عودة الى مقالات ودراسات

تطبيع أم تحالف دنس؟!|صلاح دباجة - صلاح دباجة
مع هرولة الانظمة العربية ووقوفها بالدور على ابواب التطبيع مع إسرائيل يبدو ان منطقة الشرق الاوسط على عتبة مرحلة أكثر بؤسًا واشد خطرًا مما مضى بسبب سياسة الابتزاز والهيمنة الامريكية المعادية لمصالح وطموحات شعوب المنطقة. وبسبب استمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتصعيد جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بتغطية كاملة من الإدارة الامريكية وحتى بالتنسيق معها وبسبب الموقف العربي الذليل والخائن لمصالح شعوب المنطقة والمتآمر على حقوق الشعب الفلسطيني العادلة.

الادارة الامريكية بقيادة المبتز ترامب تمكنت، في السنوات الاخيرة، من احباط أي تقدم او تحرك نحو تسوية عادلة للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني او تنفيذ أي قرار دولي يدعم الحق الفلسطيني. كما احبطت محاولات اتخاذ قرارات تدين الانتهاكات والجرائم الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. وفي المقابل نشرت هذه الإدارة مخططًا لتصفية القضية الفلسطينية أطلق عليه أسم "صفقة القرن" كما اتخذت قرارات تدعم الاحتلال والاستيطان في الضفة المحتلة وتقضي على اية امكانية لتحقيق حل الدولتين. وفي مقدمة هذه القرارات القرار باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية اليها. وكذلك القرار بالموافقة الامريكية على ضم 30% من اراضي دولة فلسطين الى إسرائيل. وأيضًا القرار الامريكي بوقف تمويل الاونروا والتشكيك بعدد اللاجئين الفلسطينيين، الذي لا يزيد، حسب زعم واشنطن، عن نصف مليون لاجئ!!

والغريب في الأمر ان مثل هذه المواقف المنحازة والمنساقة تمامًا مع الاحتلال الاسرائيلي والتي هي عدوان على الحق الفلسطيني وثورة على القرارات الدولية والشرعية الدولية لم تلقَ ردود فعل غاضبة على المستويين الرسمي والشعبي في العالم العربي واقتصر الامر على اتخاذ جملة من قرارات الإدانة والاستنكار!! وحقيقة استمرار الانظمة العربية التعامل الطبيعي وتعميق التنسيق والتعاون مع الادارة الامريكية، تظهر بشكل لا لبس فيه مدى ضحالة هذه القرارات وانها لا تغدو أكثر من مجرد ضريبة كلام!!

وبناء على تجربتنا التاريخية منذ نكبة شعبنا وحتى اليوم فأننا لا نوعل على هذه الانظمة كونها انظمة ذل وارتهان ومهمتها حماية المصالح الامبريالية في مقابل تقدم الحماية الامبريالية لهذه الانظمة.

لكن المثير للربية هو الصمت الشعبي على مستوى معظم الدول العربية وكأن أنظمة العمالة والارتهان نجحت في تدجين شعوبها وحرفها عن طموحاتها الوطنية لتحقيق الحرية والسيادة!!

وفي مثل هذه الظروف يحاول السمسار ترامب، بكل حزم وانتهازية، تحقيق المزيد من "المكاسب" وان يعلن بكل تبجح عن إهداء هذه المكاسب لزميله العنصري نتنياهو!! هكذا كان في اعلان التطبيع مع دولة الامارات الشهر الجاري.

ويبدو ان هذه الهدية الامريكية لن تكون الأخيرة، فعلى هذا الطريق تنتظر عدة دول عربية أخرى مثل السودان والبحرين وعُمان وقطر والسعودية وغيرها. قد نجحت الادارة الامريكية ومعها إسرائيل في ايهام هذه الدول بان العدو الوحيد للعرب هو إيران وليس اسرائيل!! وان مواجهة إيران تحتم تشكيل تحالف عسكري من دول المنطقة تقوده اسرائيل!!

لا غرابة ان تنطلي هذه الفرية على انظمة الذل لكن من الغريب ان تقبل الشعوب العربية هذه الادعاء خاصة وان العديد من الدول العربية لم تسلم من جرائم اسرائيل وان الحروب التي شنتها اسرائيل على الدول العربية وعلى الشعب الفلسطيني لا تزال ماثلة أمام هذه الشعوب كما ان الجرائم اليومية التي ينفذ الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة هي تذكير لكل من يحاول تناسي عدوانية هذا النظام وهو في الوقت ذاته دليل على ان عدم الاستقرار في هذه المنطقة سببه الوحيد هو اسرائيل وليس إيران.

كذلك يجب ان لا يغيب عن البال بان التطبيع بمنظور امريكا واسرائيل يستهدف فرض الهيمنة الاقتصادية والعسكرية الاسرائيلية على دول المنطقة وفي مثل هذا الحال يكون ممكنًا تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية (صفقة القرن).

فعلى الرغم من كل ما تبذله بعض الدول العربية من مجهود وأموال للتطبيع مع اسرائيل يبدو غير كافٍ لإقناع الولايات المتحدة بالتخلي عن تفوق إسرائيل العسكري على كافة دول المنطقة. وظلّت الولايات المتحدة مخلصة في التزامها بمنح إسرائيل كل ما يضمن لها التفوق العسكري النوعي على جيرانها.

وامر آخر يجب تأكيده وهو ان مردود التطبيع الاقتصادي على الدول العربية لن يكون ايجابيًا والدليل على ذلك مصر والاردن التي ترتبط باتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي. لذلك فان تقديم أي مبرر إقتصادي للتطبيع غير صحيح وغير مقبول. فالسودان مثلا الذي يحاول اليوم شطب اسمة من قائمة دول داعمة الارهاب من خلال المراهنة على التطبيع مع اسرائيل عليه ان يرى حقيقة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في جنوب السودان (جوبا) التي لم تتحسن وانما تأزمت أكثر رغم علاقات جوبا الجيدة مع امريكا واسرائيل.

كذلك يجب التأكيد على ان المكسب السياسي من وراء التطبيع هو للعنصريين لترامب ونتنياهو اللذان يواجهان ازمة غير مسبوقة تهدد الاول بعدم الوصول الى دورة رئاسة ثانية في انتخابات نوفمبر القادم وتهدد الثاني بالسجن بملفات فسادة إضافة الى الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي يشاهدها البلدين بسبب سوء الادارة والعنصرية وبسبب الازمة الاقتصادية الخانقة في البلدين من جراء تفشي وباء الكورونا وعجز قادة البلدين عن مواجهتها.

وتبقى قضية محاربة التطبيع هي قضة الشعوب العربية المركزية وذلك دفاعا عن الطموحات الوطنية والكرامة والعزة والانتماء والتمرد بكل قوة على ثقافة الاستسلام والمذلة لأن التطبيع في جوهره استسلام.

ويجب ان نذكر بان جريمة التطبيع لا تتوقف تأثيراتها على جيل اليوم وانما تمتد إلى تدجين الأجيال القادمة من خلال البرامج الإعلامية ومن خلال مناهج التعليم الرسمية المتفق عليها مع اسرائيل.

وهنا تقع مسؤولية كبيرة على القوى الوطنية والاحزاب السياسية التقدمية وعلى المؤسسات والجمعيات رفع مستوى التوعية والحراك الوطني ضد هذا التوجه الاستسلامي المذل.

واملنا كبير بالشعوب العربية، وقواها السياسية والاجتماعية في مواجهة هذا التحدي الخطير والعمل من أجل سلام حقيقي في المنطقة، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، واحقاق حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة انتهاء الاحتلال وحق العودة وتقرير المصير على أرضه وإقامة دولته المستقلة ذات السادية وعاصمتها القدس.

اما بالنسبة لشعبنا الذي يعتبر التطبيع خيانة لقضيته وقضية العرب المركزية فعليه ان يوحد صفوفه وينهي الانقسام البغيض على وجه السرعة وان يجند كل طاقته لمواجهة المشروع الامريكي الاسرائيلي العربي الرجعي لتصفية القضية الفلسطينية وتصعيد المواجهة الشعبية ضد الاحتلال والعمل المكثف على حشد الدعم الدولي لإحقاق حقوقه المشروعة والمدعومة دوليًا.

عن الاتحاد
28/8/2020






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com