون إعلامهم ويوزعون شهادات كذبهم وفبركة الاخبار خدمة لمآربهم. اما اذا كانت مشرقية او لاتينية المنحدر او من جنوب شرق قارتنا فلا يعيرون ذلك اي اهتمام، وبالحالة القصوى تنديد بلا رصيد.

شكرًا شيرين، معظم من كتب عنك لا يعرفك، ولكنه يسمع تقاريرك فيطير بها فرحًا لصدقك. استشهادك بعث فينا الامل من جديد، وحدتنا على اختلاف تفكيرنا وانتمائنا الديني، لأنك بحق نجمة القدس الشريف بأقصاه وقيامته، وأفضل ما يميّز استشهادك انك تنتمين الى تلك الفئة التي تحاول إسرائيل وعملائها من الداخل والخارج تحييدها لصبغ الصراع بصبغة دينية مقيتة.

دمك المهدور ثبّت المقولة:

"القدس قضية سيادة وعبادة تتسع للجميع في ظل استقلال وطني قادم لا محالة.

عن الاتحاد 15/5/2022






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com