تشريد ومطاردة فلسطينيي سورية! - رشاد أبوشاور



لمن يهمهم الأمر: ما زال أهلنا في مخيم اليرموك مشردين، ومخيمهم محتلاً.

اندفع فلسطينيو المخيم للنجاة بأنفسهم من الجحيم حتى وصل بعضهم إلى لبنان. توجهت بعض الأسر إلى مخيم عين الحلوة المكتظ الضيّق على سكانه. هناك من اختصروا رحلة التشرّد الجديدة فانحشر مع الأهل في ثكنة (ويفل)، أي مخيم بعلبك، وهو ثكنة فرنسية سابقة، الذي عندما تغلق بوابته، فإن الفلسطينيين هناك يعزلون في (الغيتو)!

المخيمات في سورية موزعة من الشمال إلى الجنوب، فهي تبدأ من درعا وتصل إلى حلب، مرورا بحمص، وحماه، واللاذقية.

مخيم اليرموك الملاصق لدمشق من جهة الجنوب، تطورت أحواله في كل العهود السورية، ولم يحدث أن تعرّض (لاحتلال)، أو اقتحام، حتى في أحلك الأوقات، أي في زمن الانفصال القصير، الذي قاومه الفلسطينيون، مع أهلهم في سورية، المؤمنون بأن الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين، والذين بنوا أحلاما وآمالاً على وحدة مصر وسورية!

كثير من عائلات اليرموك حاولت النجاة باللجوء إلى مخيم (خان الشيح)،على اعتبار أنه ناء عن دمشق، ومعركة دمشق الاستراتيجية كما وصفها الجنرال (صبرا) تمر باليرموك، وهذا ما جعل فلسطينيين مخيم اليرموك، ومخيم خان الشيح، يطمئنون إلى أن نيران المسلحين لن تستهدفهم.

يبلغ عدد سكان مخيم خان الشيح حوالي 22 ألفا، ويبعد عن دمشق 28 كم على طريق القنيطرة، وهو محاط بمزارع وفيلات.

اتسع مخيم خان الشيح، رغم ضيقه، للأهل الفارين من الاحتلال الاستراتيجي لمخيم اليرموك، حتى بلغ عدد سكانه مع النازحين إليه قرابة ال80 ألفا..وبيت الضيق، كما يُقال، يتسع لمائة صديق، فما بالك والصديق هو أخ منكوب!

المخيم ناء عن أن يكون موقعا استراتيجيا لمعركة دمشق الحاسمة!..ومع ذلك تم اقتحامه، ولم يشفق (الثوّار)، أو (المجاهدون) على أهله، ومشرديه، مما دفع ناسه إلى المقاومة السلمية بالتظاهر، فدفعوا المسلحين خارجه، لكن المسلحين عادوا وحاصروا المخيم، وقتلوا وجرحوا كثيرين في اشتباكات هدفت لبسط السيطرة عليه، وإخضاع أهله، لجر الجيش السوري للاشتباك معهم، وجعل الفلسطينيين هناك متاريس، لأهداف غير خافية!

حتى اللحظة المخيم محاصر، وأطرافه محتلة، والمسلحون يتعمدون الاشتباك مع وحدات الجيش السوري القريبة لاستدراجها لقصف مواقعهم المتداخلة مع المخيم!

الاشتباكات اليومية تدفع أسرا كثيرة للرحيل دون وجهة محددة، فلا المخيم النائي يصون حياتهم، ولا البساتين المهجورة تمنحهم الأمان، ولا إعلان فلسطينيي سورية جميعا المتكرر، وفي كل مخيماتهم، أنهم يرفضون جرّهم لمعركة ليست معركتهم، يصون دمهم، ويحفظ كرامتهم، ويحرك المشاعر الإنسانية في نفوس وضمائر وعقول من يطاردونهم، فيكفون عن التسبب لهم بمعاناة لا مبرر لها!

مخيم السبينة جنوب مدينة دمشق محتل بالمسلحين الذين يشتبكون مع الجيش السوري من داخل المخيم، بنفس (خطة) استدراج الجيش لقصفهم، أي لقصف المخيم، وقتل الفلسطينيين، بحيث يتحوّل الدم الفلسطيني إلى سلعة للاتجار بها، بتوظيف هذا الدم، والضحايا الذين يتساقطون يوميا، لعملية تشهير إعلامي!

هنا ينطبق المثل على هؤلاء المسلحين: يقتل القتيل ويمشي في جنازته!

واضح أن هناك من يخطط لهم، ومن لا يأبه بتحويل الفلسطينيين إلى ضحايا، وكأننا أمام مخططات نفس (المُعلّم) الذي اقترف جرائم قتل الفلسطينيين في بغداد بعد الاحتلال الأمريكي، وشردهم حتى وصلوا البرازيل، وتمزقت أسرهم، و(نُظّف) العراق من الفلسطينيين..خدمة لمن؟!

أهذا ما يُدبّر لهم في سورية، في حال نجح المخطط الذي يمضي من مخيم درعا، إلى مخيم اليرموك، إلى مخيم السبينة، إلى مخيم خان الشيح،والذي يتواصل قتلاً وتشريدا يوميا في كل المخيمات؟!

لم أقرأ كلمة لمن يُنظرون لحملة السلاح عن مأساة الفلسطينيين في سورية، ويبدو أننا لن نقرأ فهم منهمكون للتنظير من منطلقات ثورية جذرية، حتى إنني وأنا اقرأ بعض مقالاتهم أحسب بان غيفارا ، وهوشي منه، وماوتسي تونغ، يقودون (الثورة) في سورية؟! وأضيف: وكأن سلطان باشا الأطرش،وإبراهيم هنانو، وبطل ميسلون يوسف العظمة، والشيخ صالح العلي، وحارس دمشق حسن الخرّاط، يقودون الثوار الزاحفين على دمشق، والمكتسحين في الطريق مخيمات الفلسطينيين (لزوم المعركة الاستراتيجية العظمى)، و(المسيرة الكبرى)!

هؤلاء لا يقولون إن من يحتلون المخيمات هم من جبهة النصرة التي تُكفّر من يؤمن بالديمقراطية! ..والذين لا يريدون التغيير في سورية لتحقيق حرية الأحزاب، وصناديق الاقتراع، وحرية الصحافة، ولكنهم يعلنون، وهم واضحون ولا يخفون أهدافهم، إنهم يحملون السلاح لفرض شرع الله، وذلك بإقامة دولة الخلافة..وهي ليست دولة يسارية، ولكنها دولة دينية لا تنسجم مع تنظيرات (الراقصين في العتمة) بعيدا في عواصم أوربة، والذين لا (كتائب) لهم في الميادين، فاللحى ليست لحى جيفارية، ولا حتى لحية الروائي العظيم (همنغواي) الذي أنا معجب به جدا!

الفلسطينيون في سورية، وفي غير سورية، غير معنيين بدولة الخلافة، وهم لا يملكون أن يمنعوها، ولكن هذا لا يغيّر أبدا في إنهم يريدون العودة إلى فلسطين، إلى حيفا ويافا واللد والرملة وأخواتها، وقرى فلسطين التي هجّروا منها عام 48، وعام 67 ..فهل تشريدهم من مخيماتهم يبشّر بعودتهم لفلسطين، أم إن عليهم أن يتشردوا بانتظار قيام دولة الخلافة، وعودتها إلى (إستنبول) العليّة؟!

الحلال بيّن، والحرام بيّن، فمن يشرد الفلسطينيين يقترف جرائم تدينه، وتفضح نواياه وأهدافه، ليس بنظر الفلسطيني وحده، ولكن بنظر الأمة من محيطها إلى خليجها، وبنظر كل شرفاء العالم وثورييه الحقيقيين المعادين للصهيونية وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، وكل القوى التي ترفع رايات الديمقراطية الزائفة المفضوحة.

الفصائل الفلسطينية صامتة، ومستعجزة!..وأغلب قادتها يتخذون مواقف جبانة وانتهازية، فهم يتركون أهلنا في مخيمات سورية لقما سائغة لمسلحين أغراهم احتلال اليرموك، بمواصلة تنفيذ مخططهم في بقية مخيمات دمشق، لينتقلوا بعد أن تمكنوا من اليرموك، من تهجير أهلنا في بقية مخيمات سورية، ولا سيما في الوسط، والشمال.

هذا ما لزم أُعلم به كل من يهمه أمر الفلسطينيين في سورية، المتروكين لرشاشات القـــــتلة، ولامبــالاة قــــيادات فصائل لم تعـــد فاعلة، ولرأي عام عربي غافل عن (مؤامرة) تشريد الفلسطينيين، وإغلاق مخيماتهم، بحيث لا يبقى هناك من يرفع لواء حق العـــودة، وينجب فدائيين مقاومين، ويعمل للعودة بالتشبث بهويته الوطنية العربيـــة الفلسطينية في وجه الاحتلال الصهيوني، والتآمر الأمــــريكي، والتواطؤ العربي الرسمي، ولا سيما النفطي..اللهم قد بلّغت، اللهم فاشهد.


22/3/2013






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com