المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية: فشل في حل الصراع ونجاح في ادارة الخداع - د. وجيــه أبـو ظـريفــة

لا يمكن الحكم على نجاح المفاوضات فقط بقدرتها على حل الصراعات او الخلافات موضوع التفاوض بل بقدرتها على تحقيق اهداف معينة لاطراف التفاوض حتى وان كانت اهدافا غير معلنة، وبالتالي المفاوضات التي لم تحل الصراعات ليست بالضرورة مفاوضات فاشلة فقد اصبحت المفاوضات احيانا جزءًا من ادارة الازمة وليس لانهاء الازمات وحل الصراعات خاصة المعقدة منها، وهذا تماما ما ينطبق على المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية الدائرة حاليا والتي ربما تجمع الاطراف المعارضة والمؤيدة لها على انها لم ولن تحقق اي تقدم على صعيد حل القضايا محل التفاوض وهي قضايا الحل الدائم للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ان نظرة متأنية لأهداف كل طرف من اطراف العملية التفاوضية واستجابته لتوجهه اليها يظهر ان هذه المفاوضات ناجحة نجاحا باهرا بتحقيق اهداف طرفي التفاوض الاسرائيليين والفلسطينيين ومعهم الراعي والشريك الامريكي.

إسرائيل أرادت من الذهاب الى المفاوضات تحقيق مجموعة من الاهداف لنطرحها لنري مدى تحقيقها لأهدافها في المفاوضات واهداف اسرائيل هي :

اولا: كسب مزيد من الوقت لاستكمال خططها لبناء جدار الفصل العنصري واستمرار توسيع المستوطنات وتدعيم بنيتها التحية والفوقية القائمة واقامة مستوطنات وبؤر استيطانية جديدة للتفاوض عليها مستقبلا مع محاوله تطوير حزام الاستيطان على اطراف القدس الكبرى واستكمال زراعة مزيد من المستوطنين داخل القدس الشرقية بما لا يدع مجالا لتقسيمها.

ثانيا: تريد اسرائيل من المفاوضات ان توقف اي توجه فلسطيني للأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين استكمالا لقرار الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الامم المتحدة ومنع انضمام فلسطين للمؤسسات التابعة لها خاصة محكمة جرائم الحرب والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية التي يمكن للفلسطينيين من خلالها محاكمة اسرائيل وملاحقة قادتها.

ثالثا: تريد اسرائيل تحسين الصورة الذهنية التي تكونت لدى الرأي العام العالمي بأنها دولة احتلال ودولة معتدية وخارجة عن القانون الدولي وبالتالي كسب مزيد من التأييد لبرامجها العسكرية والاقتصادية وإظهارها بمظهر الدولة الباحثة عن السلام في منطقه تعج بالعداء والكراهية والعنف والتطرف.

رابعا: لدى نتنياهو وحكومته رغبة في الاستفادة داخليا من المفاوضات لإظهار سيطرته على الامور وعدم خنوعه للصقور في حكومته الداعين الى عدم التفاوض مع الفلسطينيين وأيضا عدم الرضوخ للحمائم بعقد اتفاق مع الفلسطينيين واستمرار عملية التفاوض التي تجمع خيوط اللعبة السياسية في اسرائيل بين يديه.

إن أبسط نظرة موضوعية تثبت ان اسرائيل وربما اكثر الاطراف استفادة من عملية التفاوض فالاستيطان والاستيلاء على الاراضي يستمر ويتوسع وطرد الفلسطينيين من القدس مستمر بقوة والجدار يمتد والغور تقريبا انتهى والعالم يرى ان اسرائيل تتوجه بقوة نحو السلام وفي نفس الوقت نتنياهو يتحول الى ملك في اسرائيل.

رغم كل هذه الاهداف الاسرائيلية من عودة المفاوضات إلا ان الجانب الفلسطيني المفاوض عندما ذهب اليها فقد اراد ايضا ان يحقق مجموعة من الاغراض التي قد يعتبرها مهمة له في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها السلطة الفلسطينية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية ومن هذه الاهداف:

اولا: اظهار ان القيادة الحالية المتنفذة في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ليست جزءًا من حالة التطرف التي تسود المنطقة ( قبل سقوط حكم الاسلام السياسي في مصر ) وبالتالي لا تخضع لتقييم سلبي من الغرب والولايات المتحدة الامريكية خاصة وان السلام عبر التفاوض هو الخيار الاستراتيجي لها.

ثانيا: ضمان استمرار الدعم الغربي من الدول المانحة لاستمرار عمل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وموظفيها ومنع خضوعها لأية عقوبات من شأنها تأليب الرأي العام على قيادة السلطة مما قد يودي الى انفجار الاوضاع الداخلية في وجهها امتدادا لحالة الثورات في الدول العربية.

ثالثا: تأجيل بحث ملف المصالحة الى ان تتضح الامور في المنطقة والى اية كفة تميل حيث تدرك القيادة المتنفذة انه لا يمكن تحقيق مصالحة او حتى حوار حولها في ظل عملية تفاوض دون مرجعيات متفق عليها وطنيا وفي ظل الاستيطان ،وهذا منح حركة حماس الفرصة للتهرب من استحقاقات المصالحة وتنفيذ اتفاق القاهرة.

رابعا: التهرب من اي استحقاقات او خيارات قد تجد القيادة الفلسطينية نفسها مضطرة الى اتخاذها في حين اعلانها ان المفاوضات اصبحت خيارا لن يؤدي الى نتائج وبالتالي تلزم باللجوء الى خيارات اخرى لا تريد تحمل مسؤوليتها خاصة بعد تجربة ابو عمار بدعم الانتفاضة بعد فشل مفاوضات اوسلو 2.

لقد حققت القيادة الفلسطينية المندفعة تجاه المفاوضات اهدافها في ان تحافظ على وجودها وتضمن استمرار الدعم الغربي لموازنتها وبالتالي قدرتها التشغيلية كضامن لعدم التمرد الشعبي ضدها وجمدت ملف المصالحة لتنتظر استقرار الاوضاع العربية واعادة الاصطفاف بالمنطقة والضغط على حركة حماس خاصة بعد سقوط حكم الاخوان في مصر وفي نفس الوقت حازت على ثناء الغرب والولايات المتحدة وأعفت نفسها من أي تهم بالتطرف او الارهاب.

إن الراعي الأمريكي للمفاوضات يعرف تماما ماهية الاهداف الآنية لكل طرف من اطراف عملية المفاوضات وبالتالي يعرف عدم جهوزية كل منهما للإعلان عن فشل هذه المفاوضات يضاف لها عدد من الاهداف الامريكية الصرفة ومنها:

اولا: تريد الولايات المتحدة ان تضمن دورها كراع وحيد لعملية المفاوضات او ما تسميه العملية السلمية في الشرق الاوسط وعدم السماح بترك اي فراغ في المنظقة قد يؤدي الى تدخل اطراف اخرى كروسيا والصين واوروبا.

ثانيا: تواجه الولايات المتحدة أزمة حقيقية في المنطقة العربية نتيجة تراجع الدور الامريكي لفشلها في العراق وبدء حالة تمرد على سياساتها في بعض الدول العربية الحليفة معها اضافة لخسارتها المعروفة للجماهير العربية وبالتالي تريد ان تحسن الصورة الذهنية لها عن الولايات المتحدة ومحاولة دعم اصدقائها من الانظمة العربية وبعض منظريها بأنها تهدف الى انهاء الصراع العربي الاسرائيلي.

ثالثا: المحافظة على أمن اسرائيل عبر ضمان هدوء نسبي بسبب استمرار العملية السلمية ومنع اي تبرير لارتكاب اية اعمال مقاومة ضدها بسبب فشل المفاوضات وبالتالي نزع فتيل ازمة قد تواجهها اسرائيل نتيجة لفقدان الامل بنجاح التسوية السياسية.

لقد حققت الولايات المتحدة مرادها من المفاوضات حيث حافظت على وجودها في اهم ملف في الشرق الاوسط وضمنت عدم تدخل اي طرف غيرها فيه وذلك لضمان تفوق اسرائيل السياسي اضافة لضمانها الدائم للتفوق العسكري الاسرائيلي.

إن الاطراف الثلاثة الشركاء الحقيقيين في عملية التفاوض الحالية يدركون ان الوصول الى تسوية حقيقية للصراع العربي الاسرائيلي في هذه المرحلة غير ممكن، بل ربما غير مرغوب فيه لدى كل الاطراف بوجود التعنت والصلف والتطرف الاسرائيلي وميل المجتمع الاسرائيلي بأكمله نحو اليمين وخاصة مع هذه الحكومة المؤلفة من يمينيين ومستوطنين، اضافة للمتغيرات الاقليمية والدولية وحالة الانقسام الفلسطيني والخلل في التمثيل والشرعية والدعم الشعبي للتسوية، إضافة الى ضعف قدرة الولايات المتحدة في الضغط على اسرائيل حليفها الاستراتيجي وضعف دور الامم المتحدة كضامن للقانون والعدالة الدوليين، اضافة لعدم الاستعجال نتيجة الهدوء النسبي الذي تشهده الاراضي الفلسطينية وإسرائيل والذي لا يجعل الحالة ملحة للبحث عن حلول وتبقى اسرائيل الرابح الاكبر عبر خلق وقائع جديدة علي الارض قد لا يمكن تغييرها مستقبلا.

إن الاطراف الثلاثة اتفقت ضمنيا ان لم يكن فعليا على خداع الاطراف لبعضها البعض وخداع الاطراف لشعوبها والعالم عبر اطلاق عملية تفاوض تستمر وتتواصل دون ان تناقش حتى لب القضايا الرئيسية للصراع المفترض طرحها للتفاوض لأنها تدرك ان الاتفاق حولها يقترب من المستحيل وبالتالي فضلت عملية خداع منظمة عبر مفاوضات تدرك سلفا انها فاشلة ان تم قياسها بمدى نجاحها في حل قضايا الصراع وناجحة بامتياز ان تم قياسها بتحقيق الاهداف الآنية لكل طرف من الاطراف.

*عضو اللجنة المركزية حزب الشعب الفلسطيني
31/10/2013









® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com