![]() |
|
شعب فلسطين هو صاحب الانتصار - الياس سحّاب
قبل أشهر، كانت غيوم القهر الإسرائيلي تتلبد فوق كل انحاء فلسطين المحتلة، بوتيرة كانت توحي للمراقبين بنضج احتمالات هبوب انتفاضة ثالثة، لا تغطي الضفة الغربية وحدها، بل تشمل قطاع غزة، وتجمعات عرب أرض 48 المحتلة.
لكن التحول المنتظر لم يأت على الشكل المتوقع، بل شاءت فلسطين أن تفاجئ الجميع في موقع محدد هو قطاع غزة، عند تعرضه لموجة جديدة من العدوان الإسرائيلي. قيلت نظريات كثيرة في تفسير المعنى النهائي لأحداث غزة الدامية، هل هو في النهاية انتصار فلسطيني يؤكده كل ما تعرضت له إسرائيل من نتيجة لعدوانها، ام هو هزيمة فلسطينية يؤكدها أعداد الشهداء الذين فاقوا الألفين، وأعداد الجرحى الذين تجاوزوا الآلاف العشرة، وحالة الدمار الشامل الذي تُركت فيه بيوت غزة وجميع الأجزاء الحيوية من بنيتها التحتية؟ أنا ممن يؤمنون بأن معيار الهزيمة او النصر في ما حدث في غزة ليس له إلا معيار واحد، هو الكشف عن درجة الصمود والتحدي وعناد الإرادة الحية التي كشفت عنها الاحداث في غزة (ومعها كل فلسطين) وعند الإسرائيليين. لقد كان عدم التكافؤ في التسلح لدى الفريقين شديد الميلان لمصلحة العدوان الإسرائيلي، وكان ضيق المساحة الجغرافية لقطاع غزة، مقارنة بالمساحات الواسعة التي تحتلها إسرائيل، يشير الى استحالة استمرار الحياة تحت هذا القصف الإسرائيلي المجنون والمتواصل والكثيف، في مقابل راحة نسبية كان يفترض ان تسيطر على تجمعات المجتمع الإسرائيلي، أمام محدودية القدرة التدميرية لصواريخ المقاومة التي كانت تطلق على اسرائيل. (تخيلوا مثلا حالة المجتمع الإسرائيلي او دولة إسرائيل لو أن أعداد القتلى والجرحى وحالة الدمار في غزة، كانت في إسرائيل). ومع ذلك فقد اثبت كل يوم من أيام المواجهة التي حصلت، عكس كل التوقعات العسكرية الإسرائيلية، فقد كان مجتمع غزة يواصل الحياة، حياته العادية، رغم انتفاء كل مقومات هذه الحياة. وكلما كانت تزداد أعداد الشهداء والجرحى، وترتفع الى معدلات غير إنسانية، كانت درجة صمود المجتمع المدني في غزة، ودرجة تمسكه بالمقاومة المسلحة الباسلة التي تخوض باسمه، وباسم شعب فلسطين في كل مكان، التعبير عن ارادة الصمود السياسي والقتالي ترتفع، كان يزداد تمسك المجتمع المدني بالمقاومة. في المقابل، فقد قدر لنا أن نشاهد المجتمع الإسرائيلي برمته يصاب بالهلع الكبير والشلل الكامل، فينتقل تماماً الى العيش في الملاجئ المرفهة، كما قدر لنا ان نشاهد للمرة الاولى حالة التخبط، بين هذا الهلع المجتمعي من جهة، وبين القيادتين السياسية والعسكرية، في حالة بدأت الآن فقط، وبعد توقف العدوان، تظهر نتائجها الاقتصادية والسياسية، بل والوجودية. ومع ذلك، وقبل ان تنتقل المفاوضات السياسية من مرحلتها الاولى الى مرحلتها الثانية، وقبل ان تجني قضية فلسطين الاساسية، وشعب فلسطين في كل مكان ثمار الانتصار الواضح للارادة الفلسطينية، معبراً عنها بشكل بطولي اذهل صموده العالم كله، وعلى رأسه دول اميركا اللاتينية جميعها، فقد بدأنا نشاهد تحركات على السطح، من اكثر من طرف فلسطيني، تحاول ادَّعاء الانتصار الى هذا الفريق او ذاك، بل الى هذا المحور السياسي الإقليمي او ذاك. إننا لا نقف فقط امام احتمال إضاعة كل النتائج الجديدة للصمود الأسطوري لشعبنا في غزة، بل نقف امام مخاطر تراجع عام للقضية الفلسطينية من اساسها، بل من التقدم الجديد، غير المسبوق في المراحل السابقة. ليس المنتصر «فتح» ولا «حماس». ليس المنتصر هو المحور القطري ـ التركي، او المصري ـ السعودي أو الإيراني ـ السوري، المنتصر الوحيد، وصانع الانتصار الوحيد وصاحبه الوحيد هو شعب فلسطين، وقضيته الكبرى. هذا ما يجب الخجل من المساس به بهذه الخفة غير المسبوقة. 11/9/2014 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |