بوريك شبيه عبد الناصر يفوز برئاسة تشيلي - زياد شليوط


مرّ خبر فوز الشاب اليساري، غابريال بوريك برئاسة تشيلي في أمريكا الجنوبية، دون أن يثير أي اهتمام يذكر، ولا أقصد هنا كونه أصغر رئيس يتربع على عرش تشيلي، والذي سيحتفل بعيد ميلاده الـ35 يوم تنصيبه رسميا رئيسا على البلاد في آذار القادم. وليس لأنه فاز على خصمه اليميني من أتباع حاكم تشيلي الديكتاتوري سيء الصيت، الجنرال بينوشيه الذي حكم البلاد مدة 17 عاما، في 19 ديسمبر الجاري في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بنسبة 56% من الأصوات، متقدما بنحو 12 نقطة على منافسه من اليمين. لكن ما جعلني أنتبه وألتفت إلى هذا الخبر، هي تلك الغصة التي شعرت بها قبل 48 عاما، عندما قام بينوشيه بانقلابه العسكري على حكم الرئيس اليساري سلفادور اليندي، وأدى إلى قتله في سبتمبر 1973، وكم شعرت بالحزن الثقيل للنهاية المحزنة والمأساوية لرئيس ديمقراطي تقدمي، مناويء للسياسة الأمريكية الاستعمارية، والتي لم تحتمل حكمه لأكثر من ثلاث سنوات، فقامت ومن خلال دميتها بينوشيه بالانقلاب عليه. كيف لا أحزن وأشعر بغصة وقد جاء هذا الانقلاب الدموي الفاشي، والذي أنهى حياة، وليس حكم فقط، اليندي بعد ثلاث سنوات بالضبط على رحيل زعيم العروبة وأحرار العالم جمال عبد الناصر.

واليوم وبعد 48 عاما أراني مرتاحا وسعيدا بهذا الخبر القادم من وراء البحار، ليؤكد أن تشيلي تعود إلى مسار زعيمها اليساري اليندي، لكن هذه الفرحة تبقى منقوصة طالما أن مصر والدول العربية، لا تسترد عافيتها وتصحح مسار تدهورها بالعودة إلى طريق الزعيم جمال عبد الناصر، طريق القومية والوحدة العربية، طريق العزة والكرامة وتحرر الإرادة الشعبية.

ومما يزيد من تفاؤلي أن الرئيس الجديد ولد في 11 فبراير 1986، أي بعد سنوات كثيرة من رحيل اليندي، لكنه ترعرع في عائلة يسارية داعمة للحزب الاشتراكي. ونما الفكر اليساري لديه في مرحلة الدراسة الثانوية، حيث شارك في إنشاء اتحاد طلاب المدارس الثانوية في بونتا أريناس. وعندما التحق بالجامعة لدراسة الحقوق وفي العام 2009 أصبح رئيسا لمركز طلاب القانون، وهو العام الذي قاد فيه احتجاجا لمدة 44 يوما، ومثل الطلاب كعضو في مجلس الشيوخ بالجامعة. وبعد عامين انتخب رئيسا لاتحاد طلاب جامعة تشيلي وبات أحد المتحدثين الرئيسيين لاتحاد الطلاب التشيليين. وفي عام 2013 انتخب عضوا في مجلس النواب عن منطقة ماغالانيس والقطب الجنوبي التشيلي.

يبدي بوريك إعجابه بمسار بعض الزعماء اليساريين، على غرار رئيس فنزويلا الراحل هوغو تشافيز والزعيم الكوبي فيدل كاسترو. وهو شبيه بعبد الناصر من حيث عشقه للكتب والقراءة بشكل نهم، ومن مقولاته في هذا السياق: "أشعر بالراحة عندما أقرأ الكتب". وفي مناصرته للقضية الفلسطينية، ومعاداته للسياسة الإسرائيلية، وقد زار عام 2018 الضفة الغربية المحتلة. كما أن بوريك يشبه عبد الناصر في حماسه الثوري وقيادته للمظاهرات الطلابية في مطلع شبابه. عبد الناصر كان على راس التظاهرات الطلابية التي خرجت تطالب باسقاط الاستعمار والتخلص من الملكية الفاسدة ونيل البلاد استقلالها وحريتها. وقبل عشر سنوات قاد بوريك المظاهرات الطلابية ضد الفساد ومن أجل الطبقات المسحوقة ورفع الظلم عنها، ومن أجل إنهاء الموروث الديكتاتوري وإعادة الحياة الديمقراطية للبلاد. ويبقى أن نذكر أن جمال عبد الناصر قام بالثورة ونجح في استلام زمام الأمور في مصر مع رفاقه الضباط الأحرار وهو في سن الـ35، وها هو الشاب غابريال بوريك يفوز بالانتخابات الرئاسية وعمره 36 عاما، فما أقربه إلى عبد الناصر.

من هنا يأتي أمل الجيل الشاب الذي منح ممثله بوريك الثقة بالانتخابات، في ان يحقق مطالبه ومنها فرض ضريبة على الثروات والطبقة الغنية، إضافة إلى جعل التعليم مجانيا في البلاد، أليس هذا ما قام به عبد الناصر في مصر؟ وكما عانت مصر في العهد الملكي فان تشيلي تعاني اليوم، حيث يمتلك 1% من السكان 25% من ثروة البلاد، وفقا لتقارير الأمم المتحدة. وكما اعتبرت ثورة 23 يوليو بقيادة عبد الناصر، تعبيرا عن إرادة الشعب بالتغيير، فان فوز بوريك يعد ترجمة لمطالب شعبية في تشيلي، وخاصة بإنهاء خصخصة عدد من القطاعات العمومية، مثل الكهرباء والماء وجزء من القطاع الصحي.

(شفاعمرو- الجليل)
30/12/2021






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com