![]() |
|
بكين... سياسة العصا والجزرة مع تايوان - شاهر الشاهر
استنتج الخبراء أن الهدف من المناورات الصينية في محيط تايوان كان محاكاة إغراق القوات الأميركية في المنطقة وتدميرها، وهي الرسالة التي لم تشأ بكين الحديث عنها. وكعادتها، أوصلتها بصمت وفعل.
تتصاعد حدّة التوتر في منطقة مضيق تايوان إلى درجة تشي باحتمال التصعيد، على الرغم من أن قواعد الاشتباك ما زالت منضبطة بين الطرفين، الصيني والأميركي، في ظل إدراكهما خطورة الذهاب إلى نظرية "التدمير الثنائي المتبادل"، والتي، إن وقعت، ستعني فناء الطرفين، بل ربما العالم أجمع. وما يزيد في خطورة الأوضاع ويُنذر بالذهاب نحو التصعيد، هو عدم توقف الولايات المتحدة عن استفزازاتها للصين. فلم يكد يمضي سوى 12 يوماً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، لتايوان، حتى أُعلنت زيارة جديدة لـ 5 أعضاء من الكونغرس الأميركي لتايبيه، وهو ما يعكس توجهاً أميركياً نحو التصعيد. ومن المؤشّرات على ذلك أيضاً تصاعد الأصوات داخل الكونغرس للضغط على الرئيس بايدن من أجل ضمّ تايوان إلى الشراكة الاقتصادية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والتي وضع الإطار الاقتصادي لها خلال زيارته المنطقة. وضمّت هذه الاتفاقية 14 دولة، يشكل ناتجها المحلي نحو 40% من الناتج المحلي العالمي، لكنها لم تضم تايوان. كما ظهرت دعوات تطالب واشنطن باعتماد "استراتيجية النيص"، التي تقوم على تزويد تايوان بأسلحة صغيرة وفتاكة، مثل المسيّرات المتطورة والألغام البحرية التي تساهم في ردع الغواصات الحربية للصين، وتأكيد ضرورة التشدد مع الصين، ودعم "الديمقراطية" في تايوان، وأن هذا لا يمكن أن يتم إلّا من خلال إجراءات حقيقية، تكون قادرة على ردع بكين ومنعها من استعادة الجزيرة، على حد زعم أصحاب هذه الدعوات. ومن هذه المقترحات: - ضرورة تزويد تايوان بالسلاح النووي، من خلال نشر بعض الصواريخ النووية في الجزيرة، رداً على دور الصين في جعل باكستان دولة نووية، حين دعمت عبد القدير خان (أبا البرنامج النووي الباكستاني)، وعلى دور الصين في دعم كوريا الشمالية وإيران، على حد زعمهم. - إعلان اعتبار تايوان حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو، أسوة بـ"إسرائيل" واليابان وكوريا الجنوبية. - إعلان مشروع قانون سياسة تايوان 2022، والذي يهدف إلى تقديم دعم مادي إلى تايوان بمقدار 4 مليارات دولار على شكل مساعدات عسكرية. - إعلان موعد المحادثات التجارية الأميركية التايوانية، والمقرر عقدها في الخريف المقبل، والتي تتضمن 11 اتفاقاً لتسهيل التجارة بين البلدين في مجالات: الزراعة، والتجارة الرقمية، والممارسات التنظيمية، وإزالة الحواجز التجارية بينهما، وتعزيز الابتكار والنمو الاقتصاديين الشاملين. - الاستمرار في محاولة نقل صناعة الرقائق الإلكترونية إلى الولايات المتحدة، وتقديم الدعم الحكومي إلى تلك الشركات، في مقابل تعهّدها عدم بيع إنتاجها للصين أو أيّ دولة قد تشكل عدواً محتملاً للولايات المتحدة الأميركية. وكانت تايوان طلبت من الولايات المتحدة، منذ عام 2019، تزويدها بمعدات عسكرية بقيمة 17 مليار دولار، وتشمل شراء 66 طائرة مقاتلة من طراز "أف – 16". ووافق الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على بيعها أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار، في واحدة من أكبر الصفقات العسكرية بين البلدين. ومن المتوقع أن يزداد ذلك في هذا العام. من دعم الديمقراطية... إلى الاستحواذ على صناعة الرقائق الإلكترونية سيطرت لغة "المثالية الأميركية"، المتمثّلة بدور الولايات المتحدة الأميركية والتزامها الدفاعَ عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فضجّ العالم بالحديث عن أن الهدف من زيارة بيلوسي هو دعم الديمقراطية في الجزيرة. ولم تكن سوى أيام حتى تكشَّفت الحقائق، وانتقلنا إلى الحديث عن رغبة الولايات المتحدة الأميركية في سرقة صناعة الرقائق الإلكترونية من تايوان، ونقلها إلى الداخل الأميركي، نظراً إلى حاجتها الماسة إلى هذه الصناعة التي تراجعت كثيراً في الولايات المتحدة الأميركية. ففي عام 1990، كانت الولايات المتحدة الأميركية تُنتج 37% من حجم الإنتاج العالمي من هذه الرقائق، لكنه بدأ التراجع التدريجي ليصل إلى 12% فقط في عام 2020. وفي ظل انتشار جائحة كورونا وقطع سلاسل التجارة العالمية، لم تستطع واشنطن تأمين احتياجاتها من تلك الرقائق، على نحو تسبّب بتعثّر بعض الصناعات في الداخل الأميركي، وخصوصاً صناعة السيارات التي تراجعت بصورة كبيرة، وهو ما تسبب بارتفاع أسعار السيارات المستعملة بنسبة تجاوزت 40% خلال العام الحالي. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن القانون الأميركي الجديد، والذي أقرّه الكونغرس ويهدف إلى دعم صناعة الرقائق الإلكترونية، لن يسدّ حاجة الولايات المتحدة إلى هذه الصناعة وبصورة فورية، فالموضوع يحتاج إلى أعوام طويلة، ووضع استراتيجيات والعمل على تنفيذها. ومن هنا، بدأ الحديث عن سعي الولايات المتحدة لسرقة الخبراء الذين يعملون في هذه الصناعة في تايوان، بعد تخويفهم من أن بكين ستغزو الجزيرة لتسيطر على تلك الصناعة. في المقابل، كانت الصين قامت بشراء كميات كبيرة من تلك الرقائق وتخزينها، وباشرت العمل، وفق استراتيجية كبيرة لتطوير صناعة الرقائق في الصين، عبر رصد مبالغ مالية حكومية، كانت الدفعة الأولى منها 150 مليار دولار. وعلى الرغم من ذلك، ووفقاً لإحصاءات جمعية صناعة أشباه الموصلات الصينية، فإنّ إجمالي مبيعات الشركات الصينية، ذات الصلة بالرقائق، ازداد بنسبة 18% في عام 2021، حتى وصل إلى مستوى قياسي يتجاوز تريليون يوان. فبكين تُنتج أنواعاً كثيرة من الرقائق البسيطة والمتوسطة التعقيد، ويتضاءل إنتاج الرقائق العالية الدقة، والتي تدخل في صناعات الأسلحة والفضاء والذكاء الصناعي وسوى ذلك من الصناعات النوعية. وجهة النظر الصينية تنطلق من مبدأ، مفاده أن من حق الولايات المتحدة الأميركية تطوير نفسها في كل الوسائل المتاحة، لكن ليس من حقها العمل على إعاقة تطور الدول الأخرى. لذا، نادت بكين على الدوام بضرورة الابتعاد عن "عقلية الحرب الباردة"، فالعالم تغير، وأميركا اليوم لم تعد القطب الأوحد في العالم، كما أن قوتها تراجعت، ومناعتها الاستراتيجية ضعفت، وهو ما أقرّ به كبار الساسة الغربيين، مثل هنري كيسنجر وتوني بلير وسواهما. كما ترى بكين أن التدخّل السياسي في هذه الصناعة أو غيرها ينتهك قانون السوق، والذي يجب أن يكون قائماً على العرض والطلب، وحرية انتقال السلع والبضائع، وهو المبدأ الذي كانت تنادي به الولايات المتحدة والدول الغربية عندما كانت هي الأقوى تجارياً وصناعياً، لتعود الآن وتناقض نفسها وتنادي بالعودة إلى السياسات الحمائية لحماية صناعتها. وهو ما بدأه الرئيس ترامب وتسبب بارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، فتضرر المواطن العادي، واستفاد التاجر. وهي السياسة التي كان الرئيس بايدن، خلال الاجتماع الأخير الذي جمعه بالرئيس الصيني، أعلن رغبته في التراجع عنها تخفيفاً من حدة التضخم الذي تعيشه الولايات المتحدة، والذي يعد هو الأعلى منذ 40 عاماً، بحيث تجاوز 8%. وتشير التوقعات الأميركية إلى أن هذا الإجراء، لو حدث، كان سيوفر 797 دولاراً أميركياً شهرياً لكل أسرة، وهو ما رحّب به الرئيس الصيني، مؤكداً أن الصين منفتحة على جميع مجالات التعاون. كما ترى بكين أن فكرة الحصار التكنولوجي، والتي تحاول الولايات المتحدة فرضها على الصين، من خلال الاشتراط على الشركات المنتجة للرقائق الإلكترونية تعهُّد عدم التعامل مع بكين أو أيّ دولة أخرى ترى فيها الولايات المتحدة عدواً محتملاً لها، في مقابل الحصول على الدعم الحكومي، ترى بكين أنها تتعارض مع الاتجاه العام للتنمية في العالم، وهو من واجبات الدول المتقدمة تجاه سائر دول العالم. إن الصراع على الرقائق الإلكترونية بين الصين والولايات المتحدة لن يؤثّر في اقتصاد الدولتين فحسب، بل لن يكون مفيداً لاستقرار السلسلة الصناعية العالمية أيضاً. فوفقاً لتقديرات وزارة التجارة الأميركية، وفي حال قطع أعمال أشباه الموصلات الأميركية الصينية تماماً، فستفقد الولايات المتحدة 125 ألف وظيفة وستخسر بين 80 و100 مليار دولار أميركي من الفوائد الاقتصادية. "الكتاب الأبيض"... سياسة العصا والجزرة تطورات كبيرة بدأت تتكشَّف مع الوقت، بشأن زيارة نانسي بيلوسي والمناورات البحرية الصينية في محيط الجزيرة، وطبيعة الوفد المرافق لها، ولماذا كان ابنها برفقتها؟ بداية، لا بد من الإشارة إلى أنه كما نجحت الولايات المتحدة في تنفيذ رغبتها في الزيارة، نجحت بكين أيضاً في استثمار هذا الحدث، إلى أقصى حدّ ممكن، بحيث استطاعت تنفيذ أقوى وأكبر مناورات تُجريها في المنطقة منذ عام 1979، واستخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة، وهو ما عدّه الجميع محاكاة لغزو الجزيرة. لكنّ الأيام أثبتت عكس ذلك، على ما يبدو، فلقد جرت المناورات باستخدام مختلف أنواع الأسلحة البحرية والجوية والصاروخية، لكن لم تشارك قوات برية كبيرة في المناورات، مع أن اقتحام الجزيرة، لو حدث، سيكون العامل البشري فيه هو الأهم، الأمر الذي دعا الخبراء إلى أن يستنتجوا أن الهدف من المناورات الصينية كان محاكاة إغراق القوات الأميركية في المنطقة وتدميرها، وهي الرسالة التي لم تشأ بكين الحديث عنها. وكعادتها، أوصلتها بصمت وفعل، بحيث بدأت التقارير الأميركية تتحدث عن ذلك، وعن أن الغواصات الأميركية وحاملات الطائرات الموجودة في المنطقة ستصبح غير فعالة خلال أعوام قليلة جداً، الأمر الذي يجعلها خردة يجب التخلص منها، ويؤكدون أن ذلك سيكون قبل عام 2027، وهو العام الذي يتوقعون فيه عودة تايوان إلى الصين عبر "استراتيجية الاستحواذ" التي وضعتها بكين، وتعمل على تنفيذها. وعلى الرّغم من الأهمية الاقتصادية للجزيرة التي بلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 807 مليارات دولار في عام 2021، ويتجاوز احتياطي النقد الأجنبي فيها 288% من هذا الناتج، وتشكّل الاقتصاد الـ21 على مستوى العالم، بحيث يتجاوز نصيب الفرد الإجمالي 33 ألف دولار، فإن اقتصادها أصبح يوصف بالاقتصاد المعجزة، بحيث شهد قفزات كبيرة، بلغت 6.57% في عام 2021، وهو أكبر نمو حققته الجزيرة منذ عام 2010، نتيجة للطلب العالمي الكبير على الرقائق الإلكترونية، التي أصبحت تشكل عصب الصناعات المتطورة في العالم، بحيث تنتج شركة TSMC وحدها 54% من حجم الإنتاج العالمي من هذه الصناعة الدقيقة. كما حقّقت الجزيرة فائضاً تجارياً بلغ 65 مليار دولار في العام الماضي، أي وفق نموّ بلغ 9% عن العام الذي سبقه، إلّا أنها تعاني أيضاً مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية، فدَينها الخارجي لا يزال مرتفعاً عن ناتجها المحلي الإجمالي بـ 113%، وكان في عام 2018 نحو 130%. كما بلغ دَينها الحكومي 34% في عام 2020، مسجلاً عجزاً مالياً بلغ 2.28% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى قياسي، إلى حد كبير. كذلك، تعاني الجزيرة نسبة شيخوخة مرتفعة ستتجاوز 20% في عام 2026. ويبقى التوتر السياسي مع بكين هو الأكثر تهديداً لمستقبل الجزيرة، في ظل التدخلات الغربية في هذه القضية، وخصوصاً أن بكين تحتلّ المرتبة الأولى في الصادرات التايوانية بنسبة 28%، وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة لا تتجاوز 15%. من هنا، تنبّهت بكين لذلك، فأصدرت "كتاباً أبيض" بشأن تايوان، وهو عبارة عن وثيقة جرى إعدادها ونشرها من جانب مكتب شؤون تايوان والمكتب الصحافي التابعين لمجلس الدولة الصيني، تحت عنوان: "قضية تايوان وحالة إعادة توحيد الصين في العصر الجديد". وكان الكتاب بمثابة "العصا والجزرة"، بحيث تحدث عن حتمية عودة الجزيرة إلى الوطن الأم، مع الرغبة في عودتها بالوسائل السلمية، بحيث تراهن بكين، على ما يبدو، على انتخابات عام 2024 في الجزيرة، والتي قد تطيح الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي يحكم تايوان الآن، عبر دعم حزب الكومينتانغ الذي ينادي بالعودة إلى الوطن الأم، وتطبيق سياسة "وطن واحد وحكومتين"، على غرار ما حدث في هونغ كونغ وماكاو. وبالتالي، سيكون ذلك مكسباً كبيراً لبكين يجنّبها حرباً لا تريدها. وأهم ما جاء في "الكتاب الأبيض": - تحتفظ بكين بحق الرد على استفزازات مؤيدي استقلال الجزيرة والقوى الخارجية. - إن محاولات تحقيق استقلال تايوان لن تؤدّي إلّا إلى دفع الجزيرة إلى الهاوية، وإلحاق أضرار جسيمة بالمواطنين التايوانيين. - يجب علينا أن نعارض بحزم تقسيم تايوان واستقلالها، و(علينا) تعزيز إعادة التوحيد السلمي للوطن الأم، وذلك حماية للمصالح المشتركة للأمة الصينية، بمن في ذلك المواطنون التايوانيون. - قضية تايوان شأن داخلي لجمهورية الصين الشعبية. - حل القضية لا يحتمل أيّ تدخل خارجي. - تتعهّد بكين المحافظةَ على الحكم الذاتي العالي لتايوان، وحماية الحقوق والمصالح المشروعة لشعبها. - كلّ الدول المهتمة بتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية بتايوان، بعد إعادة توحيدها مع الصين، وبموافقة الحكومة المركزية الصينية، ستكون هذه الدول الأجنبية قادرة على فتح مكاتبها القنصلية وغيرها من المؤسسات شبه الرسمية في الجزيرة، والمنظمات والمؤسسات الدولية. - بعد عودة تايوان سيكون اقتصادها قادراً على التطور بصورة أكبر، مع الوصول غير المحدود إلى سوق البر الصيني الرئيس، عبر سلاسل إنتاج وتوريد مستقرة. - سيتم احترام النظام الاجتماعي وأسلوب الحياة للمواطنين التايوانيين، وسيتم احترام المُلكية الخاصة والمعتقدات الدينية والحقوق والمصالح المشروعة للشعب، وستكون الجزر مضمونة بالكامل. من هنا، قدّم "الكتاب الأبيض" بشأن تايوان رؤية متكاملة فيما يتعلق بموقف بكين تجاه الجزيرة، وسبل الحل، ومحاذير التفكير في أي سلوك، من شأنه التفكير في تحقيق انفصال الجزيرة عن الصين، مع تجريم كل من ينادي بذلك في تايوان، والتحذير الشديد من محاولات التدخل الخارجية في شؤون تايوان، مع الإشارة إلى أن استخدام القوة هو السلوك الأخير الذي لا تريد بكين استخدامه. عن الميادين 23/8/2022 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |