|
عودة الى أدب وفن
الكُرْسي.. - حسين مهنا
ما زالَتِ الذّاكِرَةُ تَعْبَقُ بِذِكْرَياتِ الطُّفولَةِ والصِّبا.. ولِمَ لا والعَقْلُ لا يَزالُ في صُعودٍ، والحافِظَةُ على أَشُدِّها.. ومِمَّا عَلِقَ بِالذَاكرَةِ لُعْبَةٌ كُنّا نَلْعَبُها بِإِشْرافِ مُعَلِّمِ التَّرْبِيَةِ البَدَنِيَّةِ في حِصَّةِ الرِّياضَةِ هي لُعْبَةُ الكَراسيِّ؛ تَتَلَخَّصُ بِأَنْ يَقِفَ اللّاعِبونَ بِشَكْلٍ دائِرِيٍّ حولَ كَراسٍ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِ المُشْتَرِكينَ بِكُرْسِيٍّ واحِدٍ. وبِسَماعِ صَفْرَةِ المُعَلِّمِ يَبْدَأُ اللّاعِبونَ بِالدَّوَرانِ رَكْضًَا حَولَ الكَراسِيِّ؛ وبِسَماعِ صَفْرَةِ المُعَلِّمِ الثّانِيَةِ يَتَسابَقُ اللّاعِبونَ لِيَفوزَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِكُرْسِيٍّ يَجْلِسُ عَلَيهِ، لِيَبْقى واحِدٌ مِنْهُمْ بِلا كُرْسِيٍّ فَيَكونَ الخاسِرَ ويَخْرُجَ مِنَ اللَّعِبِ لِتُعْلِنَ صَفْرَةُ المُعَلِّمِ بِالدَّوَرانِ مِنْ جَديدٍ بَعْدَ إِنْقاصِ عَدَدِ الكَراسيِّ بِكُرْسِيٍّ واحِدٍ لِيَظَلَّ عَدَدُ اللّاعِبينَ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ الكَراسِيِّ بِكُرْسِيٍّ واحِدٍ. وتَدورُ اللُّعْبَةُ على نَفْسِها الى أَنْ تَنْتَهِيَ بِلاعِبَيْنِ اثْنَينِ، وبِكُرْسِيٍّ واحِدٍ لِيَكونَ مِنْ نَصيبِ أَحَدِهِما هُوَ الفائِزُ..
لَكَأَنَّ هَذِهِ اللُّعْبَةُ قَدِ احْتَلَّتْ أَدْمِغَتَنا، وعَشَّشَتْ في لاوَعْيِنا، لا بَلْ تَمازَجَتْ مَعَ جيناتِنا فَأَورَثْناها لِأَولادِنا وَأَحْفادِنا مِنْ بَعْدِنا.. أَلَيْسَتِ الانْتِخاباتُ لِمَجالِسِنا المَحَلِّيَّةِ - ولْنَتْرُكِ القُطْرِيَّةَ والعالَمِيَّةَ جانبًا!- صورَةً ناطِقَةً عَنْ لُعْبَةِ الكَراسِيِّ الَّتي أَطْنَبْنا في شَرْحِها، مَعَ فارِقٍ كَبيرٍبَينَهُما!! وإذا كانَتْ لُعْبَةُ الطُّفولَةِ مِنْ أَجْلِ التَّلَهّي، وإِذْكاءِ روحِ التَّنافُسِ الشَّريفِ عِندَ الصِّغارِ، فَهي عِندَ الكِبارِ – مَعَ شَديدِ الأَسَفِ - أَقولُ: إِنَّها لُعْبَةٌ قَدْ فَقَدَتْ بَراءَتَها، وسادَها الغِشُّ والكَذِبُ والرِّشى والوُعودُ الَّتي تولَدُ مَيِّتَةً.. وأَصْبَحَ الوُصولُ الى الكُرْسِيِّ غايَةً، ولا تَهُمُّ الوَسائِلُ الموصِلَةُ إلَيها!! لَقَدْ كانَ كُرْسِيُّ الطُّفولَةِ مِنْ خَشَبٍ وعلى أَرْضِ المَلْعَبِ.. أَمّا كُرْسِيُّ الرِّئاسَةِ فَهْوَ منَ الإِسْفَنْجِ والجُوخِ، وهْوَ يُناطِحُ السَّماءَ! والجالِسُ عَلَيْهِ – على الأَغْلَبِ - لا يُبْصِرُ، ولا يَسْمَعُ نِداءَ المُحْتاجينَ لِعَونِهِ في أَبْسَطِ أُمورِهِمْ إلّا إِذا كانوا مِنَ المُقَرَّبينَ.. والمُقَرَّبونَ أَولى بِالمَعْروفِ...! 22/2/2017 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |