عودة الى أدب وفن

ضِدُّ التَّيّارِ.. - حسين مهنّا



جاءَ في " المُنْجِد في اللُّغةِ والأَعْلام " شَرْحُ كَلِمَةِ " التَّيّارُ ". يُقالُ تارَ يَتيرُ تَيَرانَا البَحْرُ: هاجَ .. فالتَّيّارُ إِذَا، مَوجُ البَحْرِ الهائِجُ.. والتَّيّاراتُ الفِكْرِيَّةُ أَي الحَرَكاتُ الفِكْرِيَّةُ المُنْدَفِعَةُ كَالمَوجِ.. والتَّيّارُ الكَهْرَبائِيُّ هو سَيرُ الكُهَيرَباتِ في سِلْكٍ (انْتَهى الأقتِباسُ). فالسّابِحُ ضِدَّ التَّيّارِ في النَّهْرِ، هو ذاكَ الّذي يَسْبَحُ صُعودًا، لِأَنَّ النَّهْرَ يَتَدَفَّقُ أَصْلًا مِنْ أَعْلى الى أَسْفَلِ .، يَقومُ بِها السّابِحُ كَتَمْرينٍ، قَدْ يَكونُ الأَصْعَبَ في فَنِّ السِّباحَةِ لِيَزيدَ مِنْ قُوَّتِهِ.. أَمَّا السّابِحُ ضِدَّ التَّيّارِ في البَحْرِ فَيَكونُ مِنْ أَهْدافِهِ تّحّدِّي المَوجِ الهائِجِ ورُكوبُ ثَبَجِهِ..

فَإِذا قُلْنا: فُلانٌ يَسْبَحُ ضِدَّ التَّيّارِ مَثَلًا، أَوَّلُ ما يَرِتَسِمُ في أَذْهانِنا صورَةَ سابِحٍ يُعاكِسُ التَّيّارَفي سِباحَتِهِ، وسُرْعانَ ما تَمَّحي هَذِهِ الصّورَةُ مِنَ المُخَيِّلَةِ لِيَأْخُذَ مَكانَها مَعْنًى مَجازِيٌّ يَدُلُّ على إِنْسانٍ لا يَتَّفِقُ مَعَ الجَماعَةِ في رَأْيٍ أَو في حَلِّ مَسْأَلَةٍ خاصَّةً حينَ تَكونَ الجَماعَةُ سَنَدًا لِباطِلٍ أَو دَعْمًا لِسَلَفِيَّةٍ بائِدَةٍ؛ مِنْ هُنا غَلَبَ المَفْهومُ الإيجابِيُّ لِلتَّعْبيرِ المَفْهومَ السَّلْبِيَّ لِأَنَّ الّذينَ يَسْبَحونَ ضِدَّ التَّيّارِ هُمُ الإيجابِيّونَ المُناهِضونَ لِلسَّلْبيِّ السّائِدِ في المُجْتَمَعِ؛ ولَيسَ بِالضَّرورَةِ أَنْ يَكونوا مُصْلِحينَ اجْتِماعِيّينَ أَو قادَةَ فِكْرٍ أَو سِياسَةٍ، بَلْ مِنَ الضَّرورَةِ أَنْ يَكونوا مِنَ النّاسِ العادِيّينَ، بِشَتَّى فِئاتِهِمْ وطَبَقاتِهِمْ، والَّذينَ طَحَنَتْهُمْ طَواحينُ الظُّلْمِ والظّالِمينَ في المَصْنَعِ وفِي الحَقْلِ وفي كُلِّ مَطْرَحٍ يَدِرُّ ذَهَبًا في جُيوبِ المُسْتَغِلّينَ.

حينَ قالَ مارتن لوثَر كِنغ ( 1929م-1968م): لَدَيَّ حُلُمٌ بِأَنَّ يَومًا مِنَ الأَيّامِ، أَطْفالي الأَرْبَعَةَ سَيَعيشونَ في شَعْبٍ لا يَكونُ فيهِ الحُكْمُ على النّاسِ بِأَلْوانِ جُلودِهِمْ، ولكِنْ بِما تَنْطَوي عَليهِ أَخْلاقُهُمْ... لَمْ يَسْبَحْ ضِدَّ التَّيّارِ فَقَطْ، بَلْ حَوَّلَ التَّيّارَ الى الجِهَةِ الَّتي أَرادَ.... وكانَ الثَّمَنُ باهِظًا!!

(البقيعة/ الجليل)

8/11/2016






® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com