الانقلاب يكشف حقيقة اردوغان ونظامه - تميم منصور
لقد أعطى قادة محاولة الانقلاب الأخير في تركيا للرئيس اردوغان فرصة لم يتوقعها، أو ربما انتظرها - اوخطط لها - للتخلص من كل مناوئيه، ومعارضيه، والذين يحاولون الوقوف في طريقه لإبعاد تركيا عن محور العلمانية، وتحويلها بصورة أو بأخرى الى دولة محافظة ضمن دستور صوري ديمقراطي يشبه دستور الباكستان.

هذه هي فرصته الأخيرة، بعد أن نجا رأسه من سيوف الانقلابيين، فلم يتردد حتى الآن في استغلال الفرصة لسحق خصومه، بالقتل والاعتقال والملاحقة، فقد أشارت وسائل الاعلام التركية في منتصف هذا الأسبوع بأن عملية التطهير كما أسمتها تتم بشكل فردي وجماعي، فقد تم حتى الآن طرد حوالي تسعة آلاف شرطي من سلك الخدمة لإتهامهم بالتعاطف مع الانقلاب، كما تم عزل 30 من حكام الولايات والأقضية، وتم إقصاء 1500 موظف من وزارة الاقتصاد، إضافة الى اعتقال الآلاف من رجال الأمن والجيش، والمدعين العسكريين والقضاة.

واعترفت وكالة الاناضول للأنباء بأنه تم اعتقال حوالي 120 من جنرالات الجيش، وقام رئيس الوزراء بن علي بالزام كافة الموظفين الذين يقضون اجازاتهم السنوية بالعودة الى مكاتبهم، كي يتم اعتقال من يتعاطف مع محاولة الانقلاب، ويُقدر عدد هؤلاء الموظفين بثلاثة ملايين موظف.

لاحظ المراقبون حتى الآن بأن الاعتقال لم يتم بشكل عشوائي، بل يتم بانتظام وضمن قوائم كانت معدة وجاهزة، يحملها اتباع اردوغان، وهم من مليشيات حزبه، فعندما اعترف رئيس الوزراء بأنه تم توقيف حوالي 3000 قاض في يوم واحد، هذا يؤكد بأن خلفية هؤلاء القضاة السياسية كانت معروفة، ويؤكد بأنهم مستهدفين قبل وقوع محاولة الانقلاب، لذلك فان آلاف العسكريين الذين اعتقلوا، فأن معظمهم لم يشاركوا في محاولة الانقلاب، ولكنهم كانوا محسوبين على المعارضة.

كشفت محاولة الانقلاب بأن اردوغان وحزبه كانوا قد أقاموا أجهزة من المخابرات الخاصة بهم، مهمة هذه الأجهزة التصدي لكل المناوئين للحكم بكافة الطرق، وأن لديهم صلاحيات كاملة للاعتقال والمحاكمة الميدانية، كشف هذا الانقلاب أيضًا بأن اردوغان ومن حوله يتصرفون بأساليب الاخوان المسلمين المعروفة، فقد اعد مليشيات خفية من الشباب المدربين تدريبًا جيدًا ومسلحون بأحدث الأسلحة، قدر عددهم 60 الف مجند، فقد لاحظت وسائل الاعلام بأنه لا يوجد شرطة في الشوارع، وان افراد المليشيات هم المكلفون بالقيام بعمليات الاعتقال والقتل، واذا استمر اردوغان باستخدام هذا الأسلوب القمعي التعسفي الانتقامي بدلًا من العودة الى معارضيه ومحاورتهم، فأنه بهذا العمل يعبث بعّداد أيام بقائه في الحكم، أو ربما بقائه على قيد الحياة.

ان المطبلين والمزمرين لاردوغان في بعض الدول العربية، حتى هنا في بعض قرانا ومدنا، ينظرون الى تركيا اليوم بعيون الحركات الإسلامية التي خدعت اجيالًا كاملة، وادخلتها في جنات تشبه جنات فرق "الحشاشون"، هؤلاء الذين يعتبرون اردوغان خليفة المسلمين، يعرفون أن هذا الاردوغان قد استغل الإسلام كغيره من الحكام في الأقطار العربية لبسط نفوذه، وتحقيق مآربه، للأسف لا يرون من تركيا سوى بعض مساجدها الشبه خالية تقريبًا من المصلين، عيونهم وآذانهم الصماء وعقولهم والواقع المؤلم يرفضون مشاهدة تركيا الحقيقية، تركيا غير المستقرة التي تنزف الدماء يوميًا، جيش اردوغان يحتل مناطق في شمال العراق، ويحتل مناطق داخل سوريا، الاحتجاجات الشعبية لا تتوقف، آخرها احتجاجات ساحة التقسيم التي كادت أن تتحول الى ثورة شعبية.

فقط هؤلاء وحدهم يدعمون اردوغان في سياسته المعادية للشعب السوري والشعب العراقي، لقد حول تركيا الى جسر لنقل الإرهاب الى هاتين الدولتين، طمعًا بالاستيلاء عليهما، انهم لا يعرفون النقلة المحدودة التي حركت الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة، يعود ذلك الى الغنائم الكثيرة التي دخلت تركيا عن طريق عصابات المرتزقة من حثالات الإرهابيين والتكفيريين، حيث تتم يوميًا في وضح النهار سرقة النفط السوري والعراقي بكميات كبيرة، إضافة الى عشرات آلاف السيارات والمركبات بأنواعها والجرارات وقطع الغيار وآلات المصانع التي تم تفكيكها وسرقتها وتسليمها وبيعها في الأسواق التركية، تحت اشراف حكومة خليفة المسلمين، حتى سرقة الأعضاء البشرية من المواطنين السوريين والعراقيين، تتم عبر العصابات في المستشفيات والعيادات التركية تحت سمع وبصر وزارة الصحة التركية، وفقا لتقارير اعلامية.

ان سياسة اردوغان الفاشلة، قد أوقعت الشعب التركي في فخ الإرهاب بعد ان انتقل الى عمق الأراضي التركية، انه يدعى كذبًا حرصه على الإسلام..؟ كيف ينسجم هذا الموقف الكاذب مع عضوية تركيا بأكبر حلف استعماري عرفه التاريخ، لا زال هذا الحلف يؤمن بقوة وتفوق السلاح ويعبث بمصير وحياة الدول والشعوب، كما فعل في العراق وليبيا وسوريا واليمن، اليوم يحاول هذا الحلف أن يبرر استمرار وجوده من خلال محاولاته الدؤوبة لإعادة الحرب الباردة الى أوروبا، فهو يحاول توسع قاعدته لتشمل العديد من دول أوروبا الشرقية لتطويق روسيا.

ان هناك تشابه بين ديمقراطية تركيا وديمقراطية إسرائيل في قهرهم للأقليات، في تركيا تلاحق الأقليات القومية كالاكراد البالغ عددهم 15 مليون كردي في تركيا، كما تلاحق الأقليات العلوية والشيعية. والثانية إسرائيل تصادر حرية الشعب الفلسطيني، وتقهره عبر احتلالها والدوس على حقوقه.

حاول الجيش التركي أو جزءًا منه التخلص من حكم اردوغان الفئوي، مع أنني لست من المؤيدين لتغيير نظام حكم بالقوة، لكن محاولة الانقلاب التي قامت في تركيا تؤكد بأنه يوجد شرخ عميق داخل المجتمع التركي، وداخل جيشها، والسبب أن نسبة عالية من المواطنين الاتراك لا زالوا متمسكين في أسلوب وطريقة دولة تركية علمانية، وليس من السهل انتزاع هذا الزي المصيري الهام من نفوس المواطنين.

ان غالبية الانقلابات السابقة التي وقعت في تركيا، جاءت على خلفيات المحافظة على دستور العلمانية، لذلك لا غرابة من محاولة الانقلاب الدامي الأخيرة، لأن تركيا أم الانقلابات العسكرية ومرشحة لانقلابات قادمة، لقد وقع الانقلاب الأول في تركيا في شهر أيار عام 1960، الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية التي ترأسها عدنان مندريس، وكان رئيس البلاد آنذاك جلال بيار، قاد هذا الانقلاب الجنرال جمال كورسيل، جاء هذا الانقلاب كي يعيد النظام الى تركيا، وقد تمت محاكمة عدنان مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي، ووزير المالية حسن بلاقصام وتم اعدامهم، عقب هذا الانقلاب جرى انقلاب آخر في شهر أيار عام 1971 وعرف باسم انقلاب المذكرة، تبعه انقلاب ثالث بقيادة كنعان افيرين في شهر أيلول عام 1980، لقد رافق هذا الانقلاب حالة قمع سياسي غير مسبوقة، وفي سنة 1997، حدث ما سمي بالانقلاب الأبيض، ضد حكومة نجم الدين اربكان، بسبب ميوله الإسلامية، وقد أجبر اربكان على الاستقالة.

الانقلاب الفاشل ضد اردوغان لن يكون الأخير، اذا بقي يسير على نهج التآمر وتدمير الدولة السورية والعراقية ، ستبقى الدماء تسيل ما دام يضع في مخططاته أنه سيكون السلطان أو الخليفة، فقد انتهى عصر السلطنة والخلافة، والذي يعتقد أن اردوغان سيعيد زي الخلافة العثمانية هو واهم، لأن هذا الزي تمزق منذ زمن طويل، ونحن في زمن الشعوب التي تستيقظ من تحت الرماد وتنتقم.

عن موقع الجبهة
23/7/2016





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com