![]() |
|
أطفال قريتنا يسبحون - أحمد أيوب أيوب
![]() تمر الأيام والسنون ، وتأخذ معها الطفولة والصبا والشباب والكهولة من حياتنا. وتلقي بنا على عتبات الشيخوخة والهرم، إن لم تلق بنا إلى العدم. في مراحل الشيخوخة والهرم. لايتبقى لنابعد هذه المسيرة الطويلة إلأّ الذكريات . نتغنى ببعضها أو نتفاخر، ونتألم من بعضها الآخر أو نشكو، وربما نضحك أونسخر كلّما تذكرناها. غير أن أجمل الذكريات. هي ذكريات الطفولة والصبا والشباب. لكون الإنسان آنذاك حديث عهد في الحياة، يمتلىء حيوية ونشاطاً، ويحدوه الأمل والرجاء بمستقبل مشرق زاهر . وفي السطور التالية بعضاً من تلك الذكريات . * * * * * أشعة الشمس الدافئة في هذا الصيف الجميل .تسطع على ماء البركة في قريتنا الوادعة. فتبرق تموجات الماء فيها متلألئة لامعة. وعلى سطح البركة الذي يمتد فوق الماء بعلو عشرة أمتارتقريباً، ترى الأطفال يتقافزون من فوقه إلى الماء واحداً بعد الآخر. في سباق من أجل الوصول إلى أحد الأعمدة الحجرية الثلاثة (التربيعية الشكل) الطويل منها، أوالمتوسط ،أوالصغير التي تتوسط البركة. يرتفعً أطولهم فوق سطح الماء مختالاً بحوالي المترين. ما أن يقفز أحد الأطفال غاطساً في الماء ، حتى ترى رأسه قد أطل من تحت الماء وعليه بعض الصلصال متفاخراً بوصوله للقاع مردداً (هذا عامودي) قاصداً بذلك أنه وصل للعامود في أعمق مكان في البركة ووضع على رأسه ما يثبت ذلك من الصلصال، فيتوالى الأطفال مسرعين بالقفزمن بعده. أما الفئة الثانية من الأطفال، فهم الأكبر سناً. وهؤلاء لا يقفزون من فوق سطح البركة بل تعدوا ذلك إلى المشتل أو من فوق بيت الحشيش وهما أعلى مكاناً فوق سطح الماء. وهؤلاء قد اعتادوا قبل أن يقفزون من المشتل أو من فوق بيت الحشيش. أن يبللوا أجسادهم بالماء ثم يقومون برسم أقنعة وإشارات على وجوههم من تراب المشتل كي لا تتعرف على ملامحهم. وأسلحة وذخيرة على صدورهم، ومسدسات وقنابل على خصورهم. يتباهون بها أمام بعضهم بعضاً، ثم يقفزون إلى الماء. كنت أراقب ما يحدث من الجانب الآخر للبركة بتركيز واهتمام شديدين، بعين الطفل الذي يرى عجباً، وكم كنت أمنّي النفس لوأستطيع أن أفعل مثلهم....! إلاّ أنني لم أكن بعد قد تعلّمت السباحة. لأن الذين من أمثالي سناً لم يكن مسموحاً لهم بالسباحة أو حتى الإقتراب كثيراً من الماء. وبينما أنا منشغل بما يقومون به. فجأة رأيت أن كل شيءقد توقف عن الحركة. وخرج الذين كانوا يسبحون من الماء، وتوقف الباقون عن القفز. ذلك أن صوت المؤذن قد ارتفع معلناً وقت صلاة الظهر. والمعروف عند الأطفال آنذاك ، أن السباحة أثناء تأدية الأذان( حرام ). تقدمت باتجاه الرحبة، فرأيت مجموعة أخرى من الأطفال الأكبرسناً يحملون بأيديهم بعض أغصان شجيرات ( الأندول ) الجافة ذات الأشواك الكثيفة وهم يطاردون الدبابير والفراشات الجميلة الملونة التي كانت تحط عند الشاطيء لترتشف بعض الماء فيصطادونها. وعلى مسافة قصيرة من ذلك المكان، حضرت بعض النسوة للبركة يحملن بعض الملابس والسلالم الخشبية التي تلوثت اثناء قيامهن بِطَرش ِ * بيوتهن، فأحضرنها للبركة لغسلها. وسرعان ما التقط الأطفال تلك السلالم بحجة أنهم سيغسلونها، ودخلوا بها لوسط البركة يركبون فوقها غيرمكترثين لنداءآت النسوة بإعادتها. وبمكان آخرعلى الشاطيء مجموعة أخرىمن الصبية يقذفون الأحجارعلى الماء بطريقة خاصة، فترى الحجريغطس في الماء ثم يعلو بعد مسافة قصيرة من مكان غطسه ليغطس مرة أخرى وهكذا. فاستهوتني تلك اللعبة كثيراً. فانتقيت بدوري بعض تلك الأحجارالمسطحة الرقيّقة، التي يسمونها (الرقيّات)، وأخذت أقلّدهم بقذف الأحجار (الرقيّة) فكانت تنزلق تحت الماء بموازاة السطح لتظهرفوقه بعد قليل ثم تنزلق مرة أخرى وهكذا. إلى أن يفقد الحجر قوة اندفاعه فينحدرإلى القاع. بما يشبه عملية ( التشبيط) عند الخياطين بالإبرة (غرزة تحت القماش وغرزة فوقه) مع ترك مسافةبينة بين كل واحدة وأخرى. فكانت فرحتي لا توصف على ذلك الإنجازالذي إستطعت تأديته. لذلك حملت بعض ما تبقى معي من تلك الأحجار وعدت بها إلى البيت، كي أُ ري أهلي تلك الأحجار التي تغوص في الماء إن قذفناها ثم تظهرمنه. ولأبرهن لهم على مهارتي بما حققته في تلك اللعبة. لم أخط بضع خطوات عائداً للبيت حتى رأيت العجّال* وقطيع الماعز والغنم عائدة من المراعي لترد البركة وترتوي فأسرعت مكملاً طريقي إلى البيت. * طرش =دهان أوصبغ مادة كلسية *العجال = قطيع البقر صيدا ـ لبنان 24/2/2010 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |