عودة الى أدب وفن

كيف عاش عبد الحليم حافظ بعد رحيله بأربعة عقود ونيف؟ - ناجي ظاهر


يؤكد كتاب جديد صدر مؤخرا في القاهرة، على أن عبد الحليم حافظ، المغني العربي المصري الرومانسي الشهير، عاش طوال أيام شهرته وانتشاره، محبا عاشقا للعديد من النساء، وأنه كان وفيا لمن أحبهن، علما أن بعض قصص حبه لم يتجاوز عمرها اليوم الواحد أو اللقاء الواحد، ويوضح أنه عاش أعزب.. على حافة زواج أبدية.. جنبا إلى جنب مع أغانيه الذائعة المنتشرة وأفلامه الخالدة.

صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة «كتاب الهلال» الشهرية العريقة، يونيو/حزيران الجاري، وحمل عنوان «العندليب.. والحب»، وهو من تأليف الكاتب الصحافي طاهر البهي، مؤلف الكتب المعروف في مجالي الفن والأدب، ومدير تحرير مجلة «حواء». جاء الكتاب في أكثر من مئتي صفحة من القطع الصغير، وهو بالمناسبة قطع السلسلة، وضم أحد عشر فصلا إضافة إلى مقدمة حملت عنوان «عبد الحليم حافظ – من مفكرته»، (قبل أن تقرأ)، والبوم غنائي «من أغاني العندليب». أما فصول الكتاب فقد تتالت على النحو التالي: فتى مصر اليتيم وكاريزما حليم، العندليب في موسوعة الأرقام القياسية في الحب والغرام، كيف عاش العندليب بعد رحيله، حب وزواج بين العندليب وسعاد حسني، نادية لطفي ومشاهد لا تنسى مع العندليب، عشرة آلاف فرنك لحلاقه الخاص، نساء في حياة العندليب، لماذا لم يتزوج العندليب، عبد الحليم حافظ فنان لكل العصور، حبيبة عبد الحليم من تكون؟ وبرقيات حب إلى عبد الحليم.

يُتمٌ.. وكاريزما وحبٌ

يتناول المؤلف في كتابه هذا حياة العندليب منذ بداياتها الشقية حتى تألقاتها الخلودية، ويتحدث عنه طفلا يتيما توفيت أمه بعد إنجابها له بقليل، ولحق بها والده إلى عالمها الآخر بفترة وجيزة، وكفالة خاله.. ومحبة خالته له. وعن علاقاته بإخوانه خاصة أخته الكبرى عليا، التي رفضت إذلال زوجة ابيها له، وغادرت بيتها باتجاه بيت خالها، ليكفل هذا ابناء اخته الراحلة، وليقدم لهم بالتالي ما احتاجوا إليه من إعالة ومساعدات، وينتقل المؤلف بعد ذلك للتحدث عن وضع حليم في ميتم مدة سنوات. وعن سنوات التألق والشهرة، واحتضان نظام الرئيس عبد الناصر له، وما رافقه من أغان وطنية مجّدت الثورة ورفعت من شأنها بالكلم المعبر والأداء المؤثر.

يتوقف الكتاب في معظم فصوله، عند حليم المحب العاشق، ويستعرض العديد من قصص الحب التي عاشها، بعد أن طرقت باب قلبه الحساس المرهف، وخوضه هذه القصص بكل ما لديه من أصالة وصدق، ويتوقف مطولا عند بطلات أفلامه، فيرى أنه أحبهن جميعا خلال عمله معهن، كما يتوقف عند قصصه مع سندريللا الشاشة العربية سعاد حسني، وبعدها نادية لطفي.

خلال توقفه هذا يطرح المؤلف العديد من الأسئلة مثل: ما السبب في تلك المحبة التي حظي بها حليم من الجميع، وما سرُّ ظهوره وهيمنته الفنية في زمن ظهر فيه العديد من أصحاب المواهب غير العادية مثل عبد الوهاب، فريد الأطرش، محمد فوزي، عبد الغني السيد، كارم محمود وغيرهم؟ في الإجابة على السؤال الأول يقول المؤلف: إن كاريزما عبد الحليم حافظ كانت في يُتمه، وضعفه، حتى احتضنته كل فتاة، سواء كانت مشهورة أو غير مشهورة.. أحبته كل فتاة رأت في عينيه الحزن وفي أغانيه الشجن. وكأنها أرادت أن تعوّضه بحضنها ودفئها عما لاقاه وواجهه من حرمان ومعاناة، ويوضح المؤلف أن هذا ما يفسر أيضا عطف جيلٍ من الأمهات المصريات على العندليب.. ويقول المؤلف بكثير من المحبة أن مرارة الدنيا حوّلت حنجرة حليم إلى شهد وعسل.. إلى أملٍ وطاقةٍ حبٍ تنير طريق المغرمين الحالمين والمكلومين المتألمين.

العندليب.. كان مؤديا رفيعا..

يضيف إلى اللحن.. ولم يكن مقلدا

إجابة عن السؤال حول سطوعه بين نظرائه من أصحاب المواهب غير العادية يقول المؤلف: إن أساس نجاح عبد الحليم غير المحدود والمتواصل، حتى فترتنا الراهنة، كمن في تميزه وتفرده، مشيرا إلى أن التفرد في الفن معناه موهبة ذات طبيعة خاصة، أي مختلفة وتقدم شيئا جديدا، و«أن يصل هذا الفن إلى مناطق اللذة والإحساس بالجمال في المخ، فيستثيرها ويمتعها.. فيحدُث ارتباطٌ شرطيٌ مُهمٌ بين هذا الفن الجميل وصاحب هذا الفن، والناس فيحقق الانتشار والشهرة القائمة على شيء حقيقي وليس زائفا، وينتقل هذا من جيل إلى جيل». ويخلص المؤلف إلى القول، إن تفرد عبد الحليم في الأسلوب والكلمة.. في اللحن والتعبير عن المرحلة الزمنية بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية تعتبر من أهم أسباب نجاحه (الأسطوري. ن.ظ).

يطرح المؤلف في كتابه سؤالا مهمًا وجديرًا هو: كيف عاش العندليب بعد رحيله بأربعة عقود ونيف؟ ويتوجه إلى أهل العلم والمعرفة ليقدم عبرهم أجوبة أخرى، يضيفها إلى ما اجتهد في تقديمه، فيوافونه بإجابتهم التالية.. تعزو سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع، بقاء عبد الحليم إلى أنه «أضاف إلى الحب حبًا»، وإن أغانيه للجماهير كانت بمثابة خطابات حب وفي طليعتها حبه لبلده، أضف إلى هذا ما اتصف به حليم من رومانسية آسرة، والأهم – تضيف الساعاتي- أن صوت حليم كان مثقفا ودارسا وليس مجرد صوت حلو فقط.. مشيرة إلى أنه كان يمثل الحزن الراقي والكبرياء، ومؤكدة على أن هناك اثنين من مطربي تلك الفترة سبقا عصرهما هما عبد الحليم حافظ ومحمد فوزي.

أما الطبيب النفسي يسري عبد المحسن فيرى أن بقاء عبد الحليم، بعد كل هذه السنوات، إنما يعود إلى أدائه المتميز الرفيع المعبر عن نبض الشارع العربي المصري، ورومانسيته الحقيقية النابعة من عمق أغواره. يقول عبد المحسن: إن صوت حليم عاش حتى الآن.. لأن الأصوات الموجودة يعوزها الإتقان. فيما يعزو سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي المعروف، بقاء حليم حتى الآن، إلى ذكائه وحضوره الإنساني والفني، وهو كما يرى عبد العظيم، ما جعله مؤثرا في جمهوره، أضف إلى هذا احتياج الشباب للرومانسية التي لن تنتهي ما بقيت العلاقات النفسية بين البشر.

العندليب العاشق

يطرح المؤلف في كتابه اللطيف هذا السؤال التالي: هل كان العندليب حبيبا وعاشقا بالدرجة نفسها التي كان فيها محبوبا وعاشقا؟ ويجيب: بإمكاننا أن نقول، من واقع شهادات حية، أدلى بها الكثيرون ممن عاصروا حليمًا وأحبوه، ومن واقع قراءات استغرقت بضعة آلاف من الصفحات التي كتبت عنه، إن الإجابة.. نعم بكل تأكيد، بل إن العندليب يعد واحدا من أعذب الرجال وأكثرهم رقة و.. رومانسية.

* كاتب فلسطيني
عن القدس العربي
1/7/2019






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com