![]() |
|
العناق القاتل... عناق الخيانة - د. خليل اندراوس
العلاقات الأمريكية – السعودية لها أهمية خاصة بل علاقات استراتيجية تاريخية بين طبقة رأس المال الأمريكي والعالمي وبين الطبقة البرجوازية الوسيطة الكومبرادورية الرجعية الحاكمة في السعودية.
تعتبر السعودية من المزودين الرئيسيين للولايات المتحدة بالنفط الخام، فمثلاً عام 2007 زودت الولايات المتحدة بما يقرب من 12% من واردات النفط، بالإضافة الى ذلك تعتبر السعودية بالنسبة للولايات المتحدة المزود الرئيس الوحيد للنفط الذي يمكن التأكد من انه سيزيد، بدرجة مهمة وكبيرة، توريداته للنفط للولايات المتحدة خاصة في فترات الأزمات والصراعات في المنطقة والعالم، والسعودية تمتلك الكميات الكبيرة من النفط غير المستثمر في العالم، حوالي ربع الاحتياطات العالمية المثبتة. (بريتش بتروليوم، استعراض احصائي للطاقة العالمية 2008، ص6)، ولأنها تتمتع بقدرة عالية جدًا لإنتاج نفط إضافي، فإنها تستطيع بمفردها أن تعزز توريداتها بما يكفي لتعويض الولايات المتحدة عن التوقفات من المزودين الرئيسيين الآخرين. وهذه القدرة كانت حاسمة في أهميتها عام 1990 بعد غزو العراق للكويت، حيث زادت العربية السعودية انتاجها لتعويض خسارة النفط من الكويت والعراق، وبذلك حالت دون حدوث ركود اقتصادي شديد في الولايات المتحدة، ونظرًا لعدم وجود مزود آخر يستطيع الحلول محل العربية السعودية في هذا الدور الحاسم، فإن الولايات المتحدة سوف تبقى معتمدة على المملكة الوهابية الرجعية الاستبدادية في وارداتها اليومية من النفط، وفي زيادة الامدادات في أوقات الأزمات والنزاعات. بدأت العلاقات المميزة الدبلوماسية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والنظام الاستبدادي الرجعي الوهابي لآل سعود منذ عام 1933، ومع كل الخلافات بين النظامين، حيث تسيطر في السعودية حكومة ملكية مطلقة وتسودها التعاليم الوهابية الرجعية جدًا بعكس الولايات المتحدة التي تسيطر عليها طبقة رأس المال من خلال نظام جمهوري برجوازي علماني، الا ان البلدين بينهم علاقات تحالف استراتيجي لخدمة طبقة رأس المال الامريكي والطبقة البرجوازية الوسيطة الكومبرادورية المستبدة الرجعية الوهابية السعودية. لقد كان لدى الرئيسين السابقين للولايات المتحدة جورج بوش وباراك اوباما علاقات وثيقة وقوية مع أعضاء كبار من العائلة الملكية السعودية، وتم تعزيز العلاقة عبر زيارة الرئيس العنصري المأفون اليميني الصهيوني ترامب الى السعودية في عام 2017 والتي كانت اول رحلة خارجية له بعد أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة. ومنذ أن بدأت العلاقات الحديثة في عام 1945 كانت وما تزال الولايات المتحدة تتغاضى عن العديد من الممارسات الرجعية الاستبدادية الارهابية داخل المجتمع السعودي وفي منطقة الشرق الاوسط بدءًا من أفغانستان مرورًا بالعراق، والآن في سوريا واليمن. حرب ضد الفكر العلماني التقدمي الثوري في البلاد العربية لا بد وأن نذكر بأنه بعد الحرب العالمية الثانية تحالف البلدان أي الولايات المتحدة والسعودية ضد حركة التحرر القومي العربي وضد عبد الناصر حيث اقترح في الستينيات الملك فيصل على الأمريكان بالعمل على تقطيع عبد الناصر اربا اربا، وضد الفكر العلماني التقدمي الثوري في البلاد العربية من خلال دعمها المادي والإعلامي والسياسي لحركات دينية رجعية، وتحالفت السعودية مع الولايات المتحدة ضد الشيوعية، وقامت السعودية خلال كل هذه السنوات والعقود الأخيرة بدعم استقرار أسعار النفط والمحافظة على سلامة حقوله وشحنه عبر الخليج العربي، بل الأمريكي، كما عملت السعودية على استقرار اقتصادات الدول الامبريالية الغربية خاصة الولايات المتحدة، حيث كان أصحاب رؤوس الأموال بل كل الطبقة البرجوازية الوسيطة السعودية تستثمر أموالها خدمة لطبقة رأس المال العالمي وخاصة الأمريكي، في الدول الغربية والولايات المتحدة، في حين تعاني الشعوب العربية من أزمات اقتصادية واجتماعية وبطالة وفقر، فخيرات هذه الأمة، أي الأمة العربية تذهب إلى أعداء هذه الأمة، الامبريالية الغربية والصهيونية العالمية بتواطؤ وخيانة الانظمة الاستبدادية العربية وعلى رأسها الوهابية السعودية، فلو تحولت هذه الخيرات لصالح شعوب المنطقة لأصبح الشرق الاوسط والدول العربية، دول غنية متطورة اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا وأصبحت فردوس عصرنا. وهنا نذكر بأن الولايات المتحدة وسفيرتها في بغداد والتي أوقعت صدام حسين ودفعته بشكل غير مباشر لاحتلال الكويت، عندما قالت له بأن الخلاف مع الكويت هو شأن عربي داخلي، وبذلك تكون الولايات المتحدة والأنظمة الرجعية العربية التي دفعت العراق لخوض حرب مع ايران، من خلال وعود كاذبة بدعم العراق ماديًا خلال الحرب، وهكذا دخل العراق في مواجهة خاسرة مع الولايات المتحدة، رغم تحذير عبد الناصر في الستينيات العراق بعدم احتلال الكويت مفسرًا الوضع بأن الدول العربية بصعوبة تواجه اسرائيل، وليس لها القدرة على مواجهة الولايات المتحدة عسكريًا. ودعمت السعودية الولايات المتحدة في حربها ضد العراق وسمحت لدولة الارهاب العالمي أي الولايات المتحدة ان تبني وتقيم القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي السعودية والمتواجدة حتى الآن. لقد كان للسعودية ودول الخليج العربي بل الامريكي دور تخريبي مركزي في حرب الخليج واحتلال العراق. لا شك بأنّ هذا التحالف الامريكي السعودي يكتسب أهمية خاصة بالنسبة للأمن الأمريكي وسياسات الهيمنة للولايات المتحدة على منطقة الشرق الأوسط، ولكن أيضًا تقوم الولايات المتحدة مقابل تزويد السعودية لها بكميات كبيرة من النفط تبني وتعول مملكة الاستبداد والارهاب الوهابي على الولايات المتحدة في الدفاع عن نظامها الظلامي وسياساتها الرجعية في الداخل وفي المنطقة، ومنذ اتفاق كوينسي الذي تم التوصل اليه بين الولايات المتحدة والنظام الوهابي السعودي بتاريخ 14 شباط عام 1945 وذلك على متن الطراد يو اس اس كوينسي (ca-71) بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة "العربية" السعودية، الذي تنازل عن فلسطين لليهود المساكين، حيث كتب بخط يد "لا مانع لدي من اعطاء فلسطين لليهود المساكين"، وبين الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت فرانكلين روزفلت العائد من مؤتمر يالطا الذي جمعه مع تشرتشل وستالين. كان من المقرر أن يدوم الاتفاق 60 سنة، وتم تجديد محتوى اتفاقياته لنفس المدة في عام 2005 من قبل الرئيس الأمريكي العنصري اليميني الصهيوني الارهابي الذي احتل العراق وقتل مئات الآلاف العراقيين الابرياء، بالحجة الكاذبة بأن العراق يمتلك السلاح الذري وخدمة لمصالح اسرائيل الاستراتيجية في المنطقة، جورج دبليو بوش، أهم ما جاء في الاتفاق هو توفير الولايات المتحدة الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقها الولايات المتحدة. يرتكز اتفاق كوينسي على أربع نقاط: استقرار المملكة العربية السعودية هو جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة التي تقدم كذلك الحماية غير المشروطة لعائلة آل سعود، وأقل منها للمملكة بصفة عامة ضد أي تهديد خارجي. وبالتالي استقرار شبه الجزيرة العربية وإعطاء القيادة الاقليمية للمملكة العربية السعودية ودورها الهام في المنطقة هم أيضًا جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة. في المقابل، تضمن المملكة الجزء الأكبر من امدادات الطاقة للولايات المتحدة، دون أن تعطي حق الملكية لأي جزء من الأراضي السعودية (في حيث تنازل هذا الملك الوهابي بخط يده عن فلسطين لليهود المساكين. د.خ)، والشركات المتعاملة تقوم فقط بشراء الاراضي التي تعمل فيها. شركة ارامكو السعودية تتمتع باحتكار جميع حقول النفط في المملكة لمدة لا تقل عن 60 سنة. بقية النقاط في هذا الاتفاق هي حول التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي بين السعودية والولايات المتحدة الامريكية. وبشأن عدم التدخل الامريكي في شؤون السياسة الداخلية السعودية. وعلى مدى عقود تقوم الولايات المتحدة بتزويد المملكة الوهابية السعودية بكميات كبيرة من الاسلحة المعقدة، إضافة إلى أعداد كبيرة من المستشارين والمدربين، والتقنيين العسكريين. وجود عسكري كبير للولايات المتحدة في السعودية في عام 1990 أظهرت الولايات المتحدة الحدود القصوى التي يمكن أن تمضي اليها للدفاع عن "العربية" السعودية، عندما نشرت مئات الآلاف من جنودها لصد هجوم محتمل من قبل القوات العراقية التي كانت آنئذ تحتل الكويت. ولكن هذا التدخل بقدر ما كان ناجحًا في أهدافه المباشرة فإنه أدخل مجموعة جديدة من التعقيدات في العلاقات السعودية الامريكية. فبعد طرد القوات العراقية من الكويت، احتفظت الولايات المتحدة بوجود عسكري كبير في العربية السعودية للمحافظة على منطقة حظر الطيران فوق جنوب العراق ولمنع صدام حسين من القيام بأي هجمات أخرى على ممالك الاستبداد الرجعي في الخليج العربي بل الأمريكي. ولكن هذا الوجود الاجنبي المديد اثار عاطفة قوية معادية للأمريكيين في بعض قطاعات المجتمع السعودي، وقد يكون هذا أحد أسباب قرار الولايات المتحدة الآن بسحب أعداد هائلة من قواتها من السعودية، وكذلك أشعل هذا الأمر في ذلك الوقت الحملة الارهابية التي أطلقها اسامة بن لادن في اوائل التسعينيات، بعد ان كان احد المتعاونين مع العائلة المالكة ومشاركًا في الحرب الامريكية السعودية على افغانستان خلال سبعينيات القرن الماضي، وأحد أفراد عائلة بن لادن كان أحد مقيمي قاعدة أمريكية في السعودية، وما تزال النتائج الصدامية العنيفة لهذا العداء الجديد ظاهرة الى الآن ليس فقط في السعودية بل كذلك في افغانستان. هناك توجه امريكي يسعى الى زيادة الاعتماد على النفط السعودي، ولذلك فإن العلاقة العسكرية الأمريكية السعودية تتوسع أكثر فأكثر وأكبر مثل على ذلك دعم الولايات المتحدة للحرب الهمجية البربرية التي تخوضها السعودية ضد الشعب اليمني، واسقاط طائرة تجسس أمريكية فوق مأرب في الأيام الأخيرة وتقديم السلاح للسعودية بمئات مليارات الدولارات دليل واضح على أن الولايات المتحدة لها دور مركزي مباشر وغير مباشر في الحرب على اليمن. والولايات المتحدة من خلال تحالفها الاستراتيجي مع الوهابية السعودية تشجع سياسات الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الاوسط من اجل الحفاظ على "التوسيع الاساسي والمنظم للإنتاج في مصادر الامداد في نصف الكرة الشرقي، وخصوصًا في الشرق الاوسط" (وزارة الخارجية الامريكية، لجنة التقسيم البيني للنفط، سياسة النفط الخارجية للولايات المتحدة، "نيسان 1944، في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة 1944 المجلد 5 الصفحات 27 – 33). وهنا أذكر بأن قلق صانعي السياسة الامريكية كان طول الوقت يدور حول أمن امدادات الغرب بالنفط من الخليج، ومع اهتمامهم بأن الوصول الى هذه الموارد سيكون حاسمًا في أي نزاع في الماضي مع الاتحاد السوفييتي والآن مع روسيا، نرى الهيئة العامة للأركان الامريكية تعلن في اكتوبر عام 1946 ان "المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة تقتضي ابعاد النفوذ السوفييتي والقوات المسلحة السوفييتية (والآن روسيا)، بقدر المستطاع عن موارد الزيت في ايران والعراق والشرقين الأدنى والاوسط" (الرؤساء العامون في مذكرة الاركان الى وزارة الدولة الامريكية 12 اكتوبر عام 1946). ومن هنا جاء المبدأ الشهير لترومان في خطابه في 12 آذار عام 1947 الذي تعهد فيه بألا يبخل بالمساعدة الأمريكية لأية أمة مهددة بالاستعباد السوفييتي" (بخصوص الحوادث التي أدت الى خطاب مبدأ ترومان انظر باتش، تسليح العالم الحر، الصفحات 88 – 129). ولكن هذه السياسات الخارجية للولايات المتحدة فشلت في افغانستان والآن الولايات المتحدة تنسحب من افغانستان، وفشلت في ايران ومع كل العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة من قبل الولايات المتحدة استطاع الشعب الايراني الحفاظ على حريته واستقلاله وكذلك فشل مشروع الثالوث الدنس الامريكي الاسرائيلي السعودي الذي كان هدفه تمزيق سوريا الى دويلات، وفشل حرب التحالف الخياني السعودي الاماراتي على اليمن، وصمود حزب الله، وصمود الشعب العربي الفلسطيني في كل أماكن تواجده دليل واضح على ان سياسات الهيمنة الامبريالية الوهابية الصهيونية على منطقة الشرق الاوسط مصيرها الفشل. والحلف السعودي الامريكي بقي كما كان سابقًا: اتفاق مع نظام رجعي استبدادي وهابي سعودي وتعطش امريكي الى النفط المستورد ورغبة الملكية المستبدة في الحماية. وللسخرية تأتي وسائل الاعلام السعودية وتدعي بأن العلاقات العميقة للمملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة وظفتها السعودية لصالح الأمة العربية والاسلامية، من لقاء كوينسي الى قمة العشرين. وقرأت في أحد المواقع السعودية أن "الامريكان موجودون بعمق في كل جانب تقريبًا من الحياة في المملكة العربية السعودية، والسعوديون في نفس الوقت يمثلون القوة من اجل الاستقرار والنظام (أي نظام؟ نظام التبعية والهيمنة الامريكية والتطبيع د.خ) في منطقة مضطربة من العالم وفي سوق النفط العالمي، من هنا باتت الولايات المتحدة لا يمكنها ان تستغني عن المملكة العربية السعودية والعكس صحيح". يا لهذا العناق. انه عناق قاتل، ونوم في سرير واحد، سرير خدمة طبقة رأس المال، وان العلاقة الصلبة بين الولايات المتحدة والسعودية استعصت على كل التحديات خلال كل هذه السنين. وفي مقاطع اعلامية سعودية اخرى يعترف ويقر هذا الاعلام بأن الأهم من ذلك ان البلدين (أي الولايات المتحدة والسعودية) ساندا بعضهما البعض خلال الحرب الباردة ضد الشيوعية، واضيف، وبالتنسيق مع الصهيونية العالمية التي كان لها دور كبير في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي وضد الحركة القومية العربية بقيادة المناضل العربي الكبير أحد اهرامات مصر ونيلها جمال عبد الناصر. وبعد مضي حرب 1973 ورفع الحظر النفطي استأنفت الولايات المتحدة والسعودية العمل بصورة أوثق من ذي قبل، أسسوا منظمة تسمى اللجنة الامريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتي ادارتها وزارة الخزانة الامريكية، وتعهدت الولايات المتحدة في الاساس بتدريب السعوديين حول كيفية إدارة دولة حديثة. عن الاتحاد 25/6/2021 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |