فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم - د. عصام نعمان


انعقد في بيروت يومي 17 و18 يناير 2018 «مؤتمر العرب وإيران الثاني» بتوجّه «نحو مستقبل مشترك ـ الأمن والاستقرار والتعاون». تضمّن المؤتمر ثلاث جلسات نقاش، لعل أهمها الثالثة حول «التهديد الإسرائيلي لمستقبل القضية الفلسطينية والتعاون الإقليمي»، ولاسيما منها محورها الثاني بعنوان «الانتفاضة الثالثة: «الشروط والآفاق».

في هذا المحور كانت لي مداخلة بتوجّه نحو مقاومة تكون طليعة للمشروع النهضوي العربي، تقوم على مرتكزات خمسة:

ـ المرتكز الاول، أن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم. صحيح أن الفلسطينيين هم أصحاب القضية بالدرجة الأولى، لكنها قضية تخصّ أيضاً العرب عموماً وعرب بلاد الشام وبلاد الرافدين وبلاد وادي النيل خصوصاً. لماذا؟ لأن الحركة الصهيونية، وقد باتت لها دولة قوية في قلب المشرق العربي، ليست طامعة بالاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر فحسب، بل هي حريصة أيضاً على التوسع في جوارها الجغرافي العربي. أبرز مؤسسي الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون شدّد دائماً على أن «إسرائيل» تموت عندما تتوقف عن التوسّع. سياسة التوسّع اعتمدت نهجين متواقفين: الاحتلال بالقضم والهضم والتفكيك التدريجي للكيانات السياسية العربية في الجوار الجغرافي العربي، إلى جمهوريات موز قائمة على أسس قبلية ومذهبية وإثنية. من هنا يجد العرب المحيطون بالكيان الصهيوني أنفسهم معنيين ومضطرين إلى التعاون مع الفلسطينيين المهددين بالتقتيل والتدمير والتهجير، وإلى الاتحاد في ما بينهم للدفاع عن الأرض والشعب والهوية والمقدسات والمصالح.

ـ المرتكز الثاني، أن المقاومة تتبدّى كخيار ونهج رئيسين للفلسطينيين والعرب لمواجهة الكيان الصهيوني كمشروع قومي عنصري اقتلاعي، ورأس حربة لسياسةٍ غرب اطلسي (اوروبي- أمريكي) إمبريالي، الأمر الذي يقتضي:

*اولاً، بناء مقاومة موحدّة، وطنية (محلية) وعربية طويلة النَفَس، على كامل التراب الوطني العربي ولا سيما في جوار فلسطين الجغرافي. وغنّي عن البيان أن قيام جبهة عربية موحدة للمقاومة لا يمنع وجود مقاومات محلية وقطرية ناشطة لمقاتلة العدو بلا هوادة.

*ثانياً، أن تكون المقاومة الموحّدة متعددة الجوانب والأنشطة، أي مقاومة ميدانية ومدنية وثقافية في آن. يُقصد بالمقاومة الميدانية أن تكون مسلحة وقادرة على استخدام الأسلحة الملائمة في المكان والزمان. ويُقصد بالمقاومة المدنية أن تكون حريصة وقادرة على إشراك المواطنين المدنيين بأنشطة متصلة بالحياة اليومية، ولا سيما من خلال اعتماد اسلوب العصيان المدني. ويُقصد بالمقاومة الثقافية أن تتولى وتُحسن إشراك المثقفين الملتزمين قضيتي فلسطين والوحدة، في أنشطة مقاومة التبعية للغرب وثقافته وسياسته، والعمل للخروج من إدمان تقليد نماذجه تلقائياً، من دون أي تقييم موضوعي لحاجاتنا الحياتية، أو اعتبار للقيم الأساسية الحية في تراثنا من جهة، ولمتطلبات ثورتنا التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى.

*ثالثاً، أن يكون لهذه المقاومة الموحدة، الميدانية والمدنية والثقافية، مخطط استراتيجي هدفه الرئيس بناء رافعة قومية وسياسية واقتصادية واجتماعية لدعمها وحمايتها وتعزيز أمن الأمة وتطوير اقتصادها ورعاية مصالحها وتعميم العدالة الاجتماعية بين ابناء شعبها. هذه الرافعة تتمثل في بناء دولة مدنية ديمقراطية اتحادية (فيدرالية) على أسس الحرية والمواطنة وحكم القانون والعدالة والتنمية، وذلك بدءاً ببلاد الشام وبلاد الرافدين وصولاً إلى بلاد وادي النيل.

*رابعاً، أن تضطلع جبهة المقاومة الموحدة على مستوى عالم العرب وغرب آسيا بدور سياسي وأمني ناشط في بناء وتطوير محور قوى المقاومة في وجه قوى الصهيونية والإرهاب والولايات المتحدة الامريكية التي تتحالف على المستويين الاقليمي والدولي، لمناهضة قوى التحرر والنهضة والديمقراطية، ولاسيما حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والسورية والتيار النهضوي على امتداد القارة العربية. وفي هذا المجال يتوجب على قوى المقاومة العربية كافةً أن تتواصل وتتعاون وتتحالف مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وقوى التحرر والديمقراطية في تركيا، وسائر دول عالم الإسلام في الكفاح المشترك ضد الصهيونية العنصرية، والإرهاب التكفيري ومخططات الهيمنة الامريكية وتجلياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في فلسطين وسوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا.

*خامساً، أن تنشط قوى المقاومة العربية، فكرياً وثقافياً وسياسياً، كطليعة مناضلة من اجل الخروج من زمن الانحطاط العربي الطويل الذي تجاوزت سنونه العجاف القرون العشرة. وليس أدل على ذلك من أن العرب خضعوا أو أُخضعوا لحكم وسيطرة حكام اجانب اكثر من ألف سنة، وما زالوا مرشحين، بممارستهم الاجتماعية والسياسية المنافية للأخلاق وحقوق الإنسان ونواميس التطور والتقدم، لمزيد من التخلّف والانحطاط (راجع كتاب المؤرخ المصري الدكتور شارل عيساوي «تأملات في التاريخ العرب»).

أجل، قوى المقاومة العربية، المدنية والميدانية والثقافية، مدعوة إلى أن تكون طليعة المناضلين من أجل تحقيق المشروع النهضوي العربي الذي طال استحقاقه.

* كاتب لبناني

عن القدس العربي
22/1/2018






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com