![]() |
|
فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا - هاني المصري
تحت هذا الشعار عقد المؤتمر الثاني عشر لفلسطينيي أوروبا في قاعات «أوروسايت» في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور آلاف الفلسطينيين من مختلف البلدان الأوروبية التي تبعد بعضها عن باريس آلاف الكيلومترات. معظمهم أتوا في الحافلات، وهذا يعني أنهم سيقضون ساعات طويلة في رحلة الإياب والعودة. وتتضح الصورة عندما تلاحظ أن قسمًا كبيرًا منهم أتوا مع عائلاتهم، وأنهم سيقضون ليلة على الأقل في العاصمة الفرنسية، وأنهم جميعًا يتحملون تكاليف الرحلة التي باتت تقليداً سنويًا، وبعضهم من المقتدرين لا يكتفي بذلك، وإنما يتبرع للمساهمة في تغطية تكاليف المؤتمر التي تشمل التحضيرات والوجبات وأجرة القاعات وتكاليف سفر وإقامة الضيوف، حيث كان ضيف الشرف لهذا العام طاهر المصري، رئيس الحكومة والبرلمان والأعيان الأردني السابق، وكان من الضيوف السفير الفلسطيني في فرنسا هايل الفاهوم، والمطران رياح أبو العسل، ومحرزية العبيدي نائبة رئيس المجلس التأسيسي التونسي، وجمال ريان المذيع في قناة الجزيرة، وأنا.
يحضرني في هذه المناسبة ما قاله جان بول سارتر، المفكر الفرنسي الشهير، ومنظر الفلسفة الوجودية أثناء زيارته إلى قطاع غزة برفقة صديقته سيمون دي بوفوار قبل العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في العام 1967، حيث شاهد طفلاً عمره أقل من خمسة عشر عامًا، أي ولد بعد نكبة 1948، وسأله فجأة من دون أن يكون هذا على برنامج الزيارة: من أين أنت؟ فأجابه الطفل: من قرية قرب يافا، فقال له: ما اسمها، وأين تقع؟ فأخبره بالتفصيل عن موقعها وكيف تصل إليها بالرغم من أنه لم يزرها من قبل، فقال سارتر: إن شعبًا يربي أطفالاً بهذه الطريقة لا يمكن إلا أن ينتصر. إذا تخيلنا أن سارتر عاد إلى الحياة وشاهد مؤتمرات حق العودة بعد أكثر من ستة وستين عامًا على النكبة، الذي يشارك فيه كل عام آلاف الفلسطينيين من حاملي الجنسيات الأوروبية، وقسم غير قليل منهم حملة شهادات ويعيش عيشة مرتاحة، والكثير منهم لم يولد في فلسطين ولم يزرها ولو لمرة واحدة؛ سيدرك أن ما قاله في زيارته المذكورة صحيح مئة في المئة. لا تزال القضية الفلسطينية حية بالرغم من مرور كل هذه السنين، وبرغم ما عاناه الشعب الفلسطيني من تشريد ومجازر ومعاناة داخل وطنه وخارجه ومن الأعداء والأشقاء، وبرغم الحروب والمجازر والموت، وفي ظل حالة الهبوط التي تعيشها القضية الفلسطينية بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على توقيع «اتفاق أوسلو»، الذي ضرب بالصميم وحدة القضية والأرض والشعب وقسمها إلى قضايا، والحل إلى مراحل، واعترفت فيه القيادة الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود برغم عدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، ونبذ العنف والإرهاب وبأثر رجعي، برغم أن ما تقوم به الصهيونية وأدواتها ممثلة بالمشروع الاستعماري الاستيطاني وبإسرائيل الاحتلالية يمثل ذروة الإرهاب المستمر، الذي لم يتوقف لحظة واحدة برغم أكذوبة عملية السلام المستمرة منذ ذلك الحين. إن انعقاد «مؤتمر حق العودة» كل عام في أحد البلدان الأوروبية أحد الدلائل الكبرى على أن القضية الفلسطينية، برغم كل ما جرى وفي ظل المغامرات والاستخدامات الفلسطينية والعربية والاقليمية ووجود الانقسام الفلسطيني المدمر، ما زالت حية، لأن الشعب الفلسطيني مصمم على إحيائها وعلى الكفاح لتجسيدها مهما طال الزمن وغلت التضحيات. ومن مظاهر بقاء القضية حية الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض الوطن، حيث لا يزال يعيش نصف الشعب الفلسطيني (ستة ملايين) في وطنه بالرغم من أن الاحتلال يعني الجحيم، كما أن العيش في بطن الحوت بالنسبة لشعبنا داخل أراضي 48 يعني أن يكون الإنسان الفلسطيني صاحب البلاد الأصلي مواطنًا من الدرجة الثانية، يعاني من الاضطهاد والتمييز العنصري، ومن مخططات التهجير التي أصبحت بنوداً رئيسية لأحزاب مركزية تشارك في الحكومات الإسرائيلية. وكذلك كل أشكال المقاومة السلمية وغير السلمية، بما فيها صمود غزة في وجه الحصار وضد العدوان الإسرائيلي الذي وصل في أكثر من مرة إلى حد الحرب الشاملة، كما حصل في أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009، وفي تشرين الثاني 2012. ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، التي يشارك فيها المتضامنون الأجانب والإسرائيليون، والتي باتت تقلق الحكومة الإسرائيلية، لدرجة أن بنيامين نتنياهو خصص أكثر من نصف خطابه أمام مؤتمر «الأيباك» السنوي لها، وذكر 18 مرة كلمة «مقاطعة» ما يدل أنها باتت مقلقة، ويمكن أن تكون مفزعة إذا وضعت كل الطاقات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها لدعمها. ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية أيضًا أن 138 دولة صوتت لمصلحة قبول فلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة، وسط معارضة 9 دول وامتناع 41، وقبلها صدور الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي الدولية التي أعطت الفلسطينيين أكثر مما طلبوا، و«تقرير غولدستون» الذي أدان الجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا في غزة، وقبله عشرات القرارات الدولية التي أدانت الاحتلال والاستيطان والجرائم المختلفة بحق الفلسطينيين، وهذا كله يؤكد أن القضية الفلسطينية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا، وأن الرأي العام الدولي ينتصر لها ويتضامن معها. في هذا السياق، نضع أيضًا رفض القيادة الفلسطينية لاتفاق الإطار والتمديد للمفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية كأحد أشكال الصمود الفلسطيني، بالرغم من كل الملاحظات الجوهرية على السياسة الرسمية الفلسطينية، التي تسير منذ وقت طويل تحت تأثير وهم أن السلام الذي يتضمن تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية يمكن أن يتحقق من خلال اعتماد المفاوضات المباشرة كطريق وحيد وإبداء حسن النيات وتقديم التنازلات عن الحقوق والتخلي عن المقاومة. ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية إحياء الهوية والثقافة الوطنية من خلال جميع أشكال الفنون والأدب، حيث لم تعد تقتصر المساهمة الفلسطينية على الشعر والرسم، إنما وصلت إلى كل الميادين. إن قضية اللاجئين أساس القضية الفلسطينية وجوهرها، ولا يمكن أن تحل القضية حلاً عادلاً أو متوازنًا من دون حلها، ومن الخطأ التعامل وكأنها مستحيلة التحقيق، أو أنه يمكن مقايضتها بإقامة دولة فلسطينية والتنازل عن حقوق شعبنا في أراضي 48، فهذا الخيار سقط بعد اتضاح استحالة إقامة دولة فلسطينية من دون تغيير ميزان القوى تغييرًا جوهريًا. والخطأ الفصل ما بين الحق الفردي لكل لاجئ والحق الوطني، أو الحديث عن عدم إمكانية استيعاب إسرائيل لملايين اللاجئين جغرافيًا وديموغرافيًا. ومن الخطورة أن نقدم عروضًا تساعد إسرائيل على تبرير موقفها الرامي إلى تصفية قضية اللاجئين كليًا من دون أدنى استعداد لديها لتلبية الحد الأدنى من متطلبات حل قضية اللاجئين، حلاً عادلاً أو متوازنًا، أو حتى مقبولاً. عن السفير 6/5/2014 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |