أوامر التجنيد الاجباري فوق الواح الصبر - شوقية عروق منصور
منذ النكبة ونحن نمشي يومياً فوق الواح الصبر والمسامير والسكاكين حادة، وكلما اجتزنا بضع خطوات وتخلصنا قليلاً من الوجع وهمسنا لأنفسنا ها نحن سنرتاح مثل باقي البشر تقفز أمامنا قضايا جديدة تكون أقسى وأمر من القضايا السابقة، عندها نحسد الشعوب والأمم التي تعيش في راحة وليس في لهاث وسباق مع الخوف الدائم على ما تبقى وحمل مشاعل الرفض لإضاءة ليل الرعب المنهك من العجز.

سيل من القضايا الملحة والهامة والحياتية اليومية نخترقها وتخترقنا، ندافع من خلالها عن هويتنا ووجودنا، بعد أن خسرنا مئات الخنادق وانقطعت الجذور وتشبثنا بتجديلها حتى تكتمل حكاية بقائنا ولا ننسى، لأن الذعر من النسيان يرغمنا على اليقظة، فنحن لا نملك مفاتيح الغد والرؤيا ضبابية مخيفة، والبساط تحت أقدامنا تحول الى بساط ريح وها هو يحمل قضية التجنيد.

كل قضية انتصرنا فيها سحبناها من بين انياب العنصرية رغماً عن الجميع، وما زلنا نسحب حتى اليوم، كأن القدر وضعنا على موعد مع الانياب.

نعرف أننا نعيش في المربعات ذاتها، ويحشروننا في الزوايا حتى نصاب بداء الهرب والخروج من جلدنا والاستسلام للواقع، لكن أن يقف البعض منا ويبصق في وجوهنا محاولاً ببصقته مسح المرآة لكي تلمع أكثر لنرى مصلحتنا، ويُدخل المصالح تحت عناوين فضفاضة مترهلة اختبرناها سابقاً لكن فشلت، مثل الحقوق والمساواة والمواطنة والميزانيات والاندماج بالدولة، والأدهى أن يكون هذا الباصق رجل دين، ورجل الدين في الواقع وعبر التاريخ هو الملاذ والموجه والرافض للظلم وحامل راية الحق والحقيقة، لكن لا نعرف لماذا أصر الكاهن جبرائيل نداف أن يسير عكس التيار الوطني ويطالب بتجنيد الشبان المسيحيين العرب، لقد جاء في أبشع وأصعب القضايا ووضع نفسه في أتونها، واستنجد بعشرات الأسماء من رجال الدين من كافة الطوائف الذي أيدوا وما زالوا يؤيدون قضية التجنيد، لكن بقيت أقواله لها الصدى ولم يسمع الكاهن "جبرائيل نداف" ما يكفي من عبارات الرفض والاستهجان كما يبدو، مع أن السيد المسيح قال "من له اذنان فليسمع".

ها هو جيش الاحتلال الاسرائيلي سيقوم بإرسال اوامر التطوع للشبان المسيحيين العرب الذين اتموا 16 عاماً ونصف العام من عمرهم ليعرض عليهم التجنيد على اساس تطوعي وان يمتثل كل واحد منهم في احد مكاتب التجنيد في تاريخ معين.

لقد "وقعت الفأس بالراس" وأصبح أمر التجنيد القضية القديمة الجديدة أمامنا، يحاولون عبرها سلخ شبابنا عن شعبهم وهويتهم ودق الاسافين بين الطوائف وتدمير المشاعر والاحاسيس القومية والوطنية ودفعهم الى الفراغ والاستسلام للواقع والعيش بدون التفكير بالمستقبل والقبول بفتات خبز الميزانيات وتقبيل يد اسرائيل صباحاً مساء، ونحن نعرف ماذا يعني جندي عربي في مواجهة أخيه العربي، ونعرف أكثر مئات القصص والحكايات عن الجنود العرب في الجيش كيف يتحول أكثرهم الى جنود منقوعين بالأسرلة، لكن هذا الولاء لا يؤهلهم الى التقدم والمناصب العليا.

السؤال أو الضجيج الذي يجب أن نملأ به الساحات كيف ستكون مواجهة هذه الأوامر ؟! هل أعددنا الخطط لكيفية المواجهة وهذا الموضوع نناقشه ونعيش معه منذ سنوات طويلة؟ هل تسلحنا بالرؤيا والمبادىء والقناعات؟ هل استطعنا توجيه شبابنا جيداً؟ هل قامت الاحزاب العربية بتسليح شبابنا بسلاح الرفض القاطع ؟! أين قادة شعبنا؟ أين رجال اللجنة القطرية ولجنة المتابعة؟! أين التوعية حول التجنيد في المدارس الثانوية وهي تحت سيطرة سلطاتنا المحلية؟! مع العلم أن نسبة كبيرة من هذه المدارس قد قام رؤساء السلطات المحلية والبلدية ببيعها لشركات يهودية وهذه الشركات تمنع قيام مثل هذه المحاضرات!

يجب الضغط الآن على النخاع الشوكي للجماهير العربية حتى تقف وترفض لأن قضية التجنيد قد تكون أهم القضايا بعد أن فقدنا الأرض والمسكن ونتخبط في صورة المستقبل، ولن نردد المثل القائل "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" ونستسلم لمشيئة التخطيط في الوزرات الاسرائيلية، واذا قالت غولدة مائير في لحظة ضعف بعد حرب اكتوبر 73 "كم نحن ضعفاء امام الاقوياء وكم نحن قليلون امام الكثيرين" فيجب ان نبقى أقوياء وأيضاً كثيرون حتى نبرز أمام الجميع بطاقات الاعتزاز بالهوية الفلسطينية والقومية العربية وليس بطاقات التجنيد.

في مسرحية "المهزلة الأرضية" للكاتب يوسف ادريس ترفض احدى الشخصيات طريقة المباهاه التي يقدم بها الدكتور نفسه فتقول له (ده برواز وانا عاوزه اعرف اللي جوه البرواز.. أنت الحقيقي مين؟!) ونحن نريد أن نعرف داخل برواز كهنوت جبرائيل نداف وغيره من رجال الدين من كل الطوائف الذين يؤيدون قضية التجنيد، كيف يفكرون وما حقيقة هذه الأفكار وعلى أي حقائق ونصوص وشرائع دينية وواقعية يعتمدون؟

*من غابرئيل أبن ماركيز الى عبد الله أبن عبد العزيز*


فقدت الرواية العالمية كاتباً عملاقاً وهو غابرئيل ماركيز من مواليد 1927 الذي أدخل بلده كولومبيا الى عالم الدهشة وجعل من أساطير وخيال امريكا اللاتينية جسوراً تمشي عليها الحروف والعبارات لتتناسل وتتمخض عنها روايات انسانية مبهرة وأدباً مميزاً أضاف الى الحضارة البشرية حضارة جديدة.

لقد أصبحت رواية ماركيز الشهيرة "مئة عام من العزلة" أيقونة الأدب العالمي وطبع منها أكثر من خمسين مليون نسخة وترجمت الى جميع اللغات العالمية.

كتبت عن هذا الكاتب المتميز مئات الدراسات والأبحاث، وشغل الحياة الادبية برواياته وقصصه القصيرة المليئة بالخيال والكوابيس والغرائب حتى لقب بكاتب "الواقعية العجائبية" حتى موته اتسم بالغرابة حين طلب احراق جسده وتوزيع رماده بين وطنه كولومبيا والمكسيك البلد الذي احبه.

في 17 نيسان مات ماركيز، وفي هذا اليوم أيضاً قامت دولة الامارات العربية باختيار العاهل السعودي الملك عبد الله ابن عبد العزيز شخصية العام الثقافية لسنة 2014 وقد حصل الملك عبدالله على جائزة الشيخ زايد للكتاب لدوره الحضاري في اشاعة الثقافة والتسامح والحوار بين اتباع الديانات والثقافات وتشجيعه على العلم والمعرفة..الخ.

هناك مثل ياباني شهير: (اذا كنت تصدق كل ما تقرأ فيجب ان تتوقف عن القراءة فوراً) شعرت وأنا أقرأ فوز الملك عبد الله أن حزني على وفاة الكاتب الكولومبي غابرئيل مركيز قد تبدد لأن حجم الخداع في هذا الخبر يفوق حجم كوابيس وغرابة قصص ماركيز، واذا كانت قصص ماركيز مستقاة من واقع وخيال شعوب امريكا اللاتينية فإن جائزة الثقافة الامارتية مستقاة من عالم الكذب والنفاق والخداع الذي يعيش به العالم العربي، ونحن نسأل ما هي الثقافة التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز للأجيال العربية أو السعودية التي تعيش في وسط ثقافي معتم، لأن الثقافة تعني الحرية، والحرية تعني التحرر من القيود في كافة أشكاله التي تمنع الاجنحة من الطيران، اذا كانت المرأة حتى اليوم ممنوعة من قيادة السيارة، وقبل فترة سمح لمدارس البنات بتعلم موضوع الرياضة، وجميع وسائل الاعلام مراقبة، والذي يتكلم ضد الملك أو العائلة الحاكمة يتحول الى سجين في سجون لا تعرف العناوين، ولا يوجد في المملكة منتديات ثقافية او دور سينما، حتى الأدب السعودي يعاني من العرج لأن المرأة الكاتبة تكاد أن تكون مفقودة أما الرجل فهو محاط بالممنوعات واذا كان هناك بعض الاسماء المنطلقة فهي تعيش خارج المملكة اما في الدول العربية أو في الدول الغربية لأن مساحة الحرية بالطبع في هذه الدول لا تقارن ببلده.

عدا عن سياسة الملك المعادية للشعوب العربية، ورفضه للأنظمة التي لا تدور في فلك مملكته، ولا نريد فتح ملفات التآمر ودعم العصابات والجهات التي يلعب عبر اصابعها المفخخة في مصير الشعوب العربية.

الملك عبد الله الذي لا يعرف القراءة، نراه وهو أمام وسائل الاعلام كيف يتهجأ ولا يتقن قراءة أبسط الجمل، ولا يعرف لفظها ، فكيف بالله عليكم يحصل على شخصية العام الثقافية، نحن في أرذل الظروف ليس فقط السياسية.

"احنا في زمن المسخ" هكذا اطلق الفنان عادل امام صرخته في فيلم (عمارة يعقوبيان) ونحن نرددها معه.

عن موقع الجبهة
29/4/2014








® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com