* في هذه الأيام التي يواصل فيها شعبنا العربي الفلسطيني ببطولة نادرة معركته من أجل الحرية والإستقلال والكرامة , ويروي بدماء أبنائه أرض فلسطين الطهور , لا تغيب عن باله ولو للحظة النكبة التي حلت به عام 1948 وما تلاها والتي أدّت به إلى هذه الحال. إنه لا يزال منذ ذلك التاريخ يخوض نضاله الأسطوري ضد الصهيونية ومن لفّ لفّها من قوى امبريالية ورجعية التي سبّبت له كل هذه الويلات .. وما المواجهات الضارية التي لا زالت تدور منذ اندلاع " انتفاضة الأقصى " في 28 - 9 - 2000 من قبل قوات الاحتلال وسوائب المستوطنين ضد شعبنا الأعزل إلاّ حلقة في هذا النضال. هذه المواجهات التي قدّم فيها الفلسطينيون حتى الآن أكثر من 150 شهيدا , نصفهم أطفال في عمر الورد, والآلاف من الجرحى .

مجازر ومذابح رهيبة ترتكب وتتعطش للدم .. حتى في اسرائيل نفسها التي نحن مواطنون فيها قدّم شعبنا 13 شهيدا ومئات الجرحى والمعتقلين مما يدلّ على عمق الروح العنصرية التي تسود فيها .

إنّ هذه الهبّة العملاقة كشفت عورة حكام اسرائيل وزيفهم ووضعتهم في الزاوية , وأظهرت بجلاء مدى الوحشية التي يتسمون بها وتكشفهم أمام العالم أجمع . كما وبيّنت القدرة الهائلة الكامنة في صدور أبناء شعبنا في الدّفاع عن نفسه وكرامته , وأنه لا توجد قوة في الأرض تمنع هذا الشعب الأسطورة من نيل حقوقه كاملة .

لقد هزت هذه الانتفاضة الباسلة مشاعر الملايين في العالمين العربي والاسلامي وفي العالم الأوسع . إنّها انتفاضة تحمل في رحمها جنين الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ,وتدفع بقوة إلى الأمام حق اللاجئين المقدس في العودة إلى بيوتهم وديارهم .وعلى الدوائر الحاكمة والمتنفذة في اسرائيل ومن يساندها أن تدرك اليوم قبل الغد أنها كمن يناطح الصخر ولن تستطيع أبدا التهرب من هذا الحق غير القابل للتصرّف .

وفي هذا الزمن العصيب , في الثامن والعشرين من هذا الشهر تطلّ علينا الذكرى ال52 لاحتلال قريتنا سحماتا وتهجيرنا وتشريدنا منها على أيدي القوات الصهيونية . والحق يقال أنّ لكل قرية ومدينة فلسطينية تاريخها الخاص يشير إلى زمن تهجيرها وتشريدها .. صمدنا طيلة كل هذه المدة ونحن متشبثون بأهدابنا بحقنا في العودة إليها .. ظنّ الطغاة أنهم بهدم منازلنا , وتدنيس مقدساتنا , ومصادرة أراضينا وأملاكنا وإقامة المستوطنات عليها يستطيعون حملنا على نسيانها . إنّ حبّات التراب فيها , وصخورها وجبالها ووعورها ووديانها تنادينا للعودة إليها.. وأرواح آبائنا وأجدادنا الذين أحبّوها تحثنا على الصمود وأن نكون أعند من صوّانها في إصرارنا لملاقاتها وبنائها من جديد .

إنّ هذه الجريمة التاريخية المستمرة بحق سحماتا وأخواتها والتنكر لحق أهاليها بالعودة إليها ستبقى تلاحق حكام اسرائيل في اليقظة والمنام .. إنّ قلوبنا مليئة بالغضب وتغلي كالبركان على هذه السياسة العنصرية التي تعمل على جلب المهاجرين من كل زاوية في العالم وتبني لهم المستوطنات على أراضي قرانا , وتمنعنا نحن أهل البلاد الأصليين من العودة إليها.. يتحدثون عن التعايش والمساواة !! ونحن بدورنا نسأل هذا السؤال الكبير : هل يمكن أن يتم ذلك وهناك ربع مليون فلسطيني في وطنه مهجّر؟! وما هذا السلام الذي يتحدثون عنه مرّة , ويغتالونه ألف مرّة ؟! إننا نحن المهجرين نعشق الأرض والوطن , ونملك إرادة الصمود.. ومهما طال الليل فمعالم الضوء لا بدّ آتية . وسترقص حبّات التراب عند بوابات العبور التي نعود منها إلى قرانا وبيوتنا .

وجيه سمعان
( حيفا )
تشرين الأول عام 2000





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com