عودة الى أدب وفن

الأَدَبُ الشَّعْبِيُّ .. - حسين مهنّا


لَيسَ الأَدَبُ الشَّعْبِيُّ مَقْصورًا على الشِّعْرِ العاميِّ أَو الحُداءِ فَقَطْ بَلْ يَتَعَدّاهُما الى ما يَتَرَدَّدُ على أَلْسِنَةِ النّاسِ مِنْ أَدَبٍ عامِّيٍّ ، وهذا يَشْمَلُ السّيرَةَ الشَّعْبِيَّةَ ، وأَهازيجَ الافْراحِ ، والزَّغاريدَ ، والتَّعْدادَ في المَآتِمِ .

السّيرَةُ الشَّعْبِيَّةُ تَناوَلَتْ حَياةَ المَشاهيرِ اجْتِماعِيًَّا وتاريخِيًَّا كَالأنْبِياءِ ، والأَبْطالِ مِثلِ عَنْتَرَةَ ، وأَبي زَيدٍ الهِلالي ، والزّيرِ سالِم .. وفي مِصْرَ خاصَّةً ، انْتَشَرَتْ حِكاياتٌ لَها طَابَعٌ مِصْرِيٌّ كَأَدْهَم الشَّرْقاوي ، وذاتِ الهِمَّةِ ، ودَليلَة وعَلي الزّيبَقِ .. هذِهِ الحِكاياتُ أَخَذَتْ نَصيبًَا وافِرًَا مِنَ الانْتِشارِ ومِنَ اهْتِمامِ النّاسِ الشَّديدِ ، خاصَّةً في المَقاهي حَيثُ كانَ في كُلِّ مَقْهىً راوِيَةٌ يَسْرُدُ الحِكايَةَ بِطَريقَةٍ تَمْثيلِيَّةٍ تَشُدُّ السّامِعينَ الى حَدِّ الانْفِعالِ .. أَمّا الشِّعْرُ الّذي كانَ يَتَخَلَّلُ القَصَّ فَقَدْ كانَ يُغَنّى على أَوتارِ رَبابِةٍ لِيَحْلو السٍّمَرُ ويَطول .

وكانَ لِلْحُداءِ دَورٌ هامٌّ في حَياتِنا القَرَوِيَّةِ ، حَيثُ كانَتِ الأَعْراسُ تُقامُ في السّاحاتِ ؛ وكانَ الحادِيانِ يَصولانِ ويَجولانِ كَفارِسَينِ غايةُ الواحِدِ مِنْهُما التَّفَوُّقُ على زَميلِهِ في ارْتِجالِ الشِّعْرِ . أَمّا الأَهازيجُ والمُهاهاةُ ( الزَّغاريدُ ) فَكانَتْ مِنَ اختِصاصِ نِساءٍ بِرَعْنَ فيهِ ، خاصَّةً في الأَعْراسِ عِنْدَ اسْتِقبالِ العَروسَينِ . وأَمّا التَّعْدادُ على المَيِّتِ فَقَدْ اخْتَفى عِنْدَ الرِّجالِ وبَقِيَ عِنْدَ النِّساءِ يُحِطْنَ جُثْمانَ المُتَوَفَّى ويَنْدُبْنَهُ بِتَراتيلَ تَجْرَحُ القَلْبَ ، وتُجْري الدَّمْعَ في العُيونِ .

يُخْطِئُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ أدَبَنا العَرَبِيَّ يَكْتَمِلُ بِدونِ هذا الأَدَبِ الشَّعْبِيِّ الجَميلِ ، والّذي هو هُوِيَّتُنا الشَّعْبِيَّةُ الاجْتِماعِيَّةُ والقَومِيَّةُ ، بِدَليلِ أَنَّ الكَثيرَ مِنَ القَنَواتِ الفَضائِيَّةِ قَدْ أَولَتِ اهتِمامًَا خاصًَّا بِبَثِّ المُسَلْسَلاتِ التُّراثِيَّةِ ، وسَهَراتِ الزَّجَلِ يُقيمُها شُعَراءُ عامِّيونَ لَهُمْ في هذا المِضْمارِ شَأْنٌ .

وإنْ كانَ أَميرُ الزَّجَلِ رشيد نخلة ( 1873م – 1939م ) قَدْ وَضَعَ حَجَرَ الأَساسِ في عِمارَةِ الشِّعْرِ العامِّيِّ ، فَقَدْ جاءَ بَعْدَهُ شُعَراءُ رَفَعوا هذهِ العِمارَةَ عالِيًَا .

(البُقَيعَة /الجَليل)

5/5/2016







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com