|
أكثر من 100 عام على ميلاده، إبراهيم طوقان: شاعر تجاوز الزمان والمكان
- سمير عطية
1905-1941
وماذا بعد؟
وماذا بعد أكثر من مائة عام من ذكرى ميلاده!! أسئلة تجدد نفسها بسرعة، وتطل بوجهها في ميادين الوطن قبل أن تثبت قدميها في ساحة الأدب العربي وضمائر المتعطشين للكلمة المبدعة التي تحلق في فضاء الحق والحرية. عقود متتالية مرت على أشعار "إبراهيم طوقان" ولا تزال هذه القوافي تسير في بحار هائجة، وعبر أمواج متلاطمة لا تستطيع أن تجعل قصائده تغرق في بحار النسيان. إنه إبراهيم طوقان الذي أسبغ عليه كثير من الأدباء والشعراء والنقاد كثيرا من الألقاب والأسماء مثل: شاعر الوطن وحارس الأرض وغيرها. يحضرنا سؤال الوفاء لذكراه، والحنين إلى قصائد جمعت بين الإبداع والقضية، بين التجديد والأصالة. * شاعر متجدد الحضور إن قراءة متأنية لإبراهيم طوقان في شعره ومسيرته، تجعل من هذا الشاعر حاضرا في كل مرحلة من المراحل التي مرت بالأدب الفلسطيني المعاصر. فكامل السوافيري في كتابه ( الأدب العربي المعاصر في فلسطين من عام 1860-1960) ، يتوقف مطولا عند "إبراهيم طوقان" الذي خاض مع شعراء آخرين تجربة التمهيد للتجديد في المشهد الشعري الفلسطيني عبر الشكل والمضمون، هذا المشهد الذي ارتسمت كثير من صوره بالمدرسة الكلاسيكية، وعبر مضامين شعرية محدودة. ولا ينحصر الحديث عن طوقان في كتاب (السوافيري) فقط، بل إن "عبد الرحمن ياغي" في كتابه المهم ( حياة الأدب الفلسطيني ) يتوقف عند كثير من المحطات الأدبية التي أثرتها تجربة إبراهيم طوقان في الأدب الفلسطيني. فالشاعر حارب بقلمه عبر المنابر الإعلامية المتاحة في ذلك الوقت من صحف وإذاعات، وهو على وهنه الجسدي صلب في التمسك بحقوق شعبه، جسور عند إطلاق صرخات التنبيه ليحذر أبناء وطنه من خطر بعض سماسرة الأرض والمتخاذلين. ورغم أن أعماله الشعرية جمعت في ديوان شعري واحد فقط، إلا أن نظرة عميقة إلى هذه الأعمال تكشف عن سبب هذه المكانة الأدبية التي احتلها هذا الشاعر، وتوضح للقارئ كيف استطاع هذا الشاعر خلال 36 عاما فقط أن يترك هذا الإرث الأدبي والثقافي المهم. بل إن 36 عاما هي مجموع عمره الجسدي القصير، حيث أن عمره الشعري والأدبي يصل إلى أبعد من ذلك بكثير. إنه إرث امتد ليصل إلى موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر" لسلمى الخضراء الجيوسي"، ومصادر الأدب الفلسطيني للدكتور "محمد الجعيدي". إنه ( الكنوز) عند "المتوكل طه" حين حصل على الرسائل الخاصة التي كان يرسلها الشاعر إلى شقيقته فدوى وأهله حين كان مقيما في بيروت، وضمن هذه الكنوز أيضا قصائد أخرى لم تكن معروفة. ومقالات كانت منشورة قبل عقود مضت ولم تفقد جِدَّتها. إنه الأستاذ وتلميذه "عبد الرحيم محمود" في كتاب ( شاعران من جبل النار ) لسليم جرار. إنه عشرات المؤلفات ومئات الدراسات وبدون أي مبالغة (آلاف المقالات). * كفكف دموعك: رغم أن الشاعر قد وقف مرارا وتكرارا مع قضية الأرض، والتحذير من الأخطار المحدقة بالأرض والشعب، إلا أنه لم ينس في خضم هذه المعركة أن يحذر النفس من القنوط واليأس، بل إنه وجه خطابه الشعري الشهير (كفكف دموعك) إلى الشباب الذين تنعقد عليهم آمال البلاد في التخلص من كل الأخطار التي تحيط بالوطن في ذلك الوقت، إنه شاعر عرف دوره، وعرف أيضا كيف يقوم بهذا الدور من خلال الوقوف عند هذه النفوس لمتيقظة، وحثها على القيام بمسؤولياتها الوطنية من خلال بيان ثقافي بديع اسمه تفاؤل وأمل:
كفكفْ دموعكَ ليسَ ينفعُكَ البكاءُ ولا العــــويلُ
إنه يخاطب هذه النفس كي تكون على مستوى التحديات، هذه التحديات الكبيرة التي لا يقوى على الوقوف أمامها شخص ضعيف في عزيمته، مرتبك في حقوقه، هزيل في إيمانه:
وانهض ولا تشك الزمان فما شكا إلا الكــــسولُ وأسلك بهمتك السبيل ولا تقل كيف الســـــبيلُ ما ضلَّ ذو أملٍ سعى يوماً وحكمتُه الدَّليـــــلُ كلاَّ ولا خابَ امرؤٌ يوماً ومقــــصده نبيــلُ
كم قلتَ ((أمراض البلاد)) وأنتَ من أمراضِها
إنها الذئاب إذن،التي يتحدث عنها في قصيدة أخرى، حين يجلو الحقيقة ويكشف عن حجم الخطر القادم:
والشؤمُ علَّتُها: فهلْ فتشتَ عنْ أعراضِـــها؟ يا من حملتَ الفأسَ تهدِمُها على أنقاضِـــها اقعدْ فما أنتَ الذي يسعى إلى إنهاضِــــها وانظرْ بعينيكَ الذِّئابَ تعبُّ في أحواضــها
لنا خصمانِ: ذو حولٍ وطَوْل ٍ…
إنه الشاعر الذي لا يمنعه إيمانه من رؤية المستقبل إذا بقيت الأمة على حالها من الضعف، ولذا صنع زلزالا في معاني قصيدته حين حذر شعبه من الهجرة والتشرد والضياع:
وآخرُ ذو احتيالٍ واقتناصِ تواصوا بينهمْ فأتى وبالاً… وإذلالاً لنا ذاك التَّواصي مناهجُ للإبادةِ واضحاتٌ… وبالحسنى تُنفَّذُ والرَّصاصِ
فلا رحبُ القصور غداً بباق ٍ…
فهل عرفنا كيف استطاع هذا الشاعر أن يحذر من انهيار العزيمة، ويعمل على تجديد إيمانها لدى الشباب، إنه باختصار يدعو إلى تبصير الأمة بالخطر والعمل على مواجهته:
لساكنِها ولا ضيقُ الخصاصِ
أمامَك أيها العربيُّ يومٌ…
* الإعلام والشاعر:تشيبُ لهولِهِ سودُ النَّواصي وأنتَ كما عهِدْتُكَ لا تُبالي … بغيرِ مظاهرِ العبثِ الرّخاصِ لعبت إذاعة القدس التي عمل فيها الشاعر"إبراهيم طوقان" في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين في تسليط الضوء على موهبته، ومكنته من إيصال صوته الشعري إلى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني. هذا الدور كلف الشاعر الإبعاد عن مكانه في الإذاعة، حيث عمل المستعمر البريطاني بضغوط من العصابات الصهيونية المتنفذة على خنق الصوت الشعري لطوقان. غير أن هذا الصوت لم يختنق كما أراد الأعداء له أن يكون، فالشعب قبل الأدباء والنقاد حفظوا أجمل قصائده من الثلاثاء الحمراء إلى الفدائي وليس انتهاء بموطني. ولعل من المهم أن نذكر في هذا المقام أن قصيدة "نوح إبراهيم" ( من سجن عكا طلعت جنازه ) يلتبس على بعض القراء اسم صاحبها، وينسبها إلى إبراهيم طوقان لتشابه عنوان الحادثة، رغم الفارق في لغة النص حيث لا يكتب طوقان القصيدة الشعبية. أما عن قصيدة الفدائي فلقد اختارها المخرج السينمائي حاتم علي أغنية الشارة في مسلسله الشهير (التغريبة الفلسطينية) وهي قصيدة حملت عزة الروح، وروعة الموقف في نص أدبي بديع توفرت فيه كثير من المواصفات الفنية للتألق، والقصيدة في أغنية الشارة مختصرة لرؤية فنية رأتها أسرة المسلسل، وهنا أترككم مع مطلع القصيدة بشكلها الكامل:
لا تَسلْ عن سلامتهْ
يكتب لأسرة المسلسل أنهم وفقوا في جعلها أغنية الشارة، متناسبة مع روح القصيدة، وحلم الشاعر الذي غنى للإباء والتضحية، وهي الرسالة ذاتها التي حملها المسلسل في كثير من محطاته رغم الألم الظهري الذي رأيناه.
روحه فوق راحتِهْ بدَّلَتْهُ همومُهُ كفناً من وسادتِهْ يَرقبُ الساعةَ التي بعدَها هولُ ساعتِهْ شاغلٌ فكرَ مَنْ يراهُ بإطراقِ هامتِهْ بيْنَ جنبيْهِ خافقٌ يتلظَّى بغايتِهْ من رأى فَحْمةَ الدُّجى أُضْرِمَتْ من شرارتِهْ حَمَّلَتْهُ جهنَّمٌ طَرَفاً من رسالتِه أما أنشودة (موطني) فهي الأنشودة التي يطالب عدد من الأدباء والفنانين حتى الآن باعتمادها النشيد الوطني الفلسطيني، كي تظل شاهدا على الحلم الفلسطيني بالاستقلال والحرية. خاصة وأن الأنشودة بمعانيها الجميلة، وموسيقاها الشعرية العذبة والقوية في آن واحد، تمثل تمسك الفلسطيني بموطنه وقيم هذا الوطن الساكن في صدورهم على شفاههم. لقد امتد عمر "إبراهيم طوقان" زمانيا فلم يتوقف عند عام 1941، بل امتد حتى الزمن الحاضر. وامتد عمره جغرافيا حين احتضنت أعماله كثير من المؤسسات التعليمية في الوطن العربي، ودرسته لأبنائها.?وامتد اليوم في فضاء الأرض عبر الشاشات فبثت العديد منها هذا النشيد تتغنى بأوطانها، وفي بقايا كلماتنا فرحة لذلك وحسرة عليه.?حيث أن الوطن لا يزال يعاني والهناء الذي حلم به شاعرنا لم يتحقق لشعبنا حتى الآن، غير أن الضمائر والألسنة لا تزال تردد في حكايات الحلم الفلسطيني المستمر:
مَوْطِنِي موطني
* جديدُنا القديم: الشَّبَابُ لَنْ يَكِلَّ هَمّهُ أنْ تَسْتَقِلَّ أوْ يَبِيدْ نَسْتَقِي مِنَ الرَّدَى وَلَنْ نَكُونَ لِلْعِدَا كَالْعَبِيد لا نريد ذُلَّنَا المُؤَبَّدَا وَعَيْشَنَا المُنَكَّدَا لا نُرِيدْ بَلْ نُعِيدْ مَجْدَنَا التَّلِيدْ كم نحب أن تمر المناسبات الأدبية القادمة والوضع الثقافي الفلسطيني بحالة أفضل. كم نود أن ندخل المدينة من باب واحد لا من أبواب متفرقة !! هي أمنيات علينا أن نسعى جميعا إلى تحقيقها، إنها أمانة الأدب، وسلاح القلم الذي عرف قيمته مبكرا شاعرنا الراحل فكتب هذه القطعة النثرية البديعة:
ألا ليتني كنت شجرة لا تزهر ولا تثمر..
فألم الخصب أمرّ من ألم العقم !! وأوجاع ميسور لا يؤخذ منه لأكثر هَوْلاً من قنوط فقير لا يرزق !! ليتني كنت بئراً جافة والناس ترمي بي الحجارة، فذلك أهون من أن أكون ينبوع ماء حي والظامئون يجتازونني ولا يستقون !! ليتني كنت قصبة مرضوضة تدوسها الأقدام؛ فذلك خير من أن أكون قيثارة فضية الأوتار.. في منزلٍ ربُّهُ مبتور الأصابع وأهله طرشان!!" عن بيت فلسطين للشعر include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |