عودة الى أدب وفن

أَدَبُ السّيرَة.. - حسين مهنّا



لَطالَما انْجَذَبْتُ، ولا أَزالُ، الى قِراءَةِ سيرَةِ حَياةِ المَشاهيرِ مِنَ الأُدَباءِ والعُلَماءِ ورِجالِ الفِكْرِ والقادَةِ، وحَتّى المُلوكِ والرُّؤَساءِ، الرّاحِلينَ مِنْهُمْ والأحْياءِ.. لِما تَرَكوهُ وَراءَهُمْ مِنْ مَآثِرَ انْضافَتْ الى الرَّصيدِ الإنْساني الحَضاري.. حَتّى أَلْفريد نوبِل (السّويد 1833م – 1896م) الَّذي اكْتَشَفَ الدّيناميت، كانَ لِسيرَةِ حَياتِهِ مَعْنَى إِذْ عادَ وكَفَّرَ عَنْ خَطيئَتِهِ بِأَنْ خَصَّصَ جَوائِزَ لِلْعُلَماءِ والأُدَباِ والأَطِبّاءِ ودُعاةِ السَّلامِ المُتَفَوِّقينَ، تَقْديرًا وتَشْجيعًا؛ واعْتِرافًا مِنْهُ بِأَنَّ عالَمَنا قَدْ يكونُ جَنَّةً بِدونِ وَيْلاتِ حَرْبٍ.

ما يَهُمُّني مِنْ قِراءَةِ السّيرَةِ هُوَ كَيفَ حَقَّقَ هَؤُلاءِ المَوهوبونَ الخالِدونَ هذا البُعْدَ الإنْسانِيَّ الّذي وَصَلوا الَيهِ!؟ وكَيفَ يُمْكِنُ الاسْتِفادَةُ مِنْهُ، لا لِأَصيرَ مَشْهورًا! بَلْ لِأَجْعَل لِحَياتي قيمَةً لِما أَتَعَلَّمُهُ مِنْهُمْ وذلِكَ بالاقْتِداءِ بِهِمْ سُلوكًا واجْتِهادًا ونَمَطَ حَياةٍ؛ هذا إذا كانَتْ حَياةُ الواحِدِ مِنْهُمْ أَهْلًا لِلاقْتِداءِ بِها، فَصاحِبُ الشُّهْرَةِ إنْسانٌ أَصْلًا، هُوَ بَشَرٌ مِثْلُنا لَهُ طُقوسُهُ الحَياتِيَّةُ في أَكْلِهِ وشُرْبِهِ ومَنامِهِ وقِيامِهِ، وقُرْبِهِ مِنَ النّاسِ العادِيّينَ وبُعْدِهِ عَنْهُمْ. المُهِمُّ عِنْدي هُوَ أَنْ يَكونَ ما يَظْهَرُ لَنا مِنْ حَياتِهِ مُطابِقًا تَمامًا لِما خَفِيَ مِنْها؛ إِذْ لا يُعْقَلُ أَنْ نَراهُ على شاشَةِ التِّلِفِزْيونِ ذاكَ الإنْسانَ المِثالِيَّ، ذا الشّخْصِيَّةِ المُحَبَّبَةِ؛ وهْوَ في حَياتِهِ العادِيّةِ إنْسانٌ ذو شَخْصِيَّةٍ مُتَعَجْرِفَةٍ مُنَفِّرَةٍ، إنَّها الازْدِواجِيَّةُ بِعَينِها! وإذا كانَ العِلْمُ والأَدَبُ أَخْلاقًا فالأَخْلاقُ لا تُجَزَّأُ، وإِذا كانَ الصِّدْقُ قَوامَ العِلْمِ والأَدَبِ فالصِّدْقُ لا يُجَزَّأُ أَيْضًا.

سُؤالٌ يُمْكِنُ أَنْ يُسْأَلَ، وقَدْ يَكونُ مَشْروعًا.. هَلْ كِتابَةُ السّيرَةِ مَقْصورَةٌ على المَشاهيرِ فَقَطْ ؟ لا أَعْتَقِدُ. هُناكَ أُناسٌ كَتَبوا سِيَرَهُمْ بِأَمانَةٍ، وبِفِطْرِيَّةٍ مُذْهِلَةٍ وَصَلَتْ بِهِمْ الى مَصافِّ اُدَباءَ مَشْهورينَ؛ خاصَّةً المُهَجَّرينَ، والغُرَباءَ في أَوطانِهِمْ، والمُغْتَرِبينَ قَسْرًا، والَّذينَ سَكَنَتْهُمْ لَعْنَةُ الأَرواحِ المُتَمَرِّدَةِ..!

(البقيعة / الجليل)

1/6/2016







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com