65 عاما على ثورة 23 يوليو
الافراج عن تاريخ عبد الناصر في زيارة جديدة من فضائية "الميادين" -
زياد شليوط

لا زالت ذاكرتنا حيّة على أنه بعد شهور قليلة على وفاة الزعيم العربي، رائد القومية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ورئيس الجمهورية العربية المتحدة، جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1970 أتمّ السادات انقلابه على تراث ونهج عبد الناصر، وقام باعتقال وسجن رموز النظام الناصري وعدد من اليساريين، ومنع تداول اسم عبد الناصر في وسائل الاعلام، وجرت محاولة بائسة لشطب اسمه من تاريخ مصر والعرب. من جهة أخرى شنت كوادر "الاخوان المسلمين" حملات شنيعة وحاقدة على عبد الناصر بعدما أتاح لهم السادات ذلك، فاستغلوا الظروف الجديدة لتصفية حساباتهم مع عبد الناصر وهو في قبره. لكننا نذكر جيدا أيضا أنه لا حملات الاخوان الحاقدة ولا مخططات السادات البائسة، استطاعت نزع محبة عبد الناصر من قلوب ملايين العرب، أو محو اسمه من الذاكرة المصرية والعربية، وجاء الرد الأخير والواضح في ثورة 25 يناير 2011 على حكم مبارك، حين رفعت في ميدان التحرير وأماكن أخرى صور عبد الناصر من قبل شبان ولدوا بعد وفاته، وكان لهذا الأمر دلالته العميقة.

عشنا سنوات طويلة نبحث ونفتش عن كلمة تذكر اسم عبد الناصر أو صورة له أو تسجيلا لصوته، فالحصار على ذكراه كان ثقيلا وعاما في الوطن العربي الرسمي، وساد جو من الخوف من تداول اسم عبد الناصر وكأنه اسم حركة سرية ممنوعة، أو يثير الرعب لدى أوساط واسعة تخشى على نفوذها. وكنا نتمنى أن نشاهد برنامجا أو نستمع لصوته في ذكرى ثورة 23 يوليو من كل سنة، لكن عبثا بل جرى تشويه وتحجيم ذكرى الثورة التي قادها وفجرها عبد الناصر مع رفاقه من تنظيم "الضباط الأحرار" عام 1952 والتي يحتفل بذكراها الـ 65 هذا الأسبوع، وبعد الانفراجة الأولية في بداية حكم مبارك رأينا مدى الاقبال على أغاني الثورة التي أنشدها عبد الحليم حافظ بعدما تم الافراج عنها. ومرت سنوات طويلة ثقيلة أخرى.

وكان علينا أن ننتظر حتى تظهر "الميادين" في فضاء اعلامنا العربي، لترد الاعتبار للقومية والوحدة العربية وتخرج عن الاعلام الرسمي والمغرض والمتساوق مع المخططات الغربية لشعوبنا وأوطاننا. ووصلنا الى البرنامج الوثائقي الذي أعدته قناة "الميادين" وقدمته على شاشتها من 16/4/2017 حتى 4/6/2017 والذي حمل اسم " جمال عبد الناصر ـ زيارة جديدة" ليطلّ علينا الزعيم بعد أكثر من أربعة عقود على وفاته، وإنقلاب الأزمنة وتغيّر التاريخ والجغرافيا العربية. وعلى مدار سبعة أسابيع عشنا مع عهد عبد الناصر وما تخلله من انجازات واخفاقات وما اعترضه من تحديات ومؤامرات.

جاء هذا البرنامج بعد جهد امتدّ على مدار عامين في التحضير والتنفيذ كما أشار القائمون عليه، وقام باخراجه وإعداده أسامة الزين وأشرف على المادة التاريخية الكاتب كمال خلف الطويل، وشارك في المداخلات وتقديم الرأي والمراجعة عدد من الكتاب والمؤرخين الذين عايشوا عبد الناصر وفترته ومنهم سامي شرف، مدير مكتب الرئيس عبد الناصر بين السنوات 1955- 1970 ومحمد فايق، وزير الاعلام المصري بين السنوات 1966-1971 ونجاح واكيم، رئيس حركة الشعب اللبنانية سابقا وصلاح صلاح، عضو المجلس الوطني الفلسطيني والكتّاب: أسعد عبد الرحمن وعبد القادر ياسين ( من فلسطين)، صلاح عيسى وعاصم الدسوقي ( من مصر) وغيرهم.

عالج البرنامج الوثائقي أهم المراحل والقضايا التي شغلت عبد الناصر في حياته وخلال فترة حكمه خاصة، وخصصت الحلقة الأولى لبدايات تشكيل تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين والتحضير لثورة 23 يوليو وقيام الثورة وبداية طريقها. وعالجت الحلقة الثانية الوحدة بين مصر وسوريا، وهي الوحدة العربية الفعلية الأولى، التي تعرضت لمؤامرات داخلية وخارجية لاجهاضها ووأد التفكير بهذه الوحدة التي شكلت خطرا جديا على مخططات الاستعمار في الشرق. أما الحلقة الثالثة فخصصت لعلاقة عبد الناصر بالاخوان المسلمين وما اعتورها من خلافات جدية رغم معاملة عبد الناصر للجماعة بشكل يختلف عما كان مع سائر الأحزاب. أما علاقة عبد الناصر بأمريكا عالجتها الحلقة الرابعة وخصصت الحلقتان الخامسة والسادسة لعلاقة عبد الناصر بالقضية الفلسطينية، وهذا الأمر يثبت أن القضية أشغلت بال عبد الناصر وشكلت مكانة مركزية في تحركاته وجهوده، الى حد أنه دفع حياته ثمنا لايقاف النزيف الفلسطيني في عمان. وكانت الحلقة الأخيرة لفترة ما بعد رحيل عبد الناصر المأساوي والمفاجىء.

وصدق كمال خلف الطويل حين عقب قائلا " ان سبعة أجزاء قد لا تكفي لخدش سطح تجربة عبد الناصر"، وهذا الكلام صحيح فلا سبعة أجزاء ولا سبعين جزءا يكفي لعرض تجربة عبد الناصر بكل جوانبها وتفاصيلها والغور في أعماقها ومقابلة الشهود الأحياء والعودة الى شهادات من رحلوا، وأشير هنا بشكل سريع الى محاور كان على البرنامج متابعتها ومنها العلاقة مع الاتحاد السوفييتي وهي لا تقل أهمية عن العلاقة بالأمريكان، حيث شهدت تموجات وصراعات من جهة ودعم ومساندة كبيرين من جهة أخرى، هزيمة حزيران 67 واستقالة عبد الناصر وما تلاها من ردة شعبية أعادته الى الحكم ليواصل المشوار مع الشعب، والتي بدأت تشهد اصلاحات داخلية واعادة بناء الجيش المصري وتحقيق بعض الانتصارات في حرب الاستنزاف حتى اتفاق وقف اطلاق النار (مبادرة روجرز) تمهيدا لنصر أكتوبر، وغيرها من المحاور الداخلية والخارجية.

ان عدم القدرة على سبر غور مرحلة عبد الناصر الحافلة بالتحولات والمتغيرات والتحديات، سواء على صعيد مصر والوطن العربي والمنطقة امتدادا الى أرجاء العالم المختلفة، حيث كانت الأحداث تفور في كل الأماكن وكان لعبد الناصر وثورته مكانا مركزيا فيها. وربما ذلك يفسر الاستعانة بإضاءات سريعة ومكثفة على مرحلة عبد الناصر، مع شهادات وشهود من تلك المرحلة، يحاولون الإحاطة بتلك الحقبة قدر الامكان. من أجل ذلك كله لن نكتفي بهذه الاطلالة السريعة على البرنامج الوثائقي "جمال عبد الناصر ـ زيارة جديدة"، ونعد أن نعود اليه والى التوقف عند أهم محاوره، والى أن يكون ذلك، لا بد وأن نوجه تحية من القلب لقناة "الميادين" على عملها المهني وعلى التزامها بقضايا شعوبنا العربية على أسس قومية جامعة، وعلى اعدادها وعرضها البرنامج الخاص عن زعيم عربي متميز، أشغل الدنيا في حياته ومماته، وما زال يشغله بتراثه ومبادئه، والذي نستعد للاحتفاء بالمئوية الأولى لولادته في مطلع العام القادم.

22/7/2017
شفاعمرو - الجليل





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com