الشيوعي الأردني: 150 عاما لميلاد لينين اكثر اقتناعا بصواب منهجه


تحتفي البشرية التقدمية بالذكرى المائة والخمسين لميلاد ف. ا. لينين، باعتباره أحد أبرز المفكرين والقادة الثوريين الذي كرس نشاطه الذهني والعملي لقضية الثورة الاشتراكية، وتخليص البشرية من شرور النظام الراسمالي، والقضاء على شتى أشكال استغلال الانسان لأخيه الأنسان، مستندا في ذلك إلى اجتذاب أوسع جماهير الشغيلة للنشاط الثوري بعد أن يتشرب وعيها بالفكر الثوري وتنتقل الطبقة العاملة من طبقة بذاتها الى طبقة لذاتها، يعمل على تنظيمها وبث الوعي الثوري في صفوفها وقيادة نضالها السياسي والاقتصادي والايديولوجي حزب طليعي من طراز جديد.

من الصعب الاحاطة في بيان سياسي بجميع وجوه الجهد النظري الذي بذله لينين لتطوير النظرية التي صاغها ماركس وانجلز الذين انكبا على تحليل النظام الرأسمالي واستنباط القوانين الرئيسة التي تحكمه والكشف عن تناقضاته العميقة واكتشاف الشروط والظروف التاريخية التي تتحكم في عملية الانتقال الى نظام اقتصادي- اجتماعي أرقى هو النظام الاشتراكي. وكذلك هو الحال مع المسيرة الكفاحية الطويلة لهذا القائد الثوري البارز الحافلة بالعديد من الدروس والعبر، والذي ارتبطت لديه النظرية مع التطبيق جدليا في سبيكة واحدة.

فبالاستناد الى هذا التراث الفكري العظيم والهائل، والالتزام الصارم بالمنهج المادي العلمي الجدلي الذي ابتكره ماركس وانجلز، انكب لينين على تطوير نظريتهما في ظل معطيات جديدة نوعيا لم تكن قائمة في حياتهما، سمتها الأساس انتقال الرأسمالية الى مرحلتها الأعلى ـ الامبريالية، مكرسا جهدا لاستنباط المهام التي يطرحها هذا التطور غير المسبوق أمام الحركة الثورية الروسية والعالمية.

لم يتوان لينين عن التقاط اللحظة المناسبة لاطلاق شرارة الثورة الاشتراكية، وكسر الهيمنة الكونية لنظام الاستغلال الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، وتقديم دليل عملي ملموس على أن الاشتراكية ليست مجرد تصور نظري غير قابل للتطبيق، بل ها هي تتجسد واقعا معاشا في روسيا، وتمتلك القابلية لأن تحتذى من قبل شغيلة العديد من البلدان في اوروبا وآسيا.

إحدى السمات الأساسية التي اتسمت بها شخصية لينين وتكوينه الفكري تمسكه الشديد بالمنهج المادي الجدلي، وتعاطيه مع الواقع على أنه دائما أكثر ثراءً وغنىً من أي تصورات نظرية مجردة، وتحذيره في الوقت ذاته، من مغبة الاستسلام لهذه الواقع كيفما كان، منطلقا من أن هذه الواقع قابل للتغيير واعادة التشكيل اذا ما توفرت الشروط والظروف التاريخية اللازمة لذلك.

وهكذا فقد تبنى لينين "الشيوعية الحربية" عندما كانت مواجهة التدخل العسكري الأجنبي وقوى الثورة المضادة في الداخل تتطلب وجود مثل هذه السياسة، لكنه بعد انتفاء هذه الظروف تراجع مطالبا بتطبيق "السياسية الاقتصادية الجديدة". وعلى هذا المثال، وامثلة عديدة ملموسة تتبدى بجلاء قدرة لينين على اعادة النظر باستمرار في ما لم يزكه الواقع، ولا يخدم القضية الأساس التي كرس حياته من أجلهاـ قضية الثورة الاشتراكية، وبعد انتصارها قضية المحافظة عليها وعلى منجزاتها ومكتسباتها.

لقد اسدى لينين نصيحة فائقة الأهمية لشعوب وكادحي الشرق، ومنها شعوب البلدان العربية، لا تزال تحتفظ براهنيتها وصحتها الى يومنا الحاضر. ونقصد بذلك ما تضمنته رسالته الشهيرة لمؤتمر شعوب وكادحي الشرق التي شدد فيها على ضرورة أن يعتمد كادحو وشعوب الشرق على أنفسهم، وأن يُعملوا فكرهم لحل المهام الخاصة التي تواجههم، والتي لن يجدوا لها حلولا في المؤلفات الماركسية الكلاسيكية، منوها، في نفس الوقت، بان في مقدورهم أن يعولوا على دعم ثورة اكتوبر الاشتراكية، ووليدها الاتحاد السوفياتي.

كما لفت لينين في مقام آخر الانتباه الى الدور الهام الذي تلعبه حركة التحرر المعادية للاستعمار الكولونيالي وشبه الكولونيالي في بلدان الشرق، باعتبارها حليفا طبيعيا للطبقة العاملة العالمية، ولثورة اكتوبر، في النضال ضد الإمبريالية ونظام رأس المال العالمي. من هنا جاء الشعار الخالد "يا عمال العالم، ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا.

إن الانتكاسة المؤقتة التي لحقت بوليد ثورة اكتوبر، الاتحاد السوفياتي، تعود الى جملة عوامل، وهي كلها لا علاقة لها بالمنظومة الفكرية التي صاغها مفجر هذه الثورة أو استقاها ممن سبقوه من المفكرين الثوريين، وخاصة ماركس وانجلز. فالظروف التاريخية الملموسة التي انتجت هذه الانتكاسة ليست من طينة ولا من جنس الظروف التي حكمت وأملت انتصارها في روسيا، ومن ثم في العديد من البلدان في شتى بقاع المعمورة.

إن الحكم على عملية البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي وبلدان اوروبا الشرقية والوسطى ومآلاتها بمعزل عن الظروف والتبدلات الجوهرية والعميقة التي طرأت عليها عبر العقود السبعة يوصلنا الى أحكام خاطئة، تجافي العلم والواقع.

ان معاناة البشرية اليوم مع جائحة الكورونا التي عرّت نظام الليبرالية الرأسمالية المتوحشة وفضحت طابعها اللاإنساني، وبينت افتقارها لنظام ملائم للرعاية الصحية، وحرصها في المقام الأول على أرباح أصحاب المصالح واستمرارية نشاطهم الاقتصادي والتضحية بالملايين من ابناء الشرائح الاجتماعية الضعيفة والمهمشة، أثبت للبشرية الحاجة الماسّة لنظام اقتصادي اجتماعي بديل أكثر عدلا واكثر قدرة على تلبية احتياجات الناس الأساسية، وامتلاك الاحتياطات اللازمة لمواجهة احتمالات وقوع كارثة صحية أو بيئية شبيهة بجائحة كورونا.

أمام البشرية اليوم نموذج كان متحققا على مدى سبعين عاما، أرست دعائمه وحددت معالمه ثورة اكتوبر الاشتراكية وقائدها الملهم ف.أ. لينين، قدمت مثالا حيا غير مسبوق لنظام اجتماعي كفل الحقوق الاجتماعية لجميع المواطنين وبنى دولة تفوقت أو اقتربت أو نافست في العديد من مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية أبرز الدول المتقدمة في العالم.

وبمقدار ما تتبدى وحشية الليبرالية الرأسمالية اليوم، بمقدار ما تنشَدّ البشرية أكثر لاعادة الاعتبار لهذا النموذج الاشتراكي واستلهام منجزاته وافضلياته واستكشاف مدى قابليته للاغتناء والتجدد وتجاوز اخطاء الماضي وعثراته ونواقصه التي طالما حذر منها الزعيم الثوري الخالد للحركة الثورية الروسية والعالمية فلاديمير ايليتش لينين في العديد من مؤلفاته، وخاصة التي صاغها في السنوات الاخيرة من حياته الى جانب المنجز الفكري والعملي للمفكرين الثوريين الذين صاغوا رؤاهم للنظام الاجتماعي البديل بالاستناد الى نهجه ومنهجيته الثورية.

أن الاحزاب والقوى الثورية والحركة التقدمية في العالم، ومن ضمنها حزبنا الشيوعي الاردني، تحيي اليوم الذكرى المائة والخمسين لميلاد المفكر والقائد الثوري البارز ف. أ. لينين، وهي اكثر اقتناعا بصواب منهجه، وبقدرة نظرية الاشتراكية العلمية التي كانت له اسهامات عميقة المضمون وبعيدة الأثر في تطويرها واغنائها على احداث التغيير المنشود في حياة بلداننا وشعوبنا على طريق انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بأفقها الاشتراكي ذي المضمون الاجتماعي والديمقراطي والانساني العميق.

الحزب الشيوعي الاردني

عن الاتحاد
20/4/2020




® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com