![]() |
|
خمس دقائق تلخِّص وجع وعد بلفور - شوقية عروق منصور
![]()
لا يستطيع المرء إلا أن يعجب بشخصية اللورد البريطاني "مايكل بيتس" الذي تأخر عن حضور جلسة في مجلس اللوردات خمس دقائق، فقدم استقالته أمام أعضاء المجلس، ومن خلال صيحات استنكار الأعضاء والتعجب والرفض، استمر اللورد مايكل بيتس بالخروج حاملًا معه ثقته بنفسه وبحكومته وأخلاقه الرفيعة الدبلوماسية البريطانية العريقة، وسلوكه كرجل يحمل أخلاقيات أمة لها الوزن التاريخي، هذه الصورة قذفتها الفضائيات أمامنا، لكي تؤكد أن هناك من يحترم التزامه نحو شعبه ومواطنيه الذين انتخبوه، ويشعر بالضيق والحرج والندم إلى حد الاستقالة حين يفشل في مهمته، حتى لو كان التأخير خمس دقائق.
لن نحمل فوق رؤوسنا بريطانيا العظيمة، أو حكايات الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، الحكايات التي وضعت في طناجر التاريخ، وأخذت تسيل دمًا على الاكتاف، حتى حفرت طرقًا مقيتة في اللحم البشري في جميع القارات، من القارة الافريقية الى القارة الآسيوية الى الاسترالية.. الخ ، لقد عاملت بريطانيا البشر باستعلاء المستعمر، وسرقت الثروات والمقدِّرات ونصبت المشانق للذين يحاولون الرفض أو يتأملون الواقع الذي كان عبارة عن سيد أبيض يحكم قبضته على عنق الخادم الضعيف، فقسمت الشعوب والبلدان والأراضي والثروات والهواء، خلقت الكره والحقد بين الاخوة، وواصلت الحفر تحت الجذور حتى وصلت إلى خلق الأجيال التي تناطح بعضها البعض لدرجة الاقتتال العنيف، وأينما كانت بريطانيا نصبت الفخاخ والمصائد، واصطادت الشعوب وجعلتها في أقفاصها. بقدر ما كان تصرف النائب البريطاني "مايكل بيتس" حضاريًا وملتزمًا أمام وسائل الاعلام التي مجدت هذا الرجل الملتزم، كان التاريخ البريطاني خلفه يصفع الوجوه ويجلد الصفحات والخرائط وعنجهية الانتداب، واحتلال الأراضي التي سجلها على اسمه متناسيًا الشعوب التي دفعها الى خنادق الظلم والقهر والعنف. ليست استقالة النائب "مايكل بيتس" خاتمة سعيدة لمسلسل بريطاني يُعرض على شاشات وفضائيات الافتخار، لتؤكد ان الشعب البريطاني ما زال يملك الاحترام والشجاعة والالتزام والانتماء للوطن، واهتمام النائب بالخمس دقائق التأخير يدل على أن التقاليد البريطانية ما زالت راسخة في النفوس. إن النائب البريطاني لم يستعمل "الهاراكيري" ويطعن نفسه مثلما كان المقاتل الياباني يطعن نفسه تفاديًا للعار، لكن استعمل حقه في الاعتذار ولسان حاله يقول "أنا البريطاني الصامد على خطوط الكبرياء التاريخي". البرلمان البريطاني المبهرج بالشخصيات التي وخطها الشيب وقسمات الوجوه العنيدة استنكرت استقالة النائب بطريقة الهمهمة، واستبدلوا الدهشة بالرفض، وأصرت رئيسة الجلسة أن لا تنفذ الاستقالة، فقط أرادت أن تذكر العالم كم هي مدهشة الشخصية الشكسبيرية التي على استعداد للتضحية بالمنصب في سبيل الوطن. من شاهد الطريقة التمثيلية للنائب البريطاني، لا تجعلنا نصدق تأخر الخمس دقائق يمكن أن تدفعه للاستقالة، في ذات الوقت نصدق الاحتفالات التي أقامتها حكومته والذي هو نفسه " مايكل بيتس " وزيرًا في الحكومة بمناسبة مرور المئة عام لوعد بلفور، كيف يمكن أن نصدق مشاعره الفياضة نتيجة التزامه بقضايا المواطن البريطاني وتأخره خمس دقائق ، ورئيسة الحكومة تيريزا ماي تصرح خلال الاحتفال بمرور مائة عام على وعد بلفور بالقول (نحن فخورون بالدور الذي لعبناه في إقامة إسرائيل) ولم نجد زيرًا ونائبًا بريطانيًا يعلن رفضه للوعد وأسفه التاريخي. بين خمس دقائق التأخير عن مجلس اللوردات والمئة عام لوعد بلفور مساحات شاسعة من الألم والدموع واللجوء والتشريد والموت تحت مسميات القصف والذبح والاغتيالات و الحصار والملاحقة والجرائم.. الخ، مساحات يعيشها الشعب فلسطيني نتيجة الوعد الذي منحه اللورد بلفور الذي هو رئيس العصابة التي ينتمي اليها النائب "مايكل بيتس" للشعب اليهودي. عودة النائب ورفض مجلس اللوردات استقالته يغمر السخرية بالقهقهة بأصوات عالية، بين عودة ووعد، بين عودة النائب للبرلمان محمولًا على الأكتاف لأنه أظهر شخصية البريطاني حامل الكرامة والالتزام، وبين الاحتفال بمرور مائة عام على وعد بلفور الذي جرى قبل اشهر حاملًا التشريد للشعب الفلسطيني... وما زال الخداع البريطاني مستمرًا رغم غياب الشمس عن الإمبراطورية الكبيرة. عن موقع الجبهة 5/2/2018 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |