|
عودة الى أدب وفن
قبلة - بقلم وجيه سمعان
كانت الساعة الثانية والنصف بعد الظهر حين قبلتها.. ذقت في حياتي انواعا من القبل، ولكني لم أجد احلى ولا أروع من هذه القبلة.. بعثت في فؤادي الشجن المشوب باللذة، ومست جوانحي بتيار من النشوة والدفء.. حاولت ان افسرالسر في ذلك، فوجدتني أطير على اجنحة الماضي، أحن الى طفولتي.. الى قريتي وزيتونها.. أحن الى بيتنا الكبير الذي تربع مرة على صدرها..
الطفولة، ما أجملها وهي تبث على موجات سحرية تتعلق بالارض وحب الوطن.. ما أجمل شقاوة الصغار و "عفرتتهم"، وما أطيب التراب الذي يدغدغونه بأقدامهم.. تطلعت اليها بشوق مناجيا.. ما ألذ الانتساب الى الوطن ايتها التفاحة. أأنت من هناك، من مهد الطفولة؟من الارض المفقودة.. والوطن المفقود؟ وطفرت من عيني دمعة، وقبلتها مرة ثانية وثالثة.. ورحت أتذكر كل لحظة عشتها في سحماتا(1). أتذكر حاراتها التي لم يبق فيها حجر على حجر وأهلها الذين تفرقوا أيدي سبأ. ما أطيب أهلك يا سحماتا وهم يفلحون ويزرعون الارض ويعزفون رنة المعول، ما أروعهم وهم يرعون الصبر والتين والزيتون، ما الذهم وهم يحوكون التاريخ وينسجون الغد.. اين أنت ايتها المدرسة التي تعلمت فك الحرف فيك، وأين السرو، والرمان والتوت؟ اين زملائي على مقاعد الدراسة؟اين حسن وحسين واحمد؟ واين المعلم خليل الذي كان يحملني على حمل ابنته، فأفك نفسي منها باللجوء الى قرصها؟ والبيادر؟ إيه ايتها البيادر وانت مليئة بالقمح والشعير والقطاني، مليئة بالخير كما تعلمنا ابا عن جد.. كم على صدرك تباطحنا؟ وكم عريس طوف به اهل سحماتا عليك؟! ألا تبكين اهلك اليوم وقد شوه المشوهون وجهك وحرموك الخير ولذة الافراح؟! حاكورة السوس، العرزانة والمسطاح الذي فيها، حيث قضى والدي أحلى وأعذب ايامه لم يبق فيها أثر على أثر، صلبوا فيها كل شيء وشمعوها بشارع اسود.. وبيتنا العتيق الذي شهدت النور فيه اصبح في خبر كان. لا مشمشة ولا خوخة، لا تينة ولا سروة، لا دالية، لا وردة ولا حبقة، الا بقية رمانة ما زالت تشهد عملية الاغتيال.. أتذكرين يا والدتي كيف كنت تطبخين وتعملين في البيت؟ أتذكرين ابناءك الكبار والصغار وهم يعمرون الدار؟ أتذكرين كيف كنا نصطاد العصافير على الدبق؟ والسهرات حول الموقد.. نغمات جرن الكبة.. ابو الزلوف.. وطيبة الجيران؟ أنا ما زلت أتذكر الشمس والنهار، أتذكر الفتيات، أتذكر القمر في الليل، أتذكر النجمات.. وفجأة، قالت لي تمام: سلم على أهلك.. ونزلت من الباص بعدما شكرتها على التفاحة التي نمت في ثرى وطني.. وفجأة ارتفع صوت المذياع على اغنية فيروزية أحبها: فقبلت التفاحة، ورحت أردد مع فيروز: الارض لنا البيت لنا.. (1): بلد الكاتب (نُشر في صحيفة "الاتحاد" - 26/9/1975) include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |