![]() |
|
عودة الى أدب وفن
الذَّوقُ .. - حسين مهن
![]()
قَدْ يكونُ الذَوقُ ضرْبًا فِطْرِيًّا من ضُروبِ الحَسّاسِيَّةِ الدّافِعَةِ بِروحِ الفَرْدِ الى الأَفْضَلِ والأجْمَلِ في كُلِّ شَيءٍ لَهُ عَلاقَةٌ مِنْ قَريبٍ أَو مِنْ بَعيدٍ في ما يُطَوِّرُ الإِنْسانَ ويُرَقّيهِ لِيَبْنِيَ مُجْتَمَعًا حَضارِيًّا .. وإذا كانَتِ الحَياةُ في السّابِقِ تُؤْخَذُ كَيفَما اتَّفَقَ، لَمْ يَعُدْ بِالإِمكانِ قُبولُ ذَلكَ لِما طَرَأَ على حَياتِنا مِنْ أَساليبَ فَرَضَتْ عَلَينا هَيمَنَتَها كامِلَةً؛ فَإِذا كُنّا نَسْكُنُ بُيوتًا نَبْنيها حَسَبَ ما تُمْليهِ الحاجَةُ عَلَينا، صِرْنا نَقْرِنُ الى هذِهِ الحاجَةِ عُنْصُرَ الجَمالِ لِيَكونَ البِناءُ لائِقًا بِساكِنيهِ، مُريحًا لَهُمْ ولِزائِريهِمْ على حَدٍّ سَواءٍ. ولِذا فَقَدْ صِرْنا نَعْتَمِدُ على مُهَنْدِسينَ مُخْتَصّينَ أَصْبَحَ البِناءُ عِنْدَهُمْ فَنًّا، وعلى مُهَنْدِسي ديكور جَعَلوا مِنَ البَيتِ دَفيئَةً لا تَعافُها نَفْسُ، ولا تَمَلُّها عَينٌ.. وإذا كُنّا نَلْبَسُ مَلابِسَنا من غَيرِ اهتِمامٍ بِتَناسُقِ أَلْوانِها، أَصْبَحْنا لا نَلْبَسُ إلّا بَعْدَ انْتِقائِيَّةٍ صارِمَةٍ في مُلاءَمَةِ القَميصِ الى البَنْطَلونِ، أَو حَتّى رَبْطَةِ العُنُقِ الى الجَورَبَينِ، ناهيكَ عَنْ لَونِ الحِذاءِ الّذي لا بُدَّ أَنْ يَكونَ مُتَماشِيًا مَعَ لَونِ البِذْلَةِ والجَورَبَينِ. ولا يَشِذُّ الطَّعامُ عَنِ القاعِدَةِ الذَّوقِيَّةِ فَلَهُ طُقوسُهُ الّتي قَد تَصِلُ الى حَدِّ الأَحْكامِ العُرفِيَّةِ بِالقياسِ الى زَمَنٍ لَيسَ بِبَعيدٍ، كانَ يُؤْخَذُ مِنْ طَبَقٍ واحِدٍ مُشارَكَةً مَعَ آخَرينَ ..
هَلِ الذَّوقُ مَقْصورٌ على المَسْكَنِ والمَلبَسِ والمَأْكَلِ دونَ غَيرِها مِنْ ضَرورِيّاتٍ في حَياةِ الإِنْسانِ ورُقِيَّها؟! لا يَخْتَلِفُ اثْنانِ على أَنَّ الجوابَ لا! فَالذَّوقُ يَجِبُ أَنْ يَكونَ عَلامَةً فارِقَةً لِلإِنْسانِ المُعاصِرِ في حَديثِهِ وفي ضَحِكِهِ وفي بُكائِهِ وفي مِشْيَتِهِ وفي جِدِّهِ وفي مُزاحِهِ، وحَتّى في إِلْقاءِ التَّحِيَّةِ وفي الرَّدِّ عَلَيها.. فَلْنَتَصَوَّرْ حَياتَنا بِدونِ ذَوقٍ راقٍ يَتَحَكَّمُ في بِناءِ بُيوتِنا، وفي تَخْطيطِ قُرانا ومُدُنِنا، وفي تَنْسيقِ حَدائِقِنا، وفي كُلِّ صَغيرَةٍ وكَبيرَةٍ في حَياتِنا؛ فَهَلْ كُنّا سَنَكونُ غَيرَ قَبائِلَ بِدائِيَّةٍ تَضْرِبُ في طولِ البِلادِ وعَرْضِها...؟! لِنَجْعَلْ مِنَ الذَوقِ الرَّفيعِ إمامًا يَؤُمُّ فينا صَباحَ مَساءَ ونَحْنُ الرّابِحونَ! (البقيعة / الجليل) 20/10/2016 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |