إيلين سمعان خوري - سحماتا ترحب بكم - نايف خوري

ولدت إيلين سمعان خوري في فسوطة لوالد مهجر من سحماتا ووالدة من مهجري إقرث. متزوجة من الدكتور أسعد خوري، وهي أم لثلاثة أولاد: ميس وهشام وينال. أنهت دراستها الابتدائية في فسوطة والثانوية في ترشيحا، تعلمت كسكرتيرة طبية وعملت في مستشفى الكرمل، ثم التحقت بكلية فيتسو في حيفا لدراسة التصميم الداخلي. ثم بدأت طريقا جديدة في حياتها الفنية والنضالية من أجل سحماتا والنكبة عموما.

وإيلين، ابنة سحماتا وفسوطة وحيفا وطرعان وسائر القرى والمدن العامرة والمهجرة، افتتحت يوم أمس معرضا في صالة "منشار للفنون" في تل أبيب. ويحمل المعرض عنوان "سحماتا.. صدى الفراغ وهاجس الزمان" بالتعاون مع الفنان المعروف وكانز المعرض يعقوب حيفتس. التقينا بهما.

- تقول إيلين، بدأت فكرة المعرض عن سحماتا مع الفنان يعقوب حيفتس عندما قدم حيفتس مشروعا فنيا لوادي الصليب، بحيث يعرض فيه قضية إحياء الوادي، ولكن إيلين اقترحت تنظيم معرض عن سحماتا. وهكذا بدأنا بالتحضير لهذا المعرض، الذي حمل العنوان سحماتا صدى الفراغ وهاجس الزمان، بحيث استطعت كتابة بعض الأفكار بعد أن حلمت بزيارة بيت جدي في سحماتا في حين لم أولد هناك، بل في فسوطة. وربما تملكني هذا الهاجس نظرا لما سمعته عن بيت جدي الواسع الأرجاء، والمترامي الأطراف في تلك البلدة، والتي كانت تعقد فيه الاجتماعات العامة لأهل البلد.

- ويقول يعقوب حيفتس، إن إيلين أتت بالقصة والرواية لسحماتا والنكبة، كما جاء بها فنانون فلسطينيون آخرون من حيفا والناصرة وجنين وغيرها من أبناء المهجرين، وتساءلنا كيف يمكن أن نجعل هذه القصة تحمل المعاني والدلالات، وحتى الأبعاد التي تؤثر في الجمهور ويتأثر بها الجميع. كنموذج للألم والحسرة والنكبة. ووقفنا أمام قضية أخرى وهي كيف نجعل الجمهور يشاهد هذه النكبة ويقبلها، وهناك جانب من الجمهور يعرض النكبة وجانب آخر ينفي وجودها وحدوثها. وإذا أتينا بنموذج عن اليهود والكارثة النازية، فهل كان اليهود سيوافقون على الحصول على أي تعويض بأي مبلغ كان لقاء عدم اعترافهم بالكارثة النازية وكأنها لم تحدث معهم؟ طبعا لا، لا يمكن لأي يهودي أن يقبل بذلك. وكذلك الأمر بالنسبة للنكبة، فكيف يمكن تجاهلها وطمسها والتغاضي عنها؟ فقد وقعت فعلا ونحن نرى نتيجتها هؤلاء المهجرين وقراهم المدمرة. ونحن سنعرض عن طريق الفن حدوث النكبة ليقبلها الطرف الآخر.

- وكيف ستعرضان الفكرة لكي يقبلها الطرف الآخر.

- يقول حيفتس، إذا أخذنا لوحة الغرنيكا الشهيرة لبيكاسو التي رسمها بعد أحداث 1936 في إسبانيا، وأحضرناها اليوم من مدريد إلى غزة أو رام الله نجدها تعبر عن هذا الواقع أيضا وتؤثر في الناس هنا كما تأثر بها الإسبان وسائر العالم. وكيف تجعل النكبة موضوعا مفهوما وطبيعيا بغض النظر عن الجدل والنقاش السياسي. ولذا نحن نعالج الناحية الثقافية والحضارية الفلسطينية الشرق أوسطية التي سادت هنا. والسياسيون في هذه البلاد مسحوا القرى والأراضي ومحوا المعالم وطمسوها، ولكن بقي الإنسان الفلسطيني الذي لا يمكنه أن ينسى تاريخه وجذوره وأصوله وتراثه. وهكذا بادرت إيلين للتركيز على الطابع العام للفلسطيني، والذي حاولوا رسمه للتقليل من مكانته، ووصفوه بأنه فلاح، بدائي، غير حضاري، وقررت نقض هذه المفاهيم وقلب هذه الصفات وعرض واقع آخر للفلسطيني من خلال بيتها، فزوجها الدكتور أسعد خوري، وابنها الفنان وعازف البيانو والكمان هشام خوري، وهي الفنانة التصميمية ابنة النكبة، فكيف يمكن تسمية هذه العائلة ووصفها بالعائلة البدائية غير الحضارية؟

- إذن في هذا المعرض يتحول مفهوم النكبة من البدائية إلى الحضارة، ومن الهدم إلى التعمير والبناء، والتأكيد على المفهوم الثقافي والموروث الحضاري.

- تقول إيلين، هكذا بدأت قصة بيت جدي الذي حلمت به وعرفته من روايات الماضي، وبنيت هذا البيت في ذهني، ثم ذهبت إلى سحماتا ووقفت أمام الكنيسة، وأنشأنا الموديل أو النموذج الفني وليس السياسي، وفيه أقف أمام الكنيسة، ثم أسير في طرقات سحماتا، وهذه حقائق قائمة وموجودة على أرض الواقع، فلا يمكن مناقشة وجودها أو نفي حضورها، بينما يعزف هشام معزوفات موسيقية لباخ على الكمان وليس على العود.

- إذن سيشاهد الجمهور ويسمع ويرى.

- يقول حيفتس، بالضبط، فالتصوير يوثق الحضور في سحماتا، وإيلين تبني البيت من الذاكرة والمعلومات المتوفرة، فيعود المتفرج بالذاكرة أيضا إلى تلك الفترة، وهي تلقي بعض الجمل والتعابير المتعلقة بهذه الأرض وهذه المنازل. وعندما يدخل الجمهور سيسمع ويشاهد ويرى ويدخل تجربة ويتلقى خبرة هائلة لإنسان اجتاز نوعا من الصدمة والحسرة والألم، ولا يمكنه أن يمحو ذلك من ذاكرته، وأتوقع من المشاهدين قبول ذلك والاعتراف به.

- ماذا سيرى المتفرج عندما يأتي إلى المعرض لكي يدخل هذه التجربة؟

- تقول إيلين، سيدخل المتفرج غرفة وفي وسطها طاولة وعليها شاشة، وسيرى شريط الفيديو على هذه الشاشة وأنا أسير بموجب توجيهات عمي الأستاذ وجيه سمعان، أمد الله في عمره، وقد أعطاني خارطة لسحماتا كان أهل البلد في صيدا قد أعدوها تذكارا لبلدتهم، وتظهر فيها البيوت والطرقات، كخارطة هيكلية، وأنا اسير بموجب الخارطة وأبحث عن بيت جدي، فيرى المشاهد الفيديو والخارطة الفعلية على الطاولة، وأنا أسير كأني أمشي داخل القرية. وفي الخلفية نسمع هشام الذي هو نتيجة البحث عن البيت. وهذا يشمل الذاكرة التاريخية من عام 48، ثم الثقافة، والذاكرة الفعلية بواسطة البيت الذي بناه يعقوب حيفتس، وهو يمثل هذه الذاكرة، كمجسم شرق أوسطي.

- ما هي النصوص التي ستقرأ في المعرض؟

- تقول إيلين، النصوص مني شخصيا، كتبتها وترجمناها للعبرية والإنجليزية. لأن المعرض محيط أو تركيبة أو توليف سيعيشها المتفرج ويسمعها ويراها. فيسمع بالسماعات الصغيرة التي سيتزود بها كل زائر، ويقرأها على الشاشة.

- حيفتس يقول، كل المستندات الرسمية التي كانت في زمن الانتداب كانت باللغة الإنجليزية فالعربية فالعبرية، واليوم بموجب النظام يجب أن يكون بالعبرية ثم العربية، ونحن قلبنا هذا النظام، بحيث يظهر النص بالعربية أولا وثم بالعبرية وبعدها الإنجليزية.

- إيلين تقول، هذه النصوص بالعربية بعنوان حلم بيت، مثل، من خلال روايات جدي وجدت نفسي أطير دائما إلى أبي، إلى قريته وزيتونه وزيته، بالأمس ومن غابات الأحلام، جاء حلم البيت، وما أحلى الرجوع إليه. ويتم التفصيل من ناحية هندسية كيف يتكون البيت حتى التفاصيل الدقيقة. ويعود المتفرج إلى البيت حاملا النص بالعربية والعبرية والإنجليزية. ثم نخرج إلى الجمهور بصدى الفراغ وحياتنا الطبيعية في قرانا ومدننا والواقع الذي نعيشه، والشعب الذي يحيى حتى اليوم في المخيمات وفي أصقاع الأرض، والبعض سار مع مجريات الزمان فصار التحدي، وبالرغم من هذا حافظنا على صفاتنا التي تميزنا كفلسطينيين.. إلى آخر النص. ثم أذكر أن سحماتا انطفأ نورها في 30 تشرين الأول، وكان السكان يعيشون حياتهم الطبيعية فيها.

- لماذا المعرض في تل أبيب وليس في حيفا؟

- إيلين تقول، أولا يدخل المتفرج بصورة فردية ومتقطعة بأجزاء متنوعة، ويخرج حاملا الرؤيا الجماعية، فيرى الصورة متكاملة. والضغط أو التوتر العاطفي قوي على الجمهور، بحيث لا يمكن لأي متفرج إلا أن يتأثر وينفعل مما يشاهد ويسمع. والهدف من إقامة المعرض في تل أبيب هو أن الجمهور اليهودي هو جمهور الهدف وليس الجمهور العربي، لأن المعرض يخاطب العقلية والمفاهيم العبرية والإنسانية، ولذا نحن نخاطب اليهودي والإسرائيلي أولا لأنه السبب في النكبة والسبب في مترتباتها.

- نتمنى النجاح لهذا المعرض وأهدافه.

- شكرا

عن صحيفة حيفا
13/3/2015








® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com