|
بوتين… خطاب وسياسة العزة والكرامةد - فايز رشيد
العين بالعين والسن بالسن هذا ما تطبقه روسيا في عهد بوتين.عقوبات أمريكية وأوروبية ضد مسؤولين روس وأوكرانيين مؤيدين للرئيس السابق يانكوفيتش، قابلها بوتين بعقوبات ضد مسؤولين أمريكيين.الآن أصبح انضمام شبه جزيرة القرم إلى الوطن الأم حقيقة واقعة. صحيح أنها خطوة ازعجت الغرب، لكن ليس بإمكانه تغيير الواقع، وليس بين يديه سوى العقوبات، وهذه أيّاً كان اتساعها ستظل محدودة، فالرئيس الروسي يدرك تماماً أن الغرب يحتاج إلى بلده في الكثير من القضايا العالمية. بالنسبة لخطاب الرئيس بوتين، كان خطاباً مؤثراً، خاطب المشاعر القومية للروس وريثي المجد السابق إبّان المرحلة السوفييتية. أراد بوتين إرسال رسائل عديدة إلى الغرب من خلال خطابه، إن روسيا في عهده ليست روسيا يلتسين الضعيفة المهلهلة الفقيرة، التي بحاجة إلى دعم أمريكي- أوروبي! أراد بوتين التأكيد على أن روسيا قوية باقتصادها وبسياستها الخارجية، وهي تقف موقف الندّية للولايات المتحدة والأوروبيين (الشركاء الغربيين) وفقاً لتسمية بوتين لهم.
أراد بوتين القول في خطابه بأن العالم لم يعد أحادي القطبية بتفرد الولايات المتحدة الأمريكية به وبقضاياه، لقد وضع الرئيس الروسي حداً للأحادية القطبية، وهو الذي تحدث مراراً عن ضرورة ‘التعددية القطبية’ كان أبرزها خطابه في مؤتمر الأمن في ميونخ عام 2007، وكان يستعد حينها للانتقال لمنصب رئيس الوزراء في عهد ميدفيديف. استمرت السياسة الروسية بكافة تفاصيلها لكن مع خطاب ميدفيديفي أنعم، إلى أن عاد بوتين إلى الرئاسة ليعود الألق والبريق إلى خطواته السياسية، بمقدار أكبر مما كان عليه في فترتي رئاسته الأولى. لطالما تعبت روسيا من’حشرها في الزاوية’من قبل الغرب، الذي اتهمه بوتين بأنه دائماً ما ‘خدع روسيا واتخذ قرارات من وراء ظهرها’. اعتبر أن الغرب يتمسك بسياسة ‘تفتيت روسيا منذ عهد القيصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وصولاً إلى القرن العشرين في مواجهة الاتحاد السوفييتي’. اعتبر بوتين أن الأوروبيين والأمريكيين ‘اجتازوا الخط الأحمر، حين ساعدوا على تنصيب حكومة موالية للغرب في كييف، ضاربين عرض الحائط بالاتفاق الذي وُقّع بين يانكوفيتش والمعارضة في 23 فبراير/شباط الماضي’، فما كاد حبر الاتفاق يجف (وقد جرى توقيعه بحضور مندوبين غربيين) حتى جرى خلع يانكوفيتش! لقد انتقد بوتين الدول الغربية وسياساتها الحمقاء في يوغسلافيا، وكوسوفو وأفغانستان والعراق وليبيا، بالفعل تصرف الغرب في هذه الدول على قاعدة الصلف والعنجهية، وفي بعضها الاحتلال المباشر تحت مسمى ‘نشر الديمقراطية’ و’إزاحة الأنظمة الدكتاتورية’ و’مصادرة أسلحة الدمار الشامل’، كما جرى في العراق، الذي تبين أنه لا أسلحة دمار شامل في العراق، وأن الفوضى وانعدام الأمن هو الذي جرى في العديد من هذه البلدان على ضوء التدخل الأمريكي- الغربي فيها. العديد من هذه الدول عادت عقوداً إلى الوراء، وهي تعاني من النزاعات الطائفية والمذهبية والإثنية والاقتتال في ما بينها، إضافة إلى إمكانية تقسيمها. هذا ما جلبته السياسات الأمريكية – الغربية على هذه الدول. إنها بالفعل ‘سياسة تدميرية’ مثلما وصفها بوتين، ‘يعتقدون أنهم يتمتعون بمكانة استثنائية، ويشعرون بأنهم المختارون وبإمكانهم تقرير مصائر العالم، وأنهم فقط هم على حق’. هكذا وصف بوتين الغربيين. لقد ابتدأت مجابهة بوتين بعد فترة قصيرة نسبياً من فترتي رئاسته الأولى. كان في البداية منشدّاً إلى تصفية حكم المافيات في روسيا، وإلى ضبط الأمن وفرض سلطة الدولة على كافة بقاعها المتسعة، وإعادة الاقتصاد الروسي إلى حيويته وأوضاعه الطبيعية، واستعادة مؤسسات القطاع العام التي خصخصها يلتسين مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فقام بفرض سلطة الدولة عليها، وصادر أموال العديد من المليارديرات (الأغنياء الجدد ومعظمهم تابعون للحركة الصهيونية) فوضع البعض في السجون، وهرب آخرون من روسيا بعد أن استقامت ظروف الفيدرالية الروسية. أولى بوتين الأهمية الكبرى لسياسات روسيا الخارجية ومجابهة عالم القطب الواحد. وأبرز خطوة قام بها على طريق هذه المجابهة هي الحرب الروسية – الجورجية في عام 2008، حين قام بالتدخل لحماية الروس في تلك الجمهورية. في فترة رئاسته الثانية التي ابتدأت مع مجيئه إلى السلطة عام 2012 صعدت روسيا من مجابهتها للغرب، وكانت الخطوة الأبرز (حتى اللحظة) في عناوين هذه المجابهة هي: استعادة شبه جزيرة القرم إلى الوطن الأم، بعد أن كان الرئيس خروتشوف قد منحها (بقرار فردي صادق عليه مجلس السوفييت الأعلى آنذاك) إلى أوكرانيا فهو مثلما يقول الروس يعشق أوكرانيا. مراقبون عديدون يكتبون عن أن استعادة شبه جزيرة القرم سيفتح شهية كافة الروس المقيمين في جمهوريات أخرى الى الانضمام لروسيا، هذه الجمهوريات والدول عديدة منها: كازاخستان، استونيا، مولدافيا لاتفيا، ليتوانيا، وغيرها. في الاعتقاد أن ما جرى في أوكرانيا لن ينسحب على هذه الدول للأسباب التالية: أولاً: ان شبه جزيرة القرم هي روسية في الأساس وليست أوكرانية. ثانياً: ان ما حصل في جورجيا وأوكرانيا سيكون بمثابة الدرس لكافة الدول التي يوجد فيها مواطنون روس بنسب عالية (منذ العهد السوفييتي بالطبع بحكم سهولة التنقل السكاني آنذاك) وعدم الإساءة إليهم وإعطائهم كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون العاديون في تلك الدول. ثالثاً: إن الناطقين بالروسية هم أكبر بكثير من المواطنين من أصل روسي، فالكثير من أبناء كافة الجمهوريات التي كانت في إطار الاتحاد السوفييتي تكلموا وما زالوا وسيظلون يتكلمون اللغة الروسية، لذا لابد من التفريق حين أخذ النسب بين المواطنين من أصول روسية والناطقين بها. لم يكن خطاب بوتين خطاباً أيديولوجياً يبشّر بفكر روسي جديد، بل باختصار شديد، كان خطاباً يعكس العزة والكرامة والشعور بالسيادة في بلده، يحمل مثلما قلنا ‘الندية’ للغرب، وصفاقته التي تجلت في سياسات عديدة وما زالت تتجلى في العديد من المظاهــــر، ‘فمن لا يقف معنا فهو ضدنا’ مثلما روّج بوش الابن إبّان رئاسته للولايات المتحدة .و’دول أمريكا اللاتينية هي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة’، وغيرها من الشعارات التي تُظهر صلف هذا الغرب، الذي يعتبر القوانين الدولية ومبادئ السلام والنزاهة والعدل وحقوق الإنسان بمثابة ‘العجينة’ التي يقولبها وفق ما يشاء، فحيث تكون مصالحه تكون العدالة وحقوق الإنسان، التي أدار ظهره إليها وما يزال في بعض المواقف من القضايا العالمية، وهي كثيرة وأكبر من أن تُحصى وتُعد. خطاب بوتين كان بمثابة جرس إنذار لهذا العالم الغربي، وضوء أحمر تنبيهي لهذا الغرب،علّه يعد الحسابات قبل اتخاذ خطوات فعلية في هذه القضية أو تلك. نعم لم يعد العالم أحادي القطبية مثلما بقي لعقود عديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، بل أصبح عالماً فيه روسيا والصين (وبالتحديد روسيا بشكل أكبر) على طريق استكمالها لتشكيل قطب عالم آخر في مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً. * كاتب فلسطيني 27/3/2014 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |