|
في الذكرى الـ 68 للمجزرة التي قتلت فيها العصابات الصهيونية مئة رجل وامرأة وطفل وطفلة… دير ياسين ستبقى الأقسى في الذاكرة الفلسطينية - وديع عواودة
الناصرة – «القدس العربي»: نيسان أقسى الشهور ليس للشاعر البريطاني توماس اليوت فحسب فهو بالنسبة لأهالي دير ياسين، ذكرى للموت والدمار بعد مجزرة رهيبة وقعت بالتاسع من أبريل/ نيسان 1948 وشاركت بنشر الخوف من إرهاب العصابات الصهيونية وبتهجير الفلسطينيين.
include ('facebookshare.php'); ?>
ومجزرة دير ياسين التي تصادف ذكراها اليوم لعبت دورا بالتأثير على وعي الفلسطينيين وعلى تهجير أول مدينتين طبريا (18 و 19 نيسان) وحيفا (20-22 نيسان) اللتين هجرتا في نيسان 48. بالأمس وللمفارقة أحيت مجموعة إسرائيلية الذكرى السنوية برعاية منظمة «ذاكرات» التي نظمت زيارة ميدانية لأراضي القرية المدمرة غرب القدس وعلى أنقاضها أقيمت مستوطنة جفعات شاؤول وبني فيها مستشفى مجانين. وحمل العشرات من الإسرائيليين لافتات تحمل أسماء شهداء المجزرة (99 ضحية) واستمعوا لشروحات حول رواية المكان من الناشط في « ذاكرات « عمر اغبارية، الذي لفت لاستشهاد قائد «الجهاد المقدس» عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في الثامن من نيسان ولانشغال الثوار بتشييع جثمانه في القدس ولاستغلال العصابات الصهيونية ذلك لانقضاضها على دير ياسين. وتسعى «ذاكرات» منذ تأسيسها على يد ناشطين يهود ليبراليين يعتقدون بتسوية الصراع من خلال مصالحة حقيقية، تتحمل فيها إسرائيل المسؤولية عن النكبة وتتيح عودة اللاجئين، ولذا فهي تواصل نشر الرواية التاريخية الفلسطينية مقابل الرواية الصهيونية. في المقابل تواصل إسرائيل محاولاتها التكتم على مجزرة دير ياسين رغم مرور سبعة عقود على ارتكابها. وفي ظل استمرار المعركة على الرواية التاريخية تواصل إسرائيل التحفظ على الوثائق والصور الخاصة بالمجزرة رغم انقضاء ستة عقود على اقترافها من قبل المنظمات الصهيونية وذلك حرصا على « أمن الدولة وصورتها في العالم». وتحتل المجزرة مكانة مهمة في الرواية والوعي لدى الفلسطينيين لا سيما أنها واحدة من أبشع المجازر التي اقترفتها منظمتا «الايتسيل» و»الليحي» تحت مراقبة «الهغناه» بحق الفلسطينيين وفيها قتل 99 من المدنيين الكثير منهم من النساء والأطفال. ويعارض جيش الاحتلال الإسرائيلي فتح ملف دير ياسين في الأرشيف رغم أن القانون يلزم بفتحه بعد مرور 50 عاما على الحدث. وتروي نيطع شوشاني، طالبة إسرائيلية، أن أرشيف الجيش رفض طلبها بمشاهدة ألبوم صور التقطتها عدسة مصور من الهغناه وثق المجزرة. ولفتت إلى أن الجيش يعلل رفضه بالزعم أن نشر الصور يمس بأمن الدولة وصورتها في العالم، وأن لجنة وزارية خاصة أصدرت أمرا جديدا بحظر فتح الملف. وتوضح شوشاني أن أغلبية من شاركوا في المجزرة رفضوا أو تهربوا من التحدث في الموضوع باعتباره «نقطة سوداء». وفي الدراسة تورد شوشاني شهادة للمؤرخ العسكري مئير بعيل حول ما شاهده في دير ياسين في يوم المجزرة وتقول إنه حاول ثنيها عن النبش في» قضية مروعة». وتوضح شهادة بعيل، وهو جنرال في جيش الاحتياط ضمن الدراسة المذكورة لماذا تتحفظ إسرائيل على المجزرة بعد نحو سبعة عقود، فيقول إن مرتكبي المجزرة من منظمتي الإيتسيل والليحي هم «وحوش آدمية تصرفوا كالنازيين». وأضاف «هذه كانت نتيجة تربيتهم الفاشية». ولفت بعيل الذي كان قائدا للهغناه في منطقة القدس وقتها إلى أنه زار المكان في ذاك اليوم للتثبت من مدى قدرة المنظمتين المذكورتين على القتال، وهناك شاهد «مناظر رهيبة». ويكتفي بعيل بذكر الاسم الشخصي فقط للمصور الذي رافقه في زيارة دير ياسين يوم المجزرة ووثقها. وأشار إلى أن الصور حولت لاستخبارات الهغناه «شاي» ولاحقا لأرشيف الجيش. ويقر الدكتور مئير بعيل (83 عاما)، أحد مؤرخي جيش الاحتلال بعلاقة « الهغناه « بوقوع المذبحة، معتبرا كل مزاعم إنكارها من قبل بعض المؤرخين ضربا من العمل السياسي المغطى بغلاف علمي. سرقوا القمح والزيت وأضاف «حتى اليوم لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي مشاهد القتل الوحشية ولا تزال محفورة فيها صورة سيدة كانت مقتولة وسط بركة من الدماء وبجوارها طفلاها والرصاص اخترق جسديهما الملقيين على أرضية البيت. كما أذكر قيام عناصر المنظمتين بإلقاء الكثير من الجثث في الآبار المنتشرة في ساحات البيوت. وأنا كيهودي أخجل مما حصل، وتراودني مشاعر ندم وتدمع عيناي في كل مرة أستذكر المذبحة». كما يستدل على تحاشي إسرائيل فتح أرشيف دير ياسين حتى اليوم، من شهادة نحوم أدموني الذي شارك في المجزرة ضمن شهادته في الدراسة. ويستذكر أدموني أكوام الجثث في شوارع القرية يتعالى منها الدخان بعد حرقها. ويضيف «كما أذكر أننا سرقنا جرار القمح والزيت وليرات ذهبية من داخل المنازل، مثلما أذكر أنني طلبت سيجارة من زميل لي ففتح صندوق الدخان وإذا بها أذن بشرية وما لبث أن قال انتقمت لوالدي.. في ما قطع غيري آذانا أخرى لسرقة الحلي والأقراط الذهبية». ويبدو أن هناك ما يتعدى بشاعة المجزرة ويرتبط بتورط الهغناه بها لا منظمات إرهابية صغيرة فحسب. ففي كتابه «ولادة مشكلة اللاجئين» يشير المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس إلى أن الهغناة بخلاف ما تدعيه باركت احتلال دير ياسين (العملية الموحدة) تمهيدا لتهجيرها والقرى المجاورة. شهادات العين والاستماع عميقا في سويداء الذاكرة الجماعية الفلسطينية تسكن مجزرة دير ياسين. في هذه القرية المحاطة بقرى القسطل لفتا وقالونيا وعين كارم والمالحة كان ساكنوها يحلمون باستقبال موسم الربيع الجديد عندما استيقظوا في ليلة التاسع من نيسان من عام 1948 مذعورين على دوي انفجارات القنابل والعبوات التي ألقتها العصابات الصهيونية سافحة دماء المدنيين ومستبيحة شيخوخة البلدة وطفولتها بدون رحمة. وما جرى في دير ياسين لم يكن المجزرة الفظيعة الوحيدة غير أنها اكتسبت تميزا بسبب حالة الهلع التي سببتها لدى الفلسطينيين فور انتشار وقوعها سيما إزاء اهتمامات الصهيونية بتضخيمها وترويجها إلى كافة أنحاء البلاد بكثير من التهويل بهدف التخويف كوسيلة للترحيل. وقالت الحاجة نفيسة عيد (88 عاما) من دير ياسين ومقيمة كلاجئة في أبو ديس اليوم في شهادتها على مسامع «القدس العربي» إنها ترفض زيارة القرية بسبب الحاجز النفسي. وتروي كيف دخل الجنود الصهاينة بيت عائلة سمور وسرقوا محتوياته وحينما اكتشفوا طفلا بالسادسة من العمر (فؤاد سمور) مختبئا داخله رموه بالنار أمام والدته. واسترجع الحاج عبد القادر زيدان أبو حسن (90 عاما) المجزرة فقال «وقتها هب 60 ثائرا مسلحين بالبنادق والقنابل اليدوية كنت واحدا منهم للدفاع عن القرية فتبادلنا النار مع اليهود من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع حتى انقسمت دير ياسين لشطرين : واحد تحت سيطرتنا والآخر بأيدي العصابات اليهودية. وفي الصباح بدأت تنتشر الأخبار أن اليهود يقتلون السكان العزل بدون رحمة وتمييز» . وطوال يوم الجمعة استمرت المواجهة بين الطرفين حتى الساعة الثانية بعد الظهر وذلك بعد أن نفدت ذخائر المدافعين عن القرية. ويفيد أبو حسن بأن المقاتلين الفلسطينيين في منطقة باب الواد لم يسعفوا الموقف لانشغالهم في تشييع جنازة الشهيد عبد القادر الحسيني. وأضاف»لاحقا فهمنا أن اليهود استغلوا ذلك بعد أن راحت «هذه الخديعة على قيادتنا والله أعلم». فيما بدا وجهه متجهما ومحتقنا قال أبو حسن إنه عندما وصل سوية مع سكان دير ياسين نازحين إلى قرية عين كارم المجاورة فجع لسماع نبأ مقتل والده حسن وشقيقه علي وعمه مصطفى وزوجته عايدة وأولادهما السبعة والكثير من أقربائه وابن عمته عبد الله الذي أسروه وسكبوا عليه الكاز قبل رميه بالنار قبالة والدته. وتابع «بكيت حتى جفت الدموع في مقلتي لكن مصيبتي كانت جزءا من كارثة أكبر وربما كان في ذلك بعض العزاء». وكان الحاج علي عبد الجابر أبو يوسف يصغي بخشوع لأقوال أبو حسن بعينين ملؤهما الأسى حتى أنهى حديثه وعندها تدخل قائلا «الشكوى لغير الله مذلة ولكن بعد مائة عام ستجد أحفاد أحفادنا يروون التفاصيل التي نسمعك إياها اليوم ولن نصفح أو ننسى». عن القدس العربي 8/4/2016 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |