|
إلى ناجي العلي في ذكرى اغتياله:
"لو تأخّرت قليلا، يا ابن الشّجرة، لصاروا غابةً يلوكُها الورق!" .. ساوموا على دمِ شعبِكَ، وسلاحِ بدنِكَ، كلّ العرب ضدّ العرب، والأعداءُ بانتظار كاس المرق. اتّهموا شُجعانِكَ بشُجاعيّتهم، وأبطالكَ بترمّلِ نسائهم، وأطفالكَ بقُبُورِ دُماهُم. لم يستبسل جُبنُ العرب. صباحُ الخيرِ يا ناجي.. وطنُكَ بخير وفي ذكرى رصاصةٍ أطفأت عينيك اشتعلت على مدِّ القلبِ ضفّتين، ولم يتغيّر الكثيرُ، يا صاحبي، على أمّةِ الحَرَمين. وتحتَ مكرِ عَربين ضربَ وطنك شُواظُ شُّهُبين، في الرّأسِ وبين الكتفين، حَرقَا بيُوتا وحدائقَ وجنّتين. وشعبكَ، كما كانَ، لا يزالُ مُحاصرا، بأولادِ الكمبِ، وشجرتُكَ ترعى فيها الأغنامُ والبقر. ولا، لا جديد في ذكراكَ سوى حُلُمٍ صفيقٍ حَلُمَنِي يقولُ أنّ حنظلكَ سيعُودُ نارا ووبالا على رؤوس سماسرة الدّمِ، وقُوّادِ القِمَم. تحلّ ذكراك في أيّامٍ يتيمةً، يا صديقي، وتسقط في عيني عيدٍ بلا سقيفة داخل نعش، تحتفلُ بهِ كلّ البلادِ، ما عدا، أولياء العرش. وبلدُكَ، لايزالُ متفرِّقاً ممزّقاً، لم يلتئم فيهِ سوى قمر غزّة فوقَ شُجاعيَّةٍ مُدمَّرة. كانَ الأعداءُ على بُعدِ حصوتين من طفلةٍ تلعبُ بدميتِها تحتَ سرِّ اللّيل، فقتلَهَا. وعلى بُعدِ قلبَيْنِ من امرأةٍ حُبلى، فأجهضَ جنينَها. وعلى بُعدِ شبرينِ من مُناضلَيْنِ، فقاوَمَ إرهابَهُما بقذيفتين، واحدةٌ في الرّأسِ، والثّانيةِ في الذاّكرة طيّرت أشلاءهما. وفي خطّ رجعتِةِ مسحَ كلَ شيء، بما فيهِ ذكرياتُ الرّجلين عن ضراوة المعركة. وطَنُكَ بخير, وزياراتي السنويّةِ لشجرتِكَ لم تتغيّر. أسرقُ من عمرِ الزّمن سويعات لأُهندِسَ مكانَ الحظائرِ العَارِمةِ بالدّواب ملعباً متواضعاً لكُرةِ القدم يُناضلُ فيهِ كلّ أطفالِ الشّجاعيّةِ الّذينَ قطَعُوا الشّوطَ الأخيرِ في مباراةِ الطّفولةِ لزِيارةِ موتٍ خاطِفة. ولأنّي متفائلةٍ أنتظرُ عودتهم، وأهيّىء مسرحهم بصبرِ مجدليّة انتظرت يسوعها، لكنّي أعوِّلُ على عودةٍ ميمونة يعودونَ من غُروبِها بعُيونِ أُرجُوانٍ حي. وسوف يضيئون كونا نشتهيهِ نحنُ منذُ وعد! وطنُكَ بخير، وصبيحةَ نعشكَ ساوموا على دمِ شعبِكَ، وسلاحِ بدنِكَ، كلّ العرب ضدّ العرب، والأعداءُ بانتظار كاس المرق. اتّهموا شُجعانِكَ بشُجاعيّتهم، وأبطالكَ بترمّلِ نسائهم، وأطفالكَ بقُبُورِ دُماهُم. لم يستبسل جُبنُ العرب. على عهدكَ بهِ بقيَ مثلَ طحالبِ الوديان ينزلقُ هو وغوّاصيهِ في سربِ ماء كسَرابِ سَماء. زارت خفافيشُ اللّيلِ وسادتي أمس وعبّأت قطنها همس، وأقسمت أن تصيرَ نُسوراً إذا تأخّرَ الغيث. أنا لا أصدّقُ لغطَ الخفافيشِ، لكنّي أصدِّقُ حكايا اللّيل، وأعرفُ أنّها تُطلقُ عتمَهَا صُقُوراً، وقُطنَهَا ثبوراً وسَعيراً إذا طالَ عُمرُ الموت. وطنكَ بخير يا ناجي. صباح المجنونة الّتي تنبش وردها على سفح كرملٍ فلجهَ الوجع. مُرّكَ لم تُحلّيهِ سكاكرُ الذّبح، ولا زادهُ علقمَ الملحِ ضُموراً فوقَ الجُرح. أينَ أنت؟ ماذا تشعر الآن، وأنا أنمّق رسالتي بدم الماضينَ إلى جنائزهم، وأروّض قلبي على القفز على حبالِ سِرْك، ذئابُهُ جامعة الدّول، وعُواؤُهُ قاعات الأمم، وتعرف أنّي سأعود إلى مجنونتي بلا دمٍ، وبلا حياء وبلا حذاء. سأختم بها أعناقَ شرفهم من أوّل عرّاب حتّى آخر مونةٍ قرّروا أن يزوّدوا بها مواقعَ الأحياء. تخيّلتك غير مرّة في ساحات المعركة تلملمُ بعض الشظايا والقضايا، وتهتف لفاطمة أن زوّديني بزيتِ الحبر لأنشرَكِ صحيفةً يندى لها جبين الغرب عَرَقا، وغَرَقاً. يا ألله كم زادك الدّمُ جَمالاً! قلّة يعرفهم الدّم بسيماهم. حنّيتَ المخيّمات شرفا حنّتكَ السّاحاتُ شعباً، ووردُ المجنونةِ دعماً. وحين أفلتت، يا صاحِبي، كوفيّةُ حنظلة من يدكِ أفلتت معها كرامة العرب. لماذا لم تَبقَ ليخافوا هُروب كرامتهم هروب فرَس؟ لو أنّك تأخّرت قليلا، يا ابن الشّجرة، لصاروا غابة يلوكُها الورق! (حيفا، أغسطس، 2014) include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |