![]() |
|
المرأة التي تتكلم بالإشارة، والمرأة التي تكتب من قلب سجنها - شوقية عروق منصور
![]()
قال الشاعر أبو نواس:
مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام إنما السالم من الجم فاه بلجام يخرج الشاعر "أبو نواس" من عباءة التعب والتجربة الحياتية بين القصور وأسواق العامة ومخالطة الطبقات، ليرمي على الأرض هذا البيت من الشعر، وفيه يلخص قوله أن الانسان الصامت أفضل من الانسان المتكلم، وحتى يعيش الانسان سليمًا في المجتمع عليه أن يضع اللجام على فمه. جميعنا نعرف الكلام هوية الانسان، والحنجرة وطن الحياة والوجود الإنساني، ومن يحاول قطعها أو قصها أو إخفاء معالمها أو خنق نبراتها، كأنه يعلن العصيان على الصوت الذي يحمل بصمة الشخص ويعبر من خلال حباله الى عالم النطق. على مر التاريخ شكل الكلام حالة الفرح والاحتجاج، حالة الجفاف والهطول، حالة الحب والكره، وغيرها من الحالات الضرورية للعيش، لذلك عرفت الأنظمة السياسية أن الكلام سلالم متحركة قد توصل الى الزلازل والبراكين وإيقاظ الموتى ونزعهم عن كراسيهم المتحجرة، لذلك عقدت الصفقات المضمونة للوصول الى الأهداف عن طريق الرقابة بوجوهها الملونة. في أجواء نقيق الضفادع العربية، هناك من يهجم على الكلام ويمنعه من التجول، لأن الكلام قد يفتح مغاليق الوعي ويدخل في المناطق المحظورة سياسيًا، وعندما تنظر الضفادع حولها لا تجد سوى المرأة كي تلفها بالنقيق، فهي الضعيفة والضلع المكسور وكلامها قد يرسم العورات، لأن الرجل هو صاحب السلطة والصولجان، هو صاحب القول والقرار، هو القوة وهي الضعف الذي يستند عليه ليبرز تفوقه. اقوال وفتاوى دينية كثيرة تسللت الى جسد المرأة الذي تحول على مر التاريخ الى خريطة جغرافية لسلب الحقوق وتقاطعات الحرمان وبنت سلاسل جبلية لكي تقف أمام طموحها، وحواجز لإخماد الحياة في شرايينها. صور كثيرة انتشرت للمرأة العربية، في جميع المجالات، الا في المجال السياسي، بقي حكرًا للرجل الذي يتزعم قبائل القرارات، وهو الذي يدير دفات الدولة، والمرأة لا شيء لها، عليها التنفيذ والطأطأة وفرش ابتسامة الرضى. حتى وصل الأمر الى بعض من يطالب بمنعها من الكلام، لأن صوت المرأة عورة حسب رأيه، وبذلك تكتمل سياسة تضييق الخناق، هي السياسة المفروضة لتشويه شخصية المرأة، ووضعها في خانة الشلل. مؤخرًا ظهرت فتوى سعودية تطالب باجبار البنات والبنين على تعلم لغة الإشارة، لأنه ممنوع سماع صوت المرأة، فالصوت عورة، وعند اضطرارها للحديث عليها استعمال لغة الإشارة!!. على وقع المطالبة بلغة الإشارة، نكتشف أن المرأة العربية فعلًا هي تعيش في لغة الإشارة، حيث لا نسمع صوتها، في ظل الدم والقتل والتهجير وخراب الأوطان، هي تعانق الخوف دون صوت، صوتها يسبح في بحيرات الدموع والقلق والتشريد، والصراخ المفجوع نتيجة الموت المجاني والقتل المباح، لا صوت لها الا الصراخ عند هدم البيوت ومصادرة الأراضي وتوديع الجثامين. لا صوت لها، الا للنواح. على وقع المطالبة بلغة الإشارة، نكتشف المرأة العربية تعيش في الظل، في ظل الرجل العربي المكسور، المحطم لكن يكابر ويرمي كسوره على المرأة متخذًا من انحنائها قوة الوقوف. لقد تحولت المرأة العربية في السنوات الأخيرة الى شهوة عابرة، الى جسد يفضح عقلية المجتمعات التي تنظر الى نصفه الآخر باحتقار، لم نسمع ونقرأ أي بيان عربي يستنكر بيع النساء في أسواق النخاسة، وجميع الأسواق التي تاجرت بالمرأة، حتى ذلك المدعو "عمار حسين" الذي خرج بالصوت والصورة مفتخرًا أنه اغتصب 200 امرأة يزيدية في العراق، غير الذي قتلهم من الرجال، لقد مر الخبر في وسائل الاعلام مرور الإعلان عن وجبة طعام، لم يسأل احدهم ماذا جرى لهؤلاء النسوة؟ نشعر أن عصر التوحش قد انتهك كل شيء. وأن الصمت في العالم العربي يستحق نصبًا تذكاريًا. في بولندا اكتشفوا رسائل كتبت إبان الاحتلال النازي لبولندا، في أحد معسكرات الموت بين عامي 1943- 1944، وقد تم سجن 74 امرأة كن عرضة للتجارب العلمية من قبل العلماء الالمان، وقد استطاعت بعض النسوة كتابة رسائلهن قبل قتلهن، عن طريق غمس بولهن بمادة عرفن طريقها من المختبر، والكتابة بقشة، كتبن رسائل واستطاعن تسريبها الى العالم، وقد تم عرضها مؤخرًا في أحد المتاحف حيث كتبن عن قصص عذابهن في المعسكر. هل سيأتي اليوم الذي يفرض على أفواه النساء العربيات أقفال، أو أحزمة العفة الصوتية. عن موقع الجبهة 23/2/2017 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |