عودة الى مقالات - بقلم صاحب الموقع


سحماتا في قلوب أبنائها
سحماتا قبل وبعد النكبة

كانت سحماتا إحدى القرى العامرة في جِيد فلسطين، وهي تقع في قلب الجليل الأعلى على قمّتي تلّتين جميلتين من تلال فلسطين الجميلة. تبلغ مساحتها 17 ألف دونم، وكانت مشهورة بتبغها وزيتونها، ومعروفة بأناسها الطيّبين الذين كانوا يعيشون في ودّ ووئام، يحلمون بالمستقبل ويعملون بجدّ واجتهاد في عرس الوجود، إلى أن حلّت بهم النكبة عام 1948 وتعرّضوا لعملية تطهير عرقيّ كغالبية شعبنا العربي الفلسطيني، وتفرّقوا أيدي سبأ على أيدي العصابات الصهيونية. هدموا القرية عن بكرة أبيها وحوّلوها إلى كومة من الأحجار، ولم يبق فيها إلاّ بقايا كنيسة، والجامع غدا أثرًا بعد عين. صادروا أراضيها وأقاموا عليها المستوطنات ومنعونا - نحن أبناؤها الشرعيين، الذين نبتنا في ترابها وتحت شمسها وضوء قمرها عبر الدهور، وتنسّمنا هواءها وشربنا ماءها - من العودة إليها، باعتمادهم على شتّى القوانين العنصرية التي سنّوها. بقي من سكان سحماتا 7% تعدادهم اليوم 600 نسمة، يعيشون كمهجّرين بين ثنايا الوطن في إحدى عشر قرية ومدينة، قريبين بعيدين عنها. وأمّا الغالبية الساحقة منهم فحطّوا في دنيا الشتات والغربة.

وراهن الصهاينة منذ البداية أن "الكبار يموتون والصغار ينسون" وتذوب قضيّة فلسطين.. وبالرغم من مرور السنوات الطوال من التهجير واللجوء القسريّ وشتّى أنواع المعاناة، بقينا نحن "السحامنة" كإخوتنا المهجّرين واللاجئين متعلقين بعقولنا وقلوبنا بحق العودة. فسحماتا تسكن فينا ولا يمكن انتزاعها من بين الضلوع، والأجيال المتتالية منّا تزداد بها حبًاً ووجدًا.

التنادي للدفاع عن حقوق المهجّرين وتأسيس "جمعية أبناء سحماتا"

ومع تردّي الأوضاع في عالمنا العربي، وحلول مؤتمر مدريد عام 1991، الذي تجاهل قضية اللاجئين في وطنهم كما تجاهلها لاحقًا اتفاق أوسلو، تنادت مجموعة من المهجّرين الشباب عام 1992 وأقامت لجنة مبادرة للدفاع عن حقوق المهجّرين، لبدء نشاطهم المنظم وسلوك طريقهم في أخذ قضيتهم العادلة بأيديهم. وفي 11 آذار 1995 دعت هذه اللجنة لعقد اجتماع عامّ للمهجّرين تمثلت فيه حوالي 30 قرية، وانبثقت عنه اللجنة القطرية للدفاع عن حقوق المهجّرين وتمثلت فيها قرية سحماتا.

وبُعيدَ هذا الحدث الإيجابي في حركة المهجرين العامة, تأسست جمعية أبناء سحماتا قانونياً وأخذت تقودُ نضالات أهالي سحماتا المتعددة بشكل منظم وفاعل في إطار الأهداف التي حدّدتها من منظور وحدتها مع حركة المهجّرين العامّة؛ ويقف في الصُّلب منها حق العودة إلى أحضان سحماتا، والقيام بشتى الفعاليات السياسية والثقافية والتربوية على ترابها، ونقل ثقافة العودة من جيل إلى جيل بين كل أبناء سحماتا في الوطن وفي دنيا الشتات، والإسهام بشتّى الفعاليات والنشاطات العامة التي تصبّ جميعها في معركة العودة. وقد دأبت الجمعية منذ البداية على عقد اجتماعها السنوي العام، تلخص فيه النجاحات وتشير إلى نقاط الضعف وتضع برنامجًا عامًا للسنة التالية، ثم تنتخب إدارة لتسيير شؤونها وقيادة نضالها ونضال أهالي سحماتا حتى الاجتماع الذي يليه. وفي النهاية تتخذ القرارات المناسبة ومن أهمّها التي تؤكد على حق العودة والصمود في وجه المتآمرين والمتخاذلين.

نضالات أبناء سحماتا

إن من أهمّ المحطّات في نضالنا، إحياء ذكرى نكبة شعبنا العربي الفلسطيني ونكبة قريتنا التي هي جزء منها، والتي تصادف الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول على ثراها الطيب، وذلك باشتراك المئات من أبناء سحماتا، شيوخًا وشبابًا وأطفالاً، مع أنصارهم، ممسكين براية العودة مع الإخوة المهجّرين واللاجئين وجماهيرنا العربية والقوى الديمقراطية المتضامنة. كما ونعلن عن دعمنا لشعبنا الفلسطيني في نضاله الشجاع من أجل كنس الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. هذا، وتستقبل جمعية أبناء سحماتا كل عام عددًا من الوفود التي تتعرّف على القرية وتعلن تضامنها مع الأهالي.

من أجل حماية قرية سحماتا وأراضيها

واعتدنا أن نحيي يوم الأرض كل عام في أحضان قريتنا، نتفقّد معالمها ونعمل على ترميم مقدّساتنا قدْرَ الإمكان، لأن السلطات تمنعنا من ترميمها كما يليق. وفي هذا العام أحيا أبناء سحماتا ذكرى يوم الأرض على أراضي قريتهم، وقاموا بجولة عليها من جهة الشمال وقلوبهم تخفق حبّاً ووفاءً لها. وبقوا يتجوّلون بين أضلعها حتى أطلّوا على المنطقة المعدّة لمشروع إسكان يتبع مستوطنة معلوت يتضمّن بناء نحو 3500 وحدة سكنية وفق ما أقرّته لجنة التخطيط والبناء في لواء الشمال بداية هذا العام. ويجدر ذكر أن جناح مستوطنة معلوت الشرقي يجثم أيضًا على أراضي سحماتا المصادرة، وعليها تجثم أيضًا مستوطنتا "حوس" و"تسورئيل".

إن "جمعية أبناء سحماتا" التي وقفت بقوّة منذ البداية ضد هذا المشروع الاستيطاني الرّهيب، فضحته إعلاميًا وتوجهّت لاحقًا إلى ضمائر كل الشرفاء في العالم بنداء أطلقته عبر بريد الجمعية الإلكتروني في 15/2/2008، للوقوف إلى جانبها وإيقاف هذا المشروع العنصري وإعادة الأراضي المصادرة لأهالي القرية، والعمل على تجسيد حق العودة للمهجّرين واللاجئين. وتثمّن الجمعية عاليًا التجاوب الكبير في التوقيع على النداء محليًا وعالميًا. نتوجه إلى جماهيرنا العربية مناشدينها مواصلة دعمها لمطالبنا العادلة وذلك بالتوقيع على النداء (العريضة) في موقع الجمعية.

فعاليّات تربوية وثقافية لجميع الأجيال

وقد شهد عملنا طيلة كلّ هذه السنوات سلسلة من الفعاليات التربوية والثقافية والإعلامية. وحتى تظلّ تخفق راية العودة، أخذنا على أنفسنا منذ عام 1998 إقامة ملتقىً سنويّ للأطفال، يقضون خلاله أوقاتهم بين أجنحة القرية برفقة الأهالي، وتقدّم فيه البرامج التربوية والثقافية والترفيهية من غناء وأناشيد وحكايات وتمثيل، كلّه بهدف تعميق الارتباط بقريتهم والتعرّف على بعض معالمها وتاريخها، ولزرع الأمل والإصرار في قلوبهم بأن سحماتا يومًا ستعود لهم وهم من بُناتها.

ولم نتردّد في السنوات التي مضت في الإسهام في الندوات التي أقيمت في بعض مدارسنا الثانوية حول قضية المهجّرين والتعاطي معها من باب أن طلاب الثانوية هم جيل المستقبل، وإدراكًا منّا لأهمية نشر ثقافة العودة وخاصة عن طريق المسرح. فقد لعبت مسرحية "سحماتا" - التي ألّفها حنا عيدي وإدوارد ماست الأمريكي، وتألّق فيها الممثل لطف نويصر في دور الجدّ، وميسرة مصري في دور الحفيد، وأنتجها مسرح الميدان - دورًا هامّاً في الترويج لقضية المهجّرين واللاجئين، حيث جرى عرضها الأوّل على أرض سحماتا بتاريخ 21/8/1998 على خلفية بيوت سحماتا المهدّمة. وقد تنقلت المسرحية كسفير أمين لقضية أبناء سحماتا الوطنية في طول البلاد وعرضها، وفي بعض الدول الأوروبية، حيث تجاوز عدد عروضها الـ230 عرضًا.

وبنفس روح مسرحية "سحماتا"، فإن مسرحية أُخرى هي "العمّ متّى" - التي كتبها حنا عيدي ويمثلها لطف نويصر - تنقل الرسالة بشغف وإبداع إلى جيل الطفولة، حتى يبقى قابضًا على الشعلة.

نشاطات الجمعية في وسائل الإعلام وموقع أبناء سحماتا

وأمّا في مجال الإعلام، فمنذ البداية أدركنا أهميته وتعاطينا دومًا مع مختلف وسائله المقروءة والمسموعة، وخاصة العربية منها التي نقلت بإخلاص إلى جمهورها عن نشاطاتنا وفعالياتنا. وقبل نحو ثلاث سنوات افتتحت الجمعية موقعًا إلكترونيًا لها، باللغات العربية والانجليزية والعبرية، يغطّي كل ما يتعلّق بسحماتا، وخاصة باللغة العربية. وقد تحول الموقع إلى بيت دافئ لأهالي سحماتا في الوطن ودنيا الشتات والغربة، كما تحوّل إلى نافذة أخّاذة تطلّ على كل من يحبّ سحماتا ويحبّ فلسطين. وتحوّل الموقع خلال هذه الفترة إلى منبر يتحدّث من خلاله أبناء سحماتا وأنصارهم بالكلمة الدافئة الواعية والملتزمة، ويلاقي التقدير والإعجاب من الذين يلِجون إليه.

ختام

وعلى أعتاب ذكرى النكبة الـ60، تؤكد "جمعية أبناء سحماتا" أن المهجّرين يتمسّكون بأهدابهم بحقهم في العودة، وأنهم عانوا طيلة كل هذه العقود وما زالوا يعانون من صلف حكّام إسرائيل الذين حرموهم من ديارهم ومن حقولهم وكرومهم وبيّاراتهم. وأبناء سحماتا واعون لما يُحاك في السرّ والعلن لهم ولأهلهم في المنافي ومخيّمات اللجوء من دسائس ومؤامرات للالتفاف على قضيتهم والقضاء على حقهم في العودة.

إن الرسالة واضحة، وهي تنبع من كوننا نحن أبناء الوطن الأصليين، ولم نأتِ إليه من وراء البحار. وشعبنا وكافّة قواه وهيئاته الوطنية وكلّ قوى الخير، سيتابعون النضال لأجل القضية العادلة، قضية العودة، إلى أن تتحقق.

وجيه سمعان
رئيس جمعية أبناء سحماتا
أوائل أيار 2008



* مقالة, تعرّف بإيجاز على دور جمعيّة أبناء سحماتا كتبت خصّيصا بمناسبة الذكرى الستين للنكبة لنشرة احتوت موادّا متعددة أخرى, ووزّعت بآلاف النسخ في مسيرة العودة في صفورية بتاريخ 8/5/2008. هذا وقد تضمّن موقع جمعية أبناء سحماتا هذه المقالة .





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com