"لا فائدة من الفلسفة اذا كانت لا تزيل آلام الروح" - د. فؤاد خطيب


القول أعلاه هو للفيلسوف الأغريقي ابيقور وقد ظهر وكتب فلسفته حوالي 330 سنة قبل الميلاد. غاية فلسفته كانت الوصول للحياة السعيدة بعيدا عن الخوف والألم. رأى أن الموت هو نهاية الجسد والروح معا اذ لا وجود للروح بدون الجسد. قال أيضا ان الحدث الكوني الحاصل يعتمد على حركات وتفاعل الذرات في الفراغ. وقد تأثر به وبفلسفته في العصر الحديث فلاسفة كبار أمثال كانت ونيتشه وماركس. الفكر المثالي حصر الوجود الروحي البشري بين ضدين في عالم الغيب بين الجنة والنار، وبين كلمتين الترهيب والترغيب ورأى أن الوجود البشري على الأرض لا غاية منه وهو مرهون بغاية السماء، وكيفية الوصول الى الخلود إما في النعيم أو في النار الأبدية.

حاولت الفلسفة ولا زالت تحاول تفسير هذا العالم ولكنها لم تصل الى حد معادلة الوجود وروعة الخلق وغايته . الفلسفات أيضا فشلت في خلق المدينة الفاضلة والسعادة الدائمة للبشرية التي ما زالت شاردة كحالة غزالة في صحراء العدم، حيث الماء يتحول الى سراب والعشب الأخضر الى غبار. المدهش في الأمر أن الفلسفات القديمة وصلت الى فهم أصل هذا الوجود ووصلت الى جدلية ومادية هذا الوجود بأن الروح والجسد وحدة واحدة، وأن الروح وما وراءها والتي كتب عنها ولها الكثير من الفكر والبدع مصيرها بعد الموت وتجسيدها الذي كان وما زال الأساس الذي بني عليه الفكري اللاهوتي منذ الأزل الى الان. هذه االروح لا وجود لها بدون الجسد وهي صورة وجودية للجسد، بغيابه تغيب معه وتتوه بمحيط كوني تتفاعل فيه الذرات وأجزاؤها كبداية الخلق التي آلت الى اتحادها وتجسيد هذا الوجود بأبعاده المتعددة.

وهكذا بعلاقة دوران أبدي خلق وموت لا ينتهي بين الوجود وبين الموت والعدم . التطور والاكتشافات العلمية التقنية طورت حقائق العالم المادية ولكنها عاجزة للوصول الى السعادة المطلقة التي كتب عنها أبيقور وأفلاطون والفارابي، ولم تخلق بعد مدينة فاضلة تحقق غايات هذا الوجود الانساني وتخلصه من الخوف والالم. ما زالت البشرية معذبة في غالبها وفي وجودها الأكبر. فشلت الرأسمالية وتابعاتها النيوليبرالية التي من رحمها ولدت الفاشية والنازية والعنصرية وكثير من عاهات الزمن. فشلت المثالية الطوباوية ولم يخلق الانسان جنته على الأرض قبل تلك الموعودة في السماء. فشلت ايضا السارترية الوجودية في تفسير هذا الوجود أو تغييره على اعتبار أن التغيير الفكري هو أساس التغيير المادي، ومن ثم التغيير الاجتماعي السياسي والاقتصادي للمجتمعات البشرية في كل مكان فوق هذه الارض.

كل الفلسفات حاولت تفسير حالة المجتمعات ولم تغير مصيرها ولا حتى مسيرها. الماركسية هي الوحيدة التي غيرت المجتمعات البشرية في العالم وحاولت عن طريق الاشتراكية العلمية ايجاد العدالة الاجتماعية، المعادلة التائهة، ولكنها سقطت ولم تصل الى غايتها بسبب تأثير الفكر اللاهوتي بكل صوره المتجذرة في الوجود الانساني وأيضًا بسبب الغريزة وحب الذات والانانية التي غرزتها وعززت وجودها الليبرالية منذ الثورة الفرنسية ومن ثم النيوليبرالية المعاصرة التي جسدها الفكر الرأسمالي الغربي المعاصر بصوره المختلفة الاستعمارية والامبريالية، ومنها العولمة التي تعمل نخبها بكل ما تملك من قدرات مالية ومادية وعسكرية للسيطرة على الوجود البشري كله. هذا التوحش الاستعماري الامبريالي - الانجلوسكسوني خصوصا - خلق في ذاته نقيضه وربما حفار قبره.

ما نراه اليوم أن الحدث العالمي هو فعلا صراع بين الإمبريالية واضدادها للسيطرة على العالم بعد أن خلفت دمارا وخرابا في العالم كله لم تعرفه البشرية من قبل. وجودها شرس ورحيلها أشرس وهي قادرة وقوية ومستعدة ولو لحرب نووية مدمرة لا تبقي ولا تذر، تحت عنوان ديمقراطيتها العنصرية وكلامها عن الحرية المطلقة وحرية الصحافة والكتابة وحرية الرأي وحرية الفرد وحرية الشعوب في تقرير مصيرها. والحقيقة التي نعيشها وهي اي الإمبريالية الغرب الاستعماري اكثر من يقمع الحريات والرأي والشعوب والحريات الشخصية. وقد أوغلت في اغتيال البشر وتدمير الانسان والحجر وسرقة ثروات الشعوب. جاء الان دور الخلاص منها على اعتبار أن دورها التاريخي انتهى وان الفرد الانسان والبشر غايتهم ظلت كما كانت، وهي تحقيق العدالة الاجتماعية من ثم السلام وتعايش الحضارات وخلق مرحلة تاريخية جديدة اكثر انسانية في هذا الوقت المتقدم من التاريخ.

عن الاتحاد
18/10/2022







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com