|
بيكاسو غزة ! - د. أيّوب أبو ديّة
لو كان الفنان الاسباني بيكاسو حيا ليشهد على تدمير غزة، فماذا كان سيفعل؟
رسم بابلو بيكاسو الرسام الاسباني الشهير لوحته التاريخية غيرنيكا The Guernica عام 1937 تعبيرًا عن القتل والدمار الذي لحق بقرية غيرنيكا الاسبانية الواقعة في مناطق الباسك وذلك بعد قصفها خلال الحرب الأهلية الاسبانية من قبل النازيين. لوحة مؤثرة غير ملونة رسمت فقط بالأسود والأبيض، ضخمة تبلغ ثلاثة أمتار ونصف المتر في الارتفاع بطول يصل إلى نحو ثمانية أمتار معلقة على جدران متحف الملكة صوفيا في مدريد. عندما وصلت إلى القاعة الضخمة في المتحف الذي تعرض فيها لوحة بيكاسو التاريخية رأيت جمهرة من الناس، فاعتقدت بوجود مناسبة أو اجتماع ما، ولكن العيون المسلطة على اللوحة الضخمة الحجم كانت لافتة بالانشداد إلى اللوحة تمامًا. عند ذلك تعرفت اليها حين لمحتها عيناي فورًا لأنني كنت قد استشهدت بها في أكثر من مقام محاولًا إثبات قدرة الفن والإبداع الأدبي على تغيير الواقع. يقال إن أثر اللوحة كان كبيرًا على الاسبان وعلى العالم بأسره بعدما طافت اللوحة في الكثير من دول العالم إلى درجة أنها أسهمت في وقف الحرب الأهلية الاسبانية. فعندما تنظر إليها تجد الناس مبعثرين على الأرض، فمنهم من هو مسجى على الثرى وآخرون يستنجدون... كما تجد الخيول تستنجد وكذلك الثيران الاسبانية الهائجة وهي مدماة... إنه دمار هائل قد أصاب تلك القرية الآمنة وجعلها تسهم في وقف الحرب الأهلية. أين هو بيكاسو غزة ليرسم الدمار الذي لحق بهذا القطاع المتمرد على الظلم؟ أين هو بيكاسو غزة ليوثق للعالم الهمجية الصهيونية التي تجاوزت أعمال النازيين؟ لا ترمموا بيوتكم أيها الفلسطينيون ولا تزيلوا الأنقاض المهدمة، اتركوها متحفًا مفتوحًا للعالم على غرار الغيرنيكا كي يرى العالم إمعان الإنسان في قتل وتشريد أخيه الإنسان. قدموا أراضي جديدة للمنكوبين ولن يبخل العرب عليكم في أموال لإعادة البناء، ولكن ابقوا على هذا الدمار شاهدًا على همجية العصر. فإذا كان حزب الله قد تعلم درسًا من دمار الضاحية الجنوبية عام 2006 وغير اتجاه صواريخه إلى سوريا فإن المقاومة الفلسطينية أثبتت أن صراع البقاء يستدعي إبداع وسائل دفاعية جديدة في مواجهة العدو نفسه، وأنها لم تشهّر في أي من الدول العربية على الرغم من تقاعسها. أيها الإسرائيليون من الذين يعتقدون بإمكانية القضاء على المقاومة، إقرأوا كيف تطورت أدوات القتال بين المفترس والضحية عبر تاريخ التطور الطويل وكيف استطاع الطرفان البقاء إلى يومنا هذا بتطوير أدوات القتل لدى المفترس وتطوير في مقابله لأدوات الدفاع أو الهروب، لذلك ازداد الغزال سرعة ورشاقة وطور الفهد من مقدراته على التخفي والتمويه. كذلك الأمر في الاجتماع البشري: طور الأسرائيليون القبة الحديدية فانتقل الفلسطينيون إلى حرب الأنفاق. وإذا دمرت الأنفاق ربما تصبح الحرب الكترونية تدمر الاقتصاد الإسرائيلي بالفيروسات، أو ربما تنتقل الحرب إلى البحر أو تحته، فلا نهاية للحرب والتزاحم والتناحر ولا مندوحة عن الارتقاء في الأداء لتجنب الاندثار. ختامًا نقول إن موقف العالم المتخاذل سوف يدفع إلى مزيد من العنف في العالم وبخاصة في ضوء ارتفاع صوت الأمم المتحدة فقط عندما أعلن عن أسر جندي إسرائيلي غاصب وهو يعتدي على أرض غزة، بينما لم يسمع العالم الأمم المتحدة تطالب بإطلاق سراح مليوني فلسطيني معتقل في سجن غزة ومثلهم من الرهائن في الضفة الغربية! أين أنت يا بيكاسو؟ 7/8/2014 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |