|
عن الضباع والخنازير وأحوال الضفة الغربية - إبراهيم نصر الله
يبدو أن الكيان العنصري الصهيوني قد تنبّه منذ النكبة لخطورة الحيوانات والأدوار الغامضة والواضحة التي يمكن أن تقوم بها! ولعل نجاة سعيد أبي النحس المتشائل من سيل الطلقات التي أطلقها الجنود الإسرائيليون صوبه في رواية إميل حبيبي، كانت بداية هذا الانتباه، لأن سعيدا يوما نجا بفضل ذلك الحمار الذي اختبأ خلفه!
include ('facebookshare.php'); ?>
في الانتفاضة الأولى ابتكرت بيت ساحور أسلوبها الخاص في المقاومة، حيث لجأت ثانية لنوع آخر من الحيوانات، هو الأبقار، لاستخدام حليبها لمقاطعة الحليب الإسرائيلي، يوم أدرك الفلسطينيون أن أطفال الثورة، أطفال الشعوب التي تنشد حريتها، لن يتحرروا أبدا إذا ما شبّوا على حليب قوات الاحتلال. أتيح لي أن أستمع لقصة البقرات، وتسجيلها، عام 1990 من أفواه عدد من سكان بيت ساحور، إضافة لحكايات أخرى، وقد ظلت تلك الحكاية حاضرة في ذهني طوال الوقت، لتطويرها كعمل روائي؛ وتكررت فرصة الاستماع ثانية للحكاية من أفواه أبطالها، مرة ثانية، في خريف عام 2013، وتضاعف حجم اهتمامي بها. حكاية البقرات، البقرات التي تحوّلت إلى هاجس إسرائيلي، باعتبارها تهديدا لأمن خامس أقوى دولة في العالم، تحولت إلى فيلم وثائقي جميل يدور العالم هذه الأيام في عروض متتالية، حيث يقابل بالترحيب. وبغض النظر عن السؤال حول مدى سعة المساحة المتاحة للفيلم الوثائقي لكي يتحرّك في أجواء الفيلم الروائي، أو الخيالي، مضيفا أحداثا، ومغيّرا أحداثا ومصائر، ومبتكرا نهايات أخرى، ورؤى يمكن أن تناقش، إلا أن (المطلوبات الـ18)، أي البقرات، لعبن دورا رائعا في كشف هشاشة نظام عنصري يرعبه الحليب، هذا الكيان الذي يتفنن في إصدار أحكام بمئات الأعوام على مناضلين فلسطينيين، كما لو أن إمبراطوريات الظلم التي سبقته، وقامت على الدم، لم تزل بكامل عافيتها! إنها العنصرية التي تبيح لهذا الكيان أن يكون على يقين بأن الموت للآخرين والحياة واستمرارها له وحده! ثانية، تذكّر الإسرائيليون حمار المتشائل، حين شنّوا حملة غير عادية على حمار قرية قريوت قرب نابلس، إذ انفجر فيهم الهاجس الأمني ثانية، فهاجم مستوطنو (عليله) المجاورة لقريوت، معززين بالجنود حمار فلاح فلسطيني، وهم يطلقون النار صوبه، بحجة أن الحمار يشكل مصدر إزعاج لهم. وهكذا اجتاح المستوطنون والجنود حديقة البيت والمزروعات المحيطة به، ودمروا كل ما في طريقهم، حجّتهم أن البقعة التي رُبط فيها الحمار، خاضعة للمنطقة (ج)! وحين سأل صاحب الحمار ولكن أين أربطه؟ رد الجنود: بأن الارتباط العسكري الإسرائيلي سيحدد مكان ربطه، وسنبلغك بذلك! الإمبراطورية الصهيونية العظمى! العابرة للماضي والمستقبل بكل ثقة! لا تكتفي بمستوطنيها وجنودها لاجتياح الحقول والبيوت الفلسطينية، وحرق الصغار والكبار، فقد تبين لها أن الخنازير البرية يمكن أن تكون عنصرا فعالا في إقلاق راحة الفلسطينيين ليلا ونهارا، وتدمير محاصيلهم، ومنعهم من الاقتراب ليلا من كرومهم، ولهذا التدبير فائدة كبيرة أيضا، إذ يحرم الفلسطينيين من الوجود في أرضهم ليلا، ويمنح المستوطنين الفرصة لحرق هذه الكروم وتقطيع أشجارها. يتساءل المرء: ما الذي فعلته الأشجار ليقوموا بإعدامها بكل هذه القسوة؟! أي بشر هؤلاء الذين يكنون كل هذا العداء لزيتونة؟! المهم أن الإسرائيليين يستعينون بقطعان الخنازير، فتأتي بها شاحنات وتلقيها في الأراضي الفلسطينية، ويمدّ المستوطنون يد العون لهذه الخنازير بإلقاء فضلاتهم خارج الأسوار والأسلاك الشائكة التي تقبع خلفها مُغتصَباتهم. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، فالتقارير تقول إن إسرائيل لا تكتفي بقوات الخنازير البرية هذه، بل تلجأ إلى التشكيلات الجوية، فتقوم بإنزال هذه الخنازير بالطائرات في بعض المناطق التي لا تستطيع الشاحنات الوصول إليها! ها قد التقت قوات الجو والبر لمداهمة حقل بطيخ أو ذرة أو خيار، واجتياح أسوار بستان رمان أو مشمش أو أجاص أو تين؛ وبات على الفلسطيني الذي يستخدم هاتفه لينذر ابنه أن هناك حاجزا عسكريا مفاجئا على طريق البيت، أن يحذره: هناك مجموعة من الخنازير البرية القاتلة تطوف حول البيت، أو في الحقل المجاور له، فكن على حذر، أو: امض ليلتك حيث أنت! في أحيان قليلة، يحدث أن يتمكن فلسطيني من قتل خنزير. بالطبع، هنا سيواجه بتهم أقلها إبادة هذه المخلوقات المسالمة، كما حدث قبل أسبوعين، إذ طوّرت الإمبراطورية الصهيونية قدراتها، وعززت انتشار الخنازير بالضباع، ومنحت لهاتين الفصيلتين المسالمتين حصانة خاصة تلزم الفلسطينيين (المتوحشين) بمراعاة كامل حقوقهما في التدمير والقتل والاجتياح وبث الرعب. في الأسابيع الماضية، التي شهدت إحراق الطفل علي الدوابشة وأسرته، وقيام الجيش بإعدام شبان فلسطينيين بدم بارد، تجاوز الفلسطينيون حدودهم حين قاموا بقتل ضبع في منطقة الخليل، فثار الإعلام الصهيوني واصفا الجريمة بأنها: وحشية! الإسرائيليون، كانت حجتهم أن الضبع نادر، ولا يعرف المرء هل سيختلف الأمر لو أن الضبع غير نادر؟! إذ يبدو أن الضباع كلها نادرة في نظرهم. ثم ماذا عن الخنازير البرية؟ هل هي نادرة أم غير نادرة في عرف هذه الأمة المتحضرة؟! العناوين كانت كالتالي: (القناة السابعة: فلسطينيون ضربوا ضبعا نادرا حتى الموت. موقع 0404: ما حجم وحشية هؤلاء؟ (الفلسطينيون) يديعوت أحرونوت: عمل غير مقبول أخلاقيا). مشكلة الفلسطينيين أنهم لا يستطيعون مواجهة الخنازير والضباع، لأن ذلك سيضعهم تحت طائل المسؤولية، كما أنهم ممنوعون من حمل السلاح بالطبع، أما قوات أمنهم الوطني فهي لا تستطيع إطلاق النار من البنادق التي بين يديها، حتى على كلب ضال، في 60 بالمئة من أراضي الضفة الغربية المسماة مناطق (جيم). لذا، وأمام وضع شائك كهذا، لا يبقى علينا سوى أن نتفهم إنسانية قوات الأمن الفلسطينية، وحرصها الشديد على إعادة سلاح الضابط الإسرائيلي في كتيبة «كفير» المسؤولة عن الاعتقالات الليلية بالضفة المحتلة، السلاح الذي فقده في الخليل مؤخرا، بعد حملة تفتيش تكللت بالنجاح! فمن يعرف، فقد كان يمكن أن يقوم (متوحش) فلسطيني باستخدام هذه البندقية في قتل ضبع أو خنزير. هكذا تقوم السلطة بحكمتها وبُعْدِ نظرها بحماية الفلسطيني من طيشه ووطنيته، فدرهم وقاية، عند هذه السلطة، خيرٌ من تحرير حقل مزهر وبستان مثمر من فيلق ضباع أو كتيبة خنازير! عن القدس العربي 19/8/2015 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |