غاندي والمقاومة الهندية للاستعمار - محمد علي فقيه


في ذكرى اغتيال "المهاتما غاندي" في 30 كانون الثاني/ يناير 1948 الذي تحولت تجربته في استقلال الهند عن الإستعمار البريطاني إلى إحدى مدارس العلوم السياسية، وأصبح غاندي صاحب مصطلح "العصيان المدني".

نتوقف عند أهم الكتب وأقدمها التي تحدثت بشكل مبسط وسردي ، ولا يشعر القارىء بالملل معها، عن مسيرة غاندي النضالية، وهو كتاب "غاندي والحركة الهندية" للمفكر المصري سلامة موسى الذي أعادت نشره مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة في القاهرة، بعدما كان المؤلف طبعه أول مرة عام 1934، وأعاد طباعته ثانية عام 1962.

يبدأ سلامة موسى كتابه عن كيفية مكافحة غاندي لتقاليد بلاده التي تهين خمسين مليونًاً من الهنود وتعدهم منبوذين.

ويرى سلامة بأن "أكبر فضل للإنجليز على الهند أنهم أدخلوا الثقافة الغربية الحديثة، فالهنود كافة كانوا يدرسون الثقافة الشرقية، وهي تقاليد في العقائد والتاريخ والأخلاق.

وقد اقترح "ماكولي" الأديب الإنجليزي المعروف في الهند سنة 1835 والذي كان يؤدي وظيفة مستشار لشركة الهند الشرقية، أن يوجه شباب الهند وجهة "الحضارة ًالحديثة" بأن يعلمهم اللغة الإنكليزية، فكتب تقريراً يقول فيه إنه"يجب جعل الإنجليزية وسيلة التعلم، حتى تنشأ في الهند طبقة هندية في اللون والدم ولكنها إنكليزية في الآراء والأخلاق والذهن"

يقول سلامة: "بقيت الحركة الهندية، لا تلفت الأنظار في العالم المتمدن إلا قليلاً، إلى أن سطع فيها المهاتما – وتعني في الهند "الروح الكبرى" - غاندي. فأكسبها من المبادئ والخطط، ما جعل العالم يلتفت إليه نبيٍّا قبل أن يرى فيه وطنيٍّا. ولكن أعظم ما خدم الحركة الوطنية هو "فضيحة أمريتسار" التي جن فيها الجنرال "داير" الإنكليزي فجمع الهنود في ميدان ثم أطلق عليهم النار، فقتلهم قتلاً ذريعاً ثم أمر جميع من يمر في الميدان من الهنود بأن يزحف على ركبتيه.

وكل هذا لأن بعض السكان في هذه المدينة قتلوا بعض النساء الإنكليزيات. وقد زاد في كراهة الهنود لبريطانيا أن الحكومة الإنكليزية عاقبت هذا الجنرال الإنكليزي المقيم في الهند بتكريمه، فأهدوا إليه سيفاً من الذهب، فشكّل هذا التحدي الوقح ً للأمة الهندية سبيلاً إلى اتحادها وإلحاحها في الاستقلال.

ففي عام 1893 سافر غاندي إلى إفريقيا الجنوبية بعد أن طلبه بعض التجار الهنود، للدفاع عنهم في قضية، وبقي يعمل بالمحاماة فدافع عن التجار الهنود. وعلى الرغم من أن أرباحه كانت تتراوح في العام بين 5000 و6000 جنيه. إلآ أن بصره لم يزغ عن مصالح الهنود أو مصالح الإنسانية.

ولا شك بأن المرحلة التي عاشها غاندي في جنوب أفريقيا قرابة 20 عاماً، ورأس فيها وحدة من وحدات جمعية الصليب الأحمر لمعالجة الجرحى في حرب البوير والإنكليز، وأنشأ مستشفى، تشكّل مرحلة تأسيسية، فرأى حقيقة الظلم الذي يعانيه السود من قبل البيض الذين يعتبرون أنفسهم أرقى من الاَخرين. فقد سجن عدة مرات لدفاعه عن الهنود. وكاد أن يقتله الإنكليز البوير لو لم تخلصه من أيديهم سيدة إنجليزية في سنة 1908.

وكانت قصة حادثة ركوبه القطار عام 1893 من الأشياء الأساسية التي دفعته للدفاع عن أبناء وطنه في حنوب أفريقيا. فقد ركب غاندي إحدى القطارات بالدرجة الأولى بعد أن كان قد اشترى بطاقة السفر المطلوبة، فلم يكن يعرف أنه ممنوع على أمثاله كهندي الركوب بتلك الدرجة حسب "القوانين العنصرية النافذة". فتعرّض للطرد على أساس أنه "تعدّى" على ما لا يحق له.

ويتميّز كتاب "غاندي والحركة الهندية" بأنه يسلط الضؤ على أهم الشخصيات الأدبية والفلسفية في العالم، التي أثرت عميقاً في شخصية غاندي.

تأثر غاندي جداً بالأديب الروسي تالستوي وتعاليمه من خلال كتابه "ملكوت الله في داخلك" فقد كان تولستوي يرى أن العمل اليدوي ضرورة لازمة للأخلاق الحسنة. وأن هذه المبادئ تحتاج لممارسة يومية حتى تخرج من النظريات إلى العمليات، ، فأنشأ في أفريقيا الجنوبية ضيعة أطلق عليها إسم "مزرعة تالستوي" الغرض منها "الاعتكاف" فيها، وأن يتعلم القيمون فيها كيف يتسامحون مع اختلاف الدين أو المذهب. وكيف يرضون بالتعاون. وقد أدى به شغفه بتالستوي إلى درس مبادئه المسيحية، فأحبها، وأخذ يتلو آيات الإنجيل كأنه أحد المسيحيين، وجعل من حياة المسيح ومبادئه حجة دامغة في كيفية إدارة الإنكليز ففي الهند.

وقد اقتبس غاندي فكرة "العصيان المدني" التي أثرت على حركة استقلال الهند، من الفيلسوف الاميركي "هنري ديفيد ثورو" الذي اكتشفه خلال وجوده في جنوب افريقيا عام 1907. عندما التقط مجلة قديمة تحوي مقال " ثورو " المنشور عام 1849، والذي حمل عنوان "العصيان المدني" : Civil Disobedience ، المتضمن نظرية حول المقاومة السلبية في مخالفة القوانين غير العادلة ، وقد شكل هذا المقال مصدر إلهام للكاتب الروسي " ليو تولستوي 1928 – 1910" ويبدو ذلك واضحا في كتابه " مدينة الرب بداخلك ". و يبدو أن مقالة ثورو أثرت على كفاح "مارتن لوثر كنغ 1869 - 1968". وعلى العديد من ممارسي العصيان المدني لاحقاً.

بعد عودة غاندي عام 1913 واستقبال الهنود له استقبال الابطال، لما سمعوا من بلائه في الدفاع عن المهاجرين الهنود في إفريقية الجنوبية. بدأ مسيرته لإنجاز الإستقلال التي أعلن في 15 آب/ أغسطس 1947. وقد كان حزيناً بسبب انفصال باكستان. وحاول أن يفعل المستحيل لمنع ذلك. بما في ذلك عرض منصب رئيس الوزراء في الهند الموحّدة على زعيم مسلم.

وبعد الإستقلال بدأ الصراع على السلطة بين النخب الهندية. وتم اغتيال غاندي على يد أحد المتطرفين الهندوس في 30 كانون الثاني/ يناير 1948.

عن موقع الميادين
29/1/2019







® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com