وديع الصافي - احد عمالقة الطرب العربي الجميل - عبد الخالق اسدي


رحل عن عالم الطرب اللبناني الكبير وديع الصافي بعد رحلة عطاء طويلة في مجال الطرب العربي الاصيل امتدت لاكثر من نصف قرن، حيث كان للراحل العظيم دور رائد في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني الاصيل وساهم بشكل كبير في انشاء الاغنية اللبنانية بصوته المصحوب بالقوة والكبرياء، رحل صوت الجبل صاحب الحنجرة الذهبية والصوت الجبلي العظيم وعملاق الطرب العربي، رحل وديع من " قطعة السما " الى السماء وفُجع الوسط الفني بوفاة عملاق الطرب اللبناني اسطورة الميجانا والعتابا والمواويل.

وديع الصافي مدرسة في الغناء والتلحين مدرسة تتلمذ على يديه معظم فناني لبنان ومطربيها ومغنيها الذين تخرجوا من هذه المدرسة الفنية الرائعة

التي أثرت المكتبة الفنية الموسيقية باروع الاعمال واحبها الى الناس فهو من عمالقة الطرب في لبنان والعالم العربي.

رحل فنان المواويل وصاحب الصوت الجبلي الاصيل فغصت مآقي محبي هذا الرجل العظيم بالعَبرات وكان حجم الفاجعة اكبر من كل الدموع رحل من قال: يا ابني بلادك قلبك اعطيها وغير فكرك ما بيغنيها كم تغنيت ببلدي وبلدي اليوم تتغنى بك.

رحل وديع احد عمالقة الفن فغاب الصفاء من سماء الاغنية العربية وسافر في هدوء ودون وداع وترك جبال لبنان وشجرات أرزه ومواويله مكلومة الفؤاد مبعثرة الدموع صارخة لماذا تعجلت الرحيل فقد رحلت جسدًا لكن الصوت لا يموت، رحلت وديعا وصافيا.

وداعا ايها الصافي غنيت للبنان ببيروتها وسوريا بدمشقها ومصر بقاهرتها والعراق ببغدادها وبلغ صوتك اقصى المغرب وادنى المشرق، فكنت مطرب العرب بحق متجاوزا الحدود ورابطا بين الانسان وارضه، غنيت للوطن لبيوته الصامدة في الجنوب غنيت لبنان " خضرة يا بلادي خضرة نبعك فوار محروسة بعين القدرة تبقى هالدار "" ببلداته وقراه باسمائها المتعددة الاصل غنيت للحب هالحرفين مش اكثر غنيت للعشاق والمغرمين غنيت للملاحين وريسهم وللصيادين ( عندك بحرية يا ريس ) وطرت للمهاجرين وغنيت لهم تشدهم للعودة الى وطنهم " يا مهاجرين ارجعوا غالي الوطن غالي ".

غنيت يا عملاق الطرب مع الشحرورة صباح في مواويل وميجانا وعتابا في اغاني التحدي وتألقتما في الاصوات اللبنانية العريقة الشامخة كشموخ الارْز وجبال لبنان، غنيت مع فيروز سكتش سهرة حب مع الرحابنة مع نجاح سلام، غنيت لأم كلثوم الاطلال كاملة وغنيت لعبد الوهاب النهر الخالد والجندول غنيت الاغاني الخليجية، لم تترك بلدا عربيا الا وزرته اما بالجسد او بروحك الغنائية، احببت مصر وحصلت على الجنسية المصرية التي شهدت بداية انطلاقة فنية سينمائيا مع الفنان الكبير الراحل نجيب الريحاني في فيلم " غزل البنات " وظل اسم مصر يراودك حتى قلت عنها " انها ضمير الامة العربية وعاصمة الفن "وغنيت في احدى حفلاتك بدار الاوبرا لمصر " اذا مصر قالت نعم فاتبعوها وان قالت لا فاسمعوها " واغنية " يا مصر يا ارض النعم يا مهد الحضارة".

عشقت يا ابا فادي الشام في حياتك وليت آلة الزمان تعيدنا الى اواخر الخمسينيات وتحديدا ايام الوحدة بين مصر وسوريا عندما استقل الزعيم الراحل " داعم الفنانين وراعيهم ومكرمهم " طائرته من القاهرة الى دمشق كي يحضر احدى حفلاتك " احببت سوريا واحبتك وقلت عنها " اعتذر من الشعب اللبناني فالشعب السوري يحبني حتى القداسة " وعندما مرضت في عام 2008 اصر الرئيس بشار الاسد على معالجتك في مستشفيات دمشق على حساب الدولة فأثار قبولك حنق بعض الساسة وحاولوا منعك من الذهاب الى سوريا ولكنك وعائلتك رفضت الاعتراض وغنيت لسوريا بلد السلام، وعندما وقعت الاحداث الاخيرة كان موقفك واضحا فغنيت للرئيس شخصيا " الاك لا امل ".

أجمل ما قيل في الهرم اللبناني وديع الصافي ما قاله موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب: " انه اجمل صوت في الشرق وحالة نادرة في الغناء العربي " وقال ايضا: " لا اتصور في تاريخ الغناء كله صوتا بهذه الروعة والجمال والقدرة العالية في الاداء " وكان اول لقاء لوديع مع عبد الوهاب عام 1944 حين سافر الى مصر. وقال عنه الملحن الكبير رياض السنباطي: " لا اتصور ان في تاريخ الغناء كله صوتا بهذه الروعة وهذه القدرة العالية الاداء باستثناء صوت ام كلثوم " وقال عنه العندليب الاسمر: " أمام صوت وديع الصافي يجب ان نذهب ونبيع الترمس " وقيل عن عملاق الطرب وديع: " انه احد اهم محركات النهضة الموسيقية اللبنانية التي أسست بالمادة الموسيقية الريفية حركة موسيقية مدنية جديدة ".

ورثته رفيقة دربه وصديقة عمره صباح بهذه الكلمات:" الله يرحمك يا استاذ وديع تغمدك الله بواسع رحمته وجعل مثواك الجنة الى جانب الابرار والقديسين... الله معك يا كبير سوف تبقى خالدا في قلوبنا وخالدا بفنك الاصيل وباغانيك وباعمالك العظيمة التي ستبقى محفورة على جدار الزمن وفي تاريخ الفن اللبناني العريق فلتسترح نفسك في السماء".

يا قديس الطرب يا عملاق لبنان يا عملاق الطرب في لبنان والعالم العربي تركت وراءك ما يقارب الخمسة آلاف اغنية بقيت تغني بعد ان فتح قلبك عام 1990 عانيت لمدة 23 سنة وبقيت تغني جريح القلب لتسعد الآخرين يا معجزة لن تتكرر يا صوت الجبل يا ارز لبنان يا صاحب الحنجرة الذهبية يا صافي يا وديع الصافي يا قطعة سما من تاريخ لبنان ستبقى حكاية للفن في التاريخ المعاصر، انت باق فينا وبوجداننا، انت خالد في ذاكرتنا الى الابد.

(دير الا سد)
31/10/2013






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com