عندما يموت البحر من الجوع - شوقية عروق منصور


موت الفنان اليمني "سالم البحر" جوعًا وعطشًا عار العار في الزمن السعودي!

تقذف وسائل الاعلام يوميًا أرقامًا وصورًا عن حالة الفقر المخيفة في العالم العربي، صورًا تراهن على ذل الانسان العربي، الذي وصل الى حد عناق الرغيف فقط، ولم تعد أيامه سوى شرفات تطل على لعنات الموت والهروب والجوع.

لكن حين نتأمل الجوع العربي – خاصة نتيجة الحرب في العراق وسوريا و اليمن - في زمن الرقص مع الرفاهية، وأنوع الطعام وأشكاله والوانه، في زمن يفتح أبوابه على الموائد العامرة التي تحمل تلالًا من الطعام وجبالًا من الحلويات لا بد أن نختصر التأمل، ونعلق أوسمة الحزن على صدر الإنسانية.

بعيون زجاجية يمرون على صور الأطفال الجوعى، لا أحد يسأل عن مستقبل الطفل العربي في ظل هذا الجوع الذي يخرج من بين جفافه، دموعًا وذلًا وحاجة وتعليمًا عقيمًا وشخصيات ضعيفة ، لا أحد يسأل عن مصير هذه النفوس التي عندما تكبر لا بد أن تكون نفوسًا محطمه، مهشمه ومهمشه، لا بد أن تكون بساطًا يدوسون عليه، لا قيمة لها، تعيش في طوابير الطأطأة والركوع.

قد نتثاءب ونتنهد، أفواهنا المزروعة بالطعام، وصلت الى حالات التنهد على الميزان ومراقبة ارقام الأوزان ، والقيام بتجويع أنفسنا تحت مسميات الرجيم والجسم الرشيق.

و حين يقوم عشاق القصائد بالاحتفاء بنظرات النساء الجميلات، لا أحد يهتم لنظرات الجائعين، وحين تغني المطربة لفحولة الرجال وتزعم أن نظراتهم لافتة إعلانية تضيء أسرار الحياة، لا أحد ينتبه للطفل الجائع الذي يحوي في داخله أصدق الاسرار، و التي لا يكتشفها إلا من ذاق بؤس الجوع والحرمان.

ومن أراد أن يمشي في الأرض مرحًا، تتجمد الأرض تحت خطواته، هناك في مكان ما، يعادل المرح والفرح، عنوانه الجوع.

كنت دائمًا أهتم بصور الأطفال الجوعى لأنهم يدفعون فواتير لعب الكبار وجنونهم السياسي، ولا يستطيعون الكلام والاعتراض، و أشعر أن الكبار حين يجوعون قد يتبجحون ويمثلون ويأكلون الهواء والفراغ ولا يعترفون، يكسرون الصخر ولا يذهبون الى الموت جوعًا، قد يذهبون اليه حبًا، ويفتخرون بالموت حبًا، ويتغنون به، لكن الجوع لا.

لكن موت الفنان اليمني "سالم البحر" المعروف يمنيًا وعربيًا بعازف الأمواج، جوعًا وعطشًا نتيجة الحصار المفروض على مدينة الحديدة. فهو عار العار في الزمن السعودي والعربي الذي يشن حربًا على بلد أصبح تساقط أطفاله ونسائه وشيوخه ومبدعيه جزءًا من قهر وعدوان يحرق كل شيء.

لقد وجدوا جثة "سالم البحر" عبارة عن كتلة عظم تغطيها طبقة من الجلد الجاف، فقد مات جوعًا نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة والحصار السعودي. واعترف أصدقاؤه أنه كان يعاني من الفقر الشديد، حيث لم يجد في جيبه ثمن الطعام.

اليمن، بلد الحضارات التي وجد الفن مصلوبًا على بناياتها، وعواميد الشعر تنحني على القصائد العصماء، وتاريخها الذي تتوهم السعودية – وجيش التحالف – أنه يستطيع أن يكون قطيعًا من القردة يحملونه على الاكتاف ويصفقون له، فيرقص طربًا لهم، هذا التاريخ تحول الآن الى لقمة لم تصل الى فم "البحر" ومثل الجائع "البحر" الآن في اليمن آلاف "البحار"، لا أحد يسمع آهاتهم وأصوات معدهم الخاوية.

"سالم البحر" الفنان اليمني الذي كان يغني ويكتب ويلحن، ويملأ الليالي بصوته الشجي يموت جوعًا، بعد أن ثقب قلبه غدر الأخوة العرب وصمتهم على جوعه وجوع أطفال اليمن.

هناك المئات والآلاف مثل "سالم البحر" يموتون من الجوع في الوطن العربي- ليس اليمن لوحده - والأقسى من ذلك حين تنقل الفضائيات صورًا وبرامجًا عن أشهى الأكلات والأطعمة وكيفية اعدادها والمطابخ الأنيقة الفخمة التي تصور المواطن العربي في سعادة .. في ذات الوقت نعرف أن أرواح هؤلاء الجوعى تقف في محطة الذل، تنتظر المساعدات او الرحيل في باص الاحتضار والموت.

عن موقع الجبهة
26/9/2018







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com