![]() |
|
1948... عيد الميلاد
سلام عليك يا سحماتا ![]() * حنا عيدي * أقول لسحماتا والكرامة فيها وفي اهلها طيبة النفس، اذكرك! أجل، اقول اذكرك وللجار دينٌ بأن لا ينسى الجار، فكيف لا اذكرك وجاري نصف كياني، جاري "الباب في الباب"، وهو سحماتي! انا البقيعاوي، من بلد، ربما سعدت بحظها، وسلمت من اذى الحروب ومصائب الاحتلال، ولكن رغم حظي فطالما حسدث "السحماتي" و "السحماتية"، كنت اذا حضرت فرحا تبدو لي الناس متشابهة الا "السحامتة"، كانوا اذا التقوا في مناسبة يكون لقاؤهم وعناقاتهم لبعضهم البعض، نظراتهم وحرارة السلام والكلام اشبه بالزلزال، يهز المكان ويسرق هيبة الحدث، فيبدو وكأن العرس عرسهم. اما اذا كان الحادي من قرية مهجرة، كالشاعر عوني سبيت، فتغدو الليلة بألف ليلة، يحتد النشيد ويتشعب حديث الشعر والزجل، وتنطلق اسماء القرى إقرث وبرعم وسحماتا في الهواء كالرصاص، الموضوع سحماتا واهل سحماتا وكأنهم رمز البطولة والصبر والكرامة ولوعة الفلسطيني وحنينه الى فلسطين الوطن، دون ذكر التفاصيل، درس في سيرة شعبنا دون حضور اي وزير او مندوب عن الوزير بين الضيوف، درس تلقائي في الشعر والفن من دون كتب. هكذا تعلو الاصوات ويحتد التصفيق ويطول يطول الصف "صف السحجة"، ويردد الكل، حتى الاطفال: عاش العامل والفلاح ويا سحماتي لا تهتم.. ديارك لازم نحميها وما بدنا طائفية بدنا حرية وسلام (كانت ايام) سلام؟! سلام عليك يا زينة البلدان، اليوم ذكراك، ذكرى اخرى بعد ان مضى على الذكرى نصف قرن، خمسون ذكرى، خمسون دمعة ودمعة، ما زال رفاقي السحامتة لا ينقصهم الا بيت، رفيقي يحسدني على بيتي وانا احسده على كونه سحماتيا، من دون بيت. يحسدني على بيتي وأحسد قدرته على الابتسام، وعلى تسامحه حين ينظر بوجه اليهودي الذي يسكن ارضه بعد ان سلبها ويقول: سلام! احسده على ما في قلبه من صبر وجلد.. وحرية وسلام! وهنا اتساءل: ألهذه الدرجة يستطيع السحماتي او اي مهجر ان يرتب عواطفه واحاسيسه داخل قلبه الممزق، حتى اذا ما قابل "المستوطن" ونظر في عينيه، يقول: سلام!! ما معنى هذا التسامح؟! ومن اين يأتي؟! هل هو عصارة الحقد والحزن المعتق في قلب كل مهجر؟! والمهجر فقط! ولهذا اصبح من المستحيل لأمثالي ولأمثال من لم يتشرد ان يفهم معنى ومصدر هذا التسامح! سلام عليك يا سحماتا.. وسلام علينا جميعا اذا اردنا السلام، اجل، اذا اردنا السلام. فالنوع السحماتي في السير امامنا جميعا، لأنه هو، وهو وحده يعرف ان الوطن داخلنا وليس خارجنا، هو وحده يعرف ان الوطن ليس عالما او خارطة وحدودا، انما هو قطعة حية من القلب تعيش داخلنا. دعوه، السحماتي، يقود المسيرة لنسير وراءه، دعوه يتقدم وفي يده.. لا شيء، وفي قلبه كل الاشياء. فإما ان يعود لنا بالسلام، واما.. لا يعود.. وويل لنا ان لم يعد! ففينا، في داخلنا لا شيء، عدم، وكل ما عندنا كان قد قذف به لنا محتلنا واغرانا به سيدنا حتى يلهينا به عن الحياة فنحسبه الحياة. خمسون عاما واهلك جياع بينما انت تطعمين الغريب، اهلك يهلكون ويعانون في لقمة العيش، وانت خضراء تدرين بالخيرات لغيرهم. خمسون عاما وابناؤك ضيوف على جيرانهم لا يملكون سقفا، وانت.. يسكنك الغريب. اهلك لاجئون وانت.. حجارتك تزين مداخل بيوت وفيلات القادمين والمهاجرين. من حجارتك تبنى بيوت للذين قطعوا رأسك، واغتصبوك، خمسون عاما: عاما ثم عاما، من العام 48. خمسون عاما وانت تصيحين في وجه المؤرخين: نقبوني، تعالوا انبشوا قبوري، تعالوا واحملوا من عينات الارض والكنائس القديمة، انسخوا بصمات القتلة عن جدران البيوت، واطبعوا آثار احذيتهم الهمجية فوق حقول القمح وعلى البيادر. وانشلوا جماجم الموتى من آباري، وانبشوا "سناسل" منحدراتي علكم تجدون اغراض الذين هجروا آملين بالعودة بعد يوم او يومين، بالاكثر. ولكن.. لا جواب.... انشغل العلماء وانشغل المؤرخون وانشغلت الدنيا. لعلهم يجدون عظمة ديناصور او جمجمة سعدان فتتغنى لها الاخبار وترقص لها عاهرات النوادي الليلية، وتشيد المتاحف في عواصم الدول الكبرى والغنية. اما انت يا سحماتا، فنبشك سهل، وكشف تاريخك اسهل، عظامك ليست قديمة، بل ما زالت رائحة الجريمة تئن منها، تاريخك مطبوع على وجوه اهلك الاحياء. اسرارك في "المفاتيح" التي ذابت في اجياب اصحاب البيوت المهجرة، حقيقتك وحقك لا تغطيها الا الدعاية الصهيونية التي ما زالت تنمو مثل اشجار الصنوبر التي زرعوها ليغطوا جثتك. اما اليوم، وبعد نصف قرن، اقول لك، لسحماتا، ارفعي اغصان الصنوبر عن جبينك وانظري حولك، واذا ما رأيت معلوت وكفار هافرديم وتسورئيل، وحوسن.. و.. و.. واذا ما سمعت "عبراني" و "روسي" و "روماني" و "امريكي" و "مروكي" ووو... فلا تيأسي. فالسحماتي على مسافة قصيرة منك ينطق الفلسطينية. وما زال يعمل ويحرق بكل عصب من اعصاب الصبر والكفاح ويصلي كل الصلوات... ويشتم: "اتيتم، واخذتم، وسرقتم وذبحتم.... كفى!!! فاخرجوا وعودوا الى حيث شئتم فسحماتا لي وانا لها، ولي مع سحماتا موعد. فقومي وتزيني يا عروس الجبل فأنت على موعد مع حبيبك الذي ينتظرك من فوق التلال ومن وراء الحدود. تهيأي وتحممي بقطر الندى، وامسحي عن جبينك غبار نصف قرن وتوّجيه بالغار بدل ابر الصنوبر. إلبسي وتكحلي وجدلي ضفائرك فأنت.. على موعد. ** مؤلف ومخرج مسرحية "سحماتا" فصل المقال، كانون الثاني 1999 واشنطن، امريكا include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |