الأنفجار في قلعة الرجعية - نعيم الأشهب

خرج الخلاف ألسعودي القطري مجددا الى العلن، على شكل انفجار تجاوز في عنفه ومداه ما سبقه. وغني عن القول، إن لهذا الانفجار خلفيات وتراكمات. وقد سبق له أن انفجر أكثر من مرة، كان آخرها عام 2014. لكن يلاحظ أنه اندلع، هذه المرة، بمجرد عودة ترامب من رحلته الى المنطقة. ولم يعد خافيا أن رحلته هذه استهدفت تحقيق هدفين أساسيين: الاول، عقد تحالف للدول "السنية"، ونواته دول الخليج بزعامة السعودية، ومشاركة إسرائيلية، ضد إيران؛ أما الثاني، فهو ابتزاز دول الخليج النفطية ماليا.

وفيما يتعلق بالهدف الاول يمكن القول بأنه ولد ميتا، ذلك أن دول الخليج، وهي التي ينبغي أن تشكل محور هذا التحالف وتمويله منقسمة على نفسها بهذا الخصوص. فالقطريون تربطهم بإيران علاقات إقتصادية حيوية لا يمكن القفز من فوقها، حيث حقول النفط والغاز في شمال قطر مرتبطة بحقل فارس الجنوبي لايران، ويصعب عليها الدخول في تحالف عسكري علني ضد الاخيرة. بينما عمان والكويت تحجمان عن المشاركة في هكذا تحالف ضد إيران لاعتبارات مختلفة.

أما الهدف الثاني من رحلة ترامب فهو جمع ما يعادل التريليون دولار، كما أشارت مصادر صحافية، لدعم مواقعه المهزوزة في بلده، ومحاولة إنعاش الاقتصاد الاميركي الغارق في الازمات والديون. وقد حقق في السعودية، محطته الاولى في هذه الرحلة، قرابة نصف هذا المبلغ، على شكل صفقات سلاح لم يسبق لها مثيل، وتوظيفات أخرى. بينما كان ترامب يأمل أن تحذو قطر، ثاني خزان للمال في الخليج، حذو السعودية وتكمل النصف الاخر للمبلغ المرغوب به، لكنها لم تتجاوب مع شهية العم سام ؛ مكتفية بنفقاتها الروتينية الباهظة على خدمات قاعدة العديد الحربية الجوية، الاكبر في الشرق الاوسط، والميناء البحري الحربي للأسطول الاميركي الخامس. لكن يبدو أن هذا الامتناع عن المساهمة المالية القطرية، كان إشارة، في الوقت ذاته،على تضامن قطر مع تركيا، الحليف الاستراتيجي الاول لها في المنطقة. ومعلوم أن علاقات تركيا تمرّ، اليوم، بأزمة مع واشنطن على خلفية الجيب الكردي، شمالي سورية، الذي تتبناه واشنطن، بينما تعتبره أنقرة خطا أحمر.

ومن المعروف، في هذا الصدد، أن جميع جهود واشنطن ونفقاتها بمئات ملايين الدولارات على تجنيد وتدريب مرتزقة ليكونوا قاعدة لها في سورية قد فشلت فشلا ذريعا. واليوم، إذ تشرف عمليا عصابات الاسلام السياسي التي جندتها السعودية وقطر، على نهايتها المحتومة، فلم يبق أمام واشنطن إلاّ محاولة الرهان على الجيب الكردي، شمالي سورية لتدعي بأن لها شيئا على طاولة التسوية للحالة السورية. لكن هذا يمثل خطا أحمر لانقرة، التي ترى في إقامة هذا الجيب الكردي شمالي سورية وعلى حدودها المباشرة تسعيرا لتطلعات عشرين مليون كردي في تركيا للتمرد، والمطالبة بحقوقهم القومية. ويبدو أن هذا التناقض الاميركي - التركي مستعص على الحل في الوقت الحاضر، على الاقل.

وبهذا، يمكن القول بأن إشارة التفجير لهذه الموجة من المواجهة السعودية - القطرية إنطلقت من البيت الابيض. يرجّح ذلك، خروج ترامب، فورا وعلنا، لدعم السعودية في صراعها المتفجر مع قطر، معتبرا أن عزل قطر هو"بداية النهاية للرعب والارهاب"، بينما قام، وعلى الفور، بالاتصال مع أمير قطر لعرض وساطته في تسوية هذا النزاع!، ولا يحتاج الامر لذكاء خاص لادراك أن هذه الوساطة المشبوهة، من رجل أعمال، ليست مجانية، بل لارغام قطر على دفع ما ترددت على فعله في حينه، على شكل صفقات سلاح وغيرها، بمئات المليارات، وبالتالي، فإن تطويق هذه الجولة من الصراع العلني بين السعودية وقطر يتوقف على إشارة جديدة من البيت الابيض.

عدا ذلك، يعود أساس الخلاف السعودي - القطري، لافلاس المشروع الذي تنافس وتبارى حكام السعودية وقطر على تحقيقه، وأنفقوا عليه عشرات وعشرات المليارات من الدولارات، وهو أخذ سورية بواسطة عصابات الاسلام السياسي، هذه العصابات التي تولّى كل من جانبه تجنيدها وتمويلها وتسليحها، وتعاقبوا على قيادة مراحل التنفيذ، بإيعاز من "المايسترو" الاميركي. جاء القطري أولا، ثم السعودي. لكن هذا المشروع يلفظ، اليوم، انفاسه الاخيرة ؛ وفشل الطرفين وهزيمة مشروعهما، سبب اساسي في تفجير نزاع كامن بينهما، حول مسؤولية هذا الفشل المدوي. والطريف في الامر أن يتهم حكام السعودية حكام قطر برعاية الارهاب! وكأنهم حمام مكة، لا علاقة لهم بالارهاب ولا يتقاسمون رعايته المشينة. بينما ترامب يتهم قطر بأنها تموّل الارهاب منذ زمن طويل، فأين كانت واشنطن، ولماذا الان تنتقده؟ألم تكن الراعي الاول للإرهاب؟

لكن ما أن انفجر النزاع بين السعودية وقطر، على شكل صعقة قوية، مع استقطاب السعودية لبعض الدول العربية الاخرى، لها إعتباراتها المختلفة، وحصار فوري على قطر، لارباك حكامها، حتى تداعت عناصر إقليمية ودولية للتأثير على مسار هذه الازمة. فمن جانبها، سارعت تركيا، لاعتبارات استراتجية، للوقوف إلى جانب قطر، بتمرير قانون في برلمانها يتيح إرسال قوات تركية لقطر، مما يعرقل أي تدخل عسكري سعودي ضد الاخيرة، كما لمّحت التهديدات. ومن جانب آخر، عرضت إيران، لاعتبارات تكتيكية، عن فتح ثلاثة من موانئها أمام قطر، وتعهدت، بأن تؤمّن خلال أسبوع واحد المواد الغذائية لقطر بدل التي كانت تستوردها من السعودية وأتباعها؛ كما دخلت روسيا على خط الوساطة، بينما طالبت ألمانيا برفع الحصار عن قطر.

وعلى أي حال، ينبغي النفي القاطع للوهم بأن هذا الصراع سيقود حكام قطر الى الخروج على طاعة السيد الاميركي آخر المطاف. فهؤلاء، شأن صنوهم حكام السعودية مدينون ببقائهم الى الحماية الاميركية، وبالتالي: يصدق فيهم بيت الشعر الاندلسي:"إن كنت تقتلني فأنت محكم من ذا ينازع سيدا في عبده!"

وفي المحصلة العامة، فهذا النزاع المتجدد بين السعودية وقطر، يفاقم الاقتتال الدموي أيضا بين بقايا العصابات المسلحة التابعة للطرفين فوق الارَض السورية، مما يؤدي الى المزيد من إضعافهما واستنزافهما، وقبل ذلك، سيضعف هذا النزاع الطرفين، مهما أسفرت نتيجته، وهذا ربح صاف للشعوب العربية التي طالت معاناتها من تآمر هؤلاء الحكام، وبخاصة في السنوات الاخيرة، وما سببوه من ضحايا ودمار مريع، كما أن صراعاتهم على هذا النحو، تعرقل المشاريع الاميركية -الاسرائيلية في المنطقة، وتؤشر على أن المعادلات في المنطقة وشيكة التغيير، بحيث يعود زمام المبادرة الى أيدي القوى المعادية للإمبريالية والصهيونية، وبهذا سيكون شعبنا الفلسطيني في طليعة الرابحين. أما المتآمرون الذين تحوّلوا في أجواء فشلهم، الى الصراع فيما بينهم، فينطبع عليهم قول الشاعر: "والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله".

عن موقع الجبهة
19/6/2017






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com