عودة الى أدب وفن

رسالة عشق بقلم: أحمد أيوب أيوب

عزيزي وجيه سمعان ….يا ابن سحماتا الحبيبة .

إليك أكتب رسالتي .. ولكن ليس كما يكتب الآخرون رسائلهم .

فرسالتي هي عصارة حب خالصة، معتّقة، مكثّفة، من خوابي المحبة التي نختزنها في قلوبنا وعقولنا لأرض قريتنا الحبيبة سحماتا .

سحماتا … التي لها الحب والعشق كله .

سحماتا … المائتي بيت التي تربعت فوق ربوتين متعانقتين .

سحماتا … الجبلية الوادعة الممتدة فوق مروج القمح الخضراء .. وأشجار الزيتون

المباركة المثمرة ، وكروم التين المتنوعة السخية بثمارها.

سحماتا … ذات الحارات والأزقة والدروب التي حاكت التاريخ قدماً، فأعطت للتراث عنواناً .

سحماتا … قرية السلام التي تعانق فيها الهلال والصليب فكانت بصدق قرية المحبة والتراحم والتآخي على مر الزمان.

سحماتا ... القرية التي زين جبينها قوس قزح في شتائها العفيف النظيف، فتدلى منه عقد من الألماس يتلألأ في سمائها .

سحماتا ... قرية السلام ... التي أمنت فيها طيور الدوري والسنونو، فعشعشت في جدران بيوتها .

سحماتا ... الحبيبة التي نسمع صوت مياه المزاريب فيها تتساقط في طرقاتها محدثة موسيقى إيقاع غربتنا.

سحماتا ... صاحبة الشتاء المتنوع الجميل برذاذه الهاديء الممتع اللطيف . وثلجه وبرده الناصع الخفيف ، وزمهريره المخيف، الذي يدفع بالناس إلىبيوتهم والجلوس حول المواقد الدافئة الغنية (بقرامي خشب السنديان ، والزرد ، والعفص ، والملول ، والسوّيد ) المشتعلة .والتمتع بالدفء والاستئناس بمنظر النار المتأججة ، الملئى بحبات البلوط التي تضاهي الكستناء حلاوة.

سحماتا ... ربة جمال الطبيعة ...وصاحبة الهالة العظيمة التي تحيط بشمسها عند الغروب.

سحماتا ... الشباب والصبايا العائدون من كروم التين ،ومن جحافل اشجار الصبير يحملون السلال بأيديهم ، وفوق رؤوسهن .

سحماتا ... انبلاج الفجر .. وصياح الديك .. ونباح الكلب .. وثغاء الغنم .. وخوار البقر . وناسها المبكرين إلى أعمالهم . . الراعي . . والحرّاث . . والفلاّح . . والحصّاد . . وقاطف الدخان . . وقاطف الزيتون . تلك الجماعات المتناغمة الساعية لرزقها بجد وهمّة وثبات مسبحة بحمد ربها.

هذه هي سحماتا. . . المتآخية .. المتحابة .. التي أعطت المثال والقدوة، يوم حضر مطران عـــــكا بدعوة من مختارها، لإقامة قدّاس المعموديّة لأحد أطفالها .وكانت المفاجأة للمطران بعد دخوله الكنـيسة إذ وجد أن الكنيسة تعج بالناس ،وليس فيها موضع قدم لأحد آخر. فاستغرب المطران غاية الإستغراب والتفت للمختار قائلاً : عرفت منك أنكم قلة في القرية ،ولكني أرى الأمر مغايراً تماماً للحقيقة . فأجابه أبو قيصر : هؤلاء يا أبونا هم أحبتنا وأخوتنا المسلمون من أهل القرية ، الذين ارتبط مصيرنا معهم ، ونقف وأياهم دائماً في السراء والضراء إلى جانب بعضنا بعضا.. .. فانفعل المطران حماسة وحباً ودخل رافعاً كلتا يديه محيياً الجميع وأقام القدّاس .

هذه هي سحماتا . . . التي لها الحب والعشق كله .. سحماتا التي عرفناها.. وترعرعنا على أرضها..والتي يصلني نسيمها الآن قادماً من ( بيادر تين الحوز ) مشبعاً بصوت الحادي ، وصفقات السحجة ..وصرخات الحماس من الرجال والنساء في حلقات الدبكة .. ومهاهات وزغاريد الصبايا ، ومحوربة الشباب العائدين بالعريس متخذين طريقهم ما بين ( الباط والبركة ) إلى الرحبة .

أخي وجيه... هنيئاً لكم تشتمون هواء سحماتاالعليل عن كثب ، وتخضبون أيديكم بترابها لتنالوا شرف قدسيةهذا التراب . لك مني كل الحب، معطراً برائحة العنبر ، والسرو ، والبطم ، والشبرق . من أرض بلدتنا الحبيبة. متمنياً لك دوام الصحة، والعافية ، والسعادة .

أخيراً : عادة ما يقال: من عاش يلتقي . وهذا صحيح. ولكن من يدري . . . . ؟ فقد يلتقي أحفاد أحفادنا ، ويعيدون المحبة والسلام فوق أرض سحماتا .

عند خروجنا من سحماتا ، كنت في الصف الأول بالمدرسة الفوقا، ولكنّا لم نكمله . وأنا لا أذكرأنك كنت معنا .واعذرني إن قلت أنني لا أذكر أنني رأيتك . ولكني أراك هذه الأيام كثيراً وإن لم أرك عياناً . إلاّ أن محبة سحماتا وقدسيتها في نفسي جعلتني أراك بفكرك وقلبك من خلال (موقع أبناء سحماتا ) .

أضيف أنني أذكر تماما المرحوم والدكم ، وأذكر الأخ جميل ، وكذلك الأخ وديع الذي كان يتعلم مع المرحوم أخي خالد ، وهاني اليماني .وكلاً من الأستاذ خالد عزام ، والسيد حسن عبد الوهاب أطال الله عمرهما. متمنياً لك ولعائلتك الكريمة ولإخوانك جميعهم دوام الصحة والسعادة والهناء . مع تحياتي وأطيب تمنياتي بالحياة السعيدة الهانئة لكم ولعموم أهالي بلدتنا الكرام في فلسطين.

ختــــــامـــا :
آخــرالكـــــلام ..وأول الكــــلام            وكــل الكــــلام ..ومسك الختــام

عليــــك من اللــــه الرحــــــمة             ومنــي إليــــك التحـــيةوالســلام

أخــــــوكــم

أحمـــــد أيـــوب أيــوب
صيدا ـــ لبنان
20/11/2008

******


اِلى ابن البلد الأصيل أحمد أيوب

تحيّات حارّة تتدفق من القلب على كلماتك الرّقيقة الدّافئة التي وصلتني منك . اِنها تفوح صدقا , حبّا وعشقا لسحماتا وأهلها , وتعبّر أصدق تعبير عمّا يجيش في الصّدور ويعتمل في النفوس. لقد صوّرت أجمل تصوير عمّاكانت عليه بلدتنا الحبيبة من طيب ناسها , وحلاوة طبيعتها وروعة صيفها وشتائها وألفة دواجنها وجمال طيورها كأن الكل منهمك في عرس الوجود .

صورة رائعة تحتاج الى يد رسّام .

أصبت يا أحمد وآمنت كما العديد من السّحامنة أنّ سحماتا لأبنائها وأحفادهم وأحفاد أحفادهم.. ولا شكّ عندي أنه سيأتي ذلك اليوم التي ستستقبل فيه ثغورها الأجساد والأرواح منّا , ونقيم الأفراح في حضن " رحبتها " , وسينشد أطفالها مع عصافيرها انشودة العودة , وسترقص أشجارها مع صباياها وشبابها ونسائها وشيوخها فرحا عندما نعود الى فردوسنا المفقود.

مع محبتي
حيفا - سحماتا
لك ولكل أبناء البلد
4/12/2008
وجيه سمعان








® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com