عودة الى أدب وفن

أرفعوا أيديكم ...!!! - للشاعر توفيق زياد
التي اطلقها اثر عدوان 5 حزيران 1967


يا بلادي! أمس لم نطفو على حفنة ماءْ
ولذا لن نغرق الساعة في حفنة ماء..
من هنا مروا إلى الشرق غماماً أسودا
يقتلون الزهرَ، والأطفالَ، والقمحَ، وحباتِ الندى
ويبيضون عداواتٍ، وحقداً، وقبوراً، ومدى
من هنا، سوف يعودون، وإن طال المدى...

هكذا مات ، بلا نعيٍ على الرمل شهيد
طلقةٌ في رأسه، صيحة قهرٍ ووعيد
حفر القاتل في مدفعه رقماً جديدا
ومضى يبحث، مثل الذئب، عن رقمٍ جديد
وعلى بضعة أمتارٍ بكى طفلٌ وليد
عندما مرّ على جبهته السمراء جنزيرُ حديد..
لا تقولوا لي: "انتصرنا" !!..
أنّ هذا النصر شرٌّ من هزيمة
نحن لا ننظر للسطح، ولكنا
نرى عمق الجريمة..
لا تقولوا لي: "انتصرنا" !!..
إننا نعرف هذي الشطارة
إننا نعرف الحاوي الذي
يعطي الإشارة!
إنّه سيدكم يلهث في النزع الأخير
إننا نسحبه، من أنفه، سحباً
إلى القبر الحقير

ما الذي خبأتموه لغدٍ؟!
يا من سفكتم لي دمي
وأخذتم ضوء عيني، وصلبتم قلمي..
واغتصبتم حقّ شعبٍ آمنٍ لم يجرمِ..
ما الذي خبأتموه لغدٍ؟!
يا من أهنتم عَلَمَي
وفتحتم في جراحاتي جراحاً
وطعنتم حلمي
ما الذي خبأتموه لغدٍ..
إنّ غداً لم يهزم!
إنكم تحيون من عشرين عاماً
حُلمَ صيفٍ ذا رواء
وتصيدون، لأمر الغيرِ،
في بحر دموعٍ ودماء
إنكم تبنون لليوم، وإنا لغدٍ نعلي البناء
إننا أعمق من بحرٍ، وأعلى
من مصابيح السماء
إنّ فينا نَفَساً
أطول من هذا المدى الممتدّ
في قلب الفضاء

أيّ أمٍّ أورثتكم، يا ترى،
نصف القنال؟! ..
أيّ أمٍّ أورثتكم ضفّة الأردنّ،
سيناء، وهاتيك الجبال؟
إنّ من يسلب حقّاً بالقتال
كيف يحمي حقه يوماً –إذا الميزان مال- ؟!
ثمّ.. ماذا بعد؟ لا أدري، ولكن
كلّ ما أدريه أن الأرض حبلى والسنين
كلّ ما أدريه أن الحق لا يفنى،
ولا يقوى عليه غاصبون
وعلى أرضي هذي، لم يعمّر فاتحون!! ..
فارفعوا أيديكم عن شعبنا
لا تطعموا النار حَطَب
كيف تحيون على ظهر سفينة
وتعادون محيطاً من لهب؟؟
فارفعوا أيديكم عن شعبنا
أيا أيها الصمّ الذين
ملأوا آذانهم قطناً وطين..

إننا للمرة الألف نقول:
نحن لا نأكل لحم الآخرين
نحن لا نذبح أطفالاً، ولا نصرع ناساً آمنين
نحن لا ننهب بيتاًن أو جنى حقلٍ،
ولا نطفي عيون
نحن لا نسرق آثاراً قديمة
نحن لا نعرف ما طعم الجريمة
نحن لا نحرق أسفاراً، ولا نكسر أقلاماً،
ولا نبتزّ ضعف الآخرين
فارفعوا أيديكم عن شعبنا
يا أيها الصمّ الذين
ملأوا آذانهم قطناً وطين..

إننا للمرة الألف نقول:
لا! وحقّ الضوء
من هذا التراب الحر لن نفقد ذرّة!!
إننا لن ننحني للفولاذ والنار يوماً..
قيد شعرة!!
كبوة هذي وكم
يحدث أن يكبو الهمام
إنّها للخلف كانت.. خطوةً..
من أجل عشرٍ للأمام!! ...







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com