الصين وأمريكا والسيطرة على العالم| - د. فؤاد خطيب


لقد كتبنا أكثر من مرة أن الصراع الحاصل الآن على سيادة العالم بين الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي من جهة ومن الجهة الأخرى الصين وروسيا والدول التي لا تخضع للهيمنة الأمريكية المباشرة مثل معظم الدول العربية يجب أن يكون أيضًا أيديولوجيا مناقضًا ومختلفًا في فهم العالم حتى يصل إلى نهاية المطاف قبل كل شيء لسببين اثنين:

1- حرب باردة بين القطبين الصيني والأمريكي، شبيهة بتلك التي كانت بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا، وهذه ضرورة حتى يضبط الرقص على الإيقاع العدائي الذي تفرضه أمريكا على العالم وكذلك ما تفرضه الأحداث المتسارعة في خضم هذا الصراع من أوبئة وحروب اقليمية وصغيرة ومشاكل اقتصادية وهي بالأساس منوطة ومتعلقة بسياسة أمريكا العدوانية التي تعادي شعوب كثيرة في العالم وتحاول فرض هيمنتها بقدرة القوة المسلحة التي تمتلكها وتهدد بها الشعوب. تقصف هنا وتقتل هناك وتدمر المدن والحضارات وتنهب ثروات الشعوب بوقاحة منقطعة النظير كما هو حاصل في سرقة نفط وقمح الشعب السوري وبالبث الحي والمباشر.

2 - الصراع الأيديولوجي حتمي المصير. تطور مثل هذا الصراع يقضي بكل الطرق الى انهيار أحد الطرفين وازاحة هذا الطرف وتأثيره على مستوى الأحداث العالمية وعلى حركات الشعوب ومستقبل الانسانية. إذا رأينا وتمعنا أن الصراع الآن بين الصين والولايات المتحدة فعلاً يتبلور إلى صراع اقتصادي وعسكري بل إلى صراع أيديولوجي بامتياز وفهم مختلف لماهية العالم ومستقبل البشرية على الأرض وآفاق تطورها ومن ثم نقلة الانسانية الى نقلة حديثة معاصرة ومتطورة معتمدة على التقنيات المذهلة التي تطورت في كل العالم وخصوصًا في الصين الشعبية.

نرى تبلورًا رجعيًا وفي المقابل نشاهد حلفًا معاديًا للغرب الرأسمالي الجشع، أيديولوجيًا اشتراكيًا قوميًا تقدميًا يتبلور بقوة تقوده الصين وعلى رأسها الحزب الشيوعي الصيني الذي سيكون رأس الحربة في أي حرب من أي نوع مع الامبريالية والرأسمالية المعولمة التي تعيش مرحلة وجودها الأضعف بالتاريخ بعد أن فضحت جائحة الكورونا الغرب وديموقراطيته وكل مؤسساته. فهي أنظمة استغلال لشعوبها ولا تهتم لرفاهية هذه الشعوب كما يتشدقون في كل مناسبة صغيرة أو كبيرة. أثبتت الأحداث أن هذه الانظمة الهشة لا تقدّم لشعوبها حتى شروط وجود بقائها الأساسية وعلى الأقل مؤسسات صحية أولية قادرة على الحفاظ على صحة هذه الشعوب في زمن الأوبئة والحروب. نعم الكورونا أثبتت زيف العولمة وزيف الديموقراطية الغربية وزيف كل مؤسساتها السياسية الاجتماعية المعادية لمصالح البشر في دولها وفي العالم الكبير.

من الناحية الأخرى أثبتت الصين الاشتراكية أنها الدولة القوية التي تملك كل وسائل الانتاج وتوزع هذا الانتاج المادي الضروري للحياة ليس لشعبها بل لكل شعوب الأرض المحتاجة والشعوب الفقيرة وهي أغلبية سكان العالم المعاصر. صرح الرئيس الصيني مؤخرًا عن منح العالم 2 مليار دولار سنويًا لمواجهة الكورونا للعالم كله. وصرح أنه في حالة وجد العلماء الصينيون لقاحًا ضد هذا الوباء سريع الانتشار سيوزع على كل البشرية وخاصة للشعوب الفقيرة مجانًا وهو فعلاً يوزع على دول العالم الفقيرة بثمن بخس أو بالمجان وبدون أية تهديدات وعقوبات وشروط هيمنة التي تفرضها بوقاحة أمريكا والغرب بالقوة العسكرية الفظة على العالم.

نعم سياسة أمريكا التي بنيت على أنقاض الهنود الحمر بعد ابادتهم عن بكرة أبيهم لم تساعد مرة الشعوب بل تبتزها وتدفعها الخاوة كزعيمة للمافيا العالمية بإهانة تخطت كل شروط اللباقة الدبلوماسية حتى قرفت منها معظم شعوب الأرض ما عدا الغرب الرأسمالي الحليف ودول الخليج العربي وبعض دول امريكا اللاتينية الديكتاتورية وتتمنى زوالها بعد أن أصبحت عالة على البشرية. حتى أن مشروع مارشال الضخم الذي فرضته أمريكا لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كان الهدف وثم النتيجة لتطور هائل للرأسمال الأمريكي وتوسعه شرقا وغربا وفرض هيمنة مذلة على أوروبا حتى يومنا هذا.

أضحت سياسة الولايات المتحدة العقبة التي يجب ازالتها حتى تتقدم البشرية إلى عالم أخلاقي وجودي ايجابي يصبو ويحصل على نوع من العدالة الاجتماعية التي هي مطلب البشرية في كل مكان منذ عصر العبودية الذي فرضه على العالم القديم الامبراطورية الرومانية وتحاول أن تفرضه بوقاحة مذلة وفجة الامبراطورية الامريكية بصفتها العدوانية وحقيقتها التي تملك أكبر ترسانة عسكرية في العالم قادرة على تدمير الكرة الارضية كلها عدة مرات اذا قررت أن تنفذ و قد حصل ونفذت بسابقة تاريخية تدمير هيروشيما وناجازاكي في اليابان وتبخر 250 ألف انسان بلمحة عين نعم تبخروا بعد انفجار القنبلة النووية الأولى والاخيرة التي استعملت فعلاً حتى الآن في التاريخ وبدون سبب عسكري بعد أن استسلم جيش اليابان وتحطم أسطولها كله في المحيط الهادئ في الحرب العالمية الثانية.

يجدر بنا هنا أن نذكر أن الصين وروسيا معها وربما الهند قوة بشرية واقتصادية وعسكرية رهيبة أيضًا قادرة على تدمير امريكا وانهاء وجودها في ساعات إذا واصلت امريكا معاداة البشرية والعالم واستغلاله وتدميره كما هو حاصل الآن ومنذ عشرة سنين بقيادة رؤساء يعانون من جنون العظمة ومن العداء الى شعوب الأرض وحق هذه الشعوب المقدس في التطور والوجود فوق أرضها وممارسة سيادتها على ارضها ومياهها الاقليمية وثرواتها الطبيعية والأهم حريتها واحترام وجودها. أمريكا الآن فعلاً تعادي الشعوب في الشرق والغرب وتدمر الدول والشعوب الواحد تلو الآخر بعدوانية وحشية وفظة لم تعرفها الشعوب من قبل في العصور الحديثة. بنظرنا أن هذا الهيجان الذي يقلق امريكا ومعها كالعادة بريطانيا وفرنسا وإلى حد ما ألمانيا سببه أن الصين باتت تملك كل مقومات القوة. كتقنية الجيل الخامس وقد استعملتها بنجاح منقطع النظير في حربها ضد الكورونا وقادرة على استعمالها في حالة صدام مسلح مع الغرب على مستوى العالم.

الصين اليوم تقوم على تحديث جيشها وتقويته وأصبحت الآن تمتلك ترسانة عسكرية جبارة موازية لترسانة الولايات المتحدة ولكن تتفوق عليها تقنيًا. يجب أن ننبه على بعض ما تعنيه هذه التقنية باختصار شديد جدًا. هذه التقنية هي عالم المستقبل الذي أصبح منظورًا تتغير فيه كل سلوكيات وحياة البشر وتشمل طرق العيش والتنقل وشكل الحروب وطرق السيطرة على الاتصال والمواصلات، ومن ثم تفتح المجال للشعوب الفقيرة ان تمتلك التقنيات الحديثة لتطورها الطبيعي وربما اسلحتها لتقف ضد الهيمنة الغربية والأمريكية. ربما تسيطر البشرية العاقلة على القوة الكونية الرابعة أي الجاذبية ومعها سرعة السفر بالفضاء بسرعة الضوء أو أسرع وتنقل البشر في الكون بحرية. ربما الانسانية تجد عوالم صديقة خارج المنظومة الشمسية ومجرة درب التبانة تجلب معها تطورًا نوعيًا هائلاً يساهم في الحفاظ على الجنس البشري ومن ثم تطوره غير المحدود في كل المفاهيم.

عن الاتحاد
13/7/2021






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com