|
الذكرى السنوية الأولى لميلاد المعلّم - إياد الحاج
*لقد استحقّ الرفيق نمر مرقس لقب المعلم، ليس بالمهنة الأولى التي مارسها ألا وهي مهنة التعليم، وإنّما بالتعليم والتثقيف الواعي المثابر الذي مارسه هذا الرفيق بكل وعي واهتمام ومسؤولية، منذ مطلع شبابه وحتى آخر يوم في حياته*
في مثل هذا اليوم قبل عام، رحل عن أنظارنا معلمنا الشيوعيّ، نمر مرقس، مؤثرًا البقاء في قلوبنا وفي عقولنا. لقد لـُقّبَ هذا القائد المبدئيّ بالمعلـّم ليس لأنّه مارس مهنة التعليم في شبابه وفصل من عمله، قبل احترافه العمل السياسيّ والحزبيّ، بل لأنّه مارس التعليم والتثقيف، في حياة الحزب وفي حياة الناس. لقد دأب هذا القائد على تنظيم عملية التثقيف الفكريّ للسّائرين على طريق الشّيوعيّة فقد كان يعتقد بأنّ البوصلة الفكريّة لعضو الحزب هي النظريّة الماركسيّة، وعلى كل رفيق أن يثقف نفسه لامتلاكها، فهي التي تحمي الرفيق من المواقف السّياسية والفكرية والتنظيمية الخاطئة والمنحرفة. فكان يبادر إلى تنظيم الحلقات الدّراسيّة لرفاق الشّبيبة ومن ثمّ لرفاق الحزب على مدار الأعوام والعقود، بحيث ساهم بتثقيف أجيال وأجيال. ولقد مارس هذا الدور التثقيفيّ حتى آخر يوم في حياته. أذكر أنّ أوّل مادّة نظرية قرأتها في حياتي كانت عام 1978 وهي مادّة أعدّها الرفيق المعلم نمر مرقس خصّيصًا لرفاق الشّبيبة الشّيوعيّة عن الماديّة الدّيلكتيكيّة والماديّة التّاريخيّة. وكان قد كتبها بأسلوب مبسّط يناسب جيل الرفيق المنضم حديثـًا للشبيبة، أي جيل 14 عامًا. كنت إلى جانب رفيق العمر، الذي يفوق اعتزازي به أي أحد من لداتي، الرفيق الذي انتقلت من منظمة أبناء الكادحين معه إلى صفوف الشبيبة الشيوعية، أجملنا، يني لاذقاني. حصل الرفيق الذي رحل عنا العام الماضي، يني لاذقاني على تلك المادة المجموعة وكأنّها كتاب دراسيّ، وقد ذيلتْ بتوقيع معدّها نمر مرقس وعرض عليّ قراءتها، فقرأناها بشغف كبير. لقد أضافت هذه المادّة لثقافتنا الكثير في حينه، وذلك إلى جانب المحاضرات العديدة التي كان ينظمها فرعا الشّبيبة والحزب، ولم نكن نفوّت واحدة منها. ولكنّها لم تكن مساهمته الوحيدة، فما زلت أذكر الصّفوف الدّراسية التي كان ينظمها الرفيق المعلم نمر مرقس لرفاق الحزب بشكل منتظم. وكان هذا الصّف الدّراسي الأوّل الذي شاركت فيه إلى جانب رفاقي في الشبيبة الذين رُفّعوا إلى صفوف الحزب من أبناء جيلي. لقد فسّر لنا هذا الصّف المصطلحات الماركسية والمفاهيم والأفكار الجديدة التي جاء بها هذا الفكر، ممّا بنى عندنا الأساس لمتابعة التثقيف الشّخصيّ الضروريّ لكل رفيق يقتنع بطريق الشيوعية. كان الرفيق المعلم نمر مرقس يُكثر من إصدار النشرات، المناشير والمواد الإعلاميّة، بمختلف المناسبات، ليس لرفاق الحزب فقط، بل للجمهور في منطقة عكا عامة، وفي كفرياسيف خاصة. وذلك لاعتقاده أنّ من مسؤوليّة الحزب الشيوعيّ تثقيف الجمهور تثقيفًا سياسيا طبقيا، فبقدر تنمية هذا الوعي بقدر ما يساهم الجمهور في النّشاط السياسيّ والطبقيّ الذي يصون مصالحه ويكافح من أجل تحقيقها. إنّ هذا المجال كان حاضرًا بقوّة في حياة المعلّم نمر مرقس، فمن تحرير مجلة الغد، إلى كتاباته في مجلّة الجديد والاتحاد، إلى نشراته المتعدّدة في منطقة عكا، وانتهاءً بمنشوراته المتلاحقة في مسقط رأسه كفرياسيف، التي لم يهملها رغم انشغالاته الكبيرة قطريًا ومنطقيًا، حتى تفرّغ لشؤونها كرئيس لمجلسها المحليّ لمدة عشرين عامًا ( 1978 – 1998 )، ولكنّه أيضًا لم يهمل الشأن القطريّ والمنطقيّ، فكان يربط جدليًا بنجاح وبتوازن دقيق بين العام والخاص، بين المحليّ والقطريّ. أذكر مرّة أنّه قال لي كيف كنت أنا نفسي سأهتدي إلى الموقف الشيوعيّ من دون مطالعتي المثابرة للتراث الماركسيّ ؟! فكان دائم القراءة، تحت كلّ الظروف وفي كلّ الأوقات، وكان يعرف كيف ينظّم وقته ويستغله جيّدًا ما بين العمل والقراءة والكتابة. ومن منّا لا يذكر انطلاقته الكتابيّة التثقيفيّة من على صفحات الاتحاد بعد الانهيار المدوّي للمعسكر الاشتراكي. في تلك الفترة التي انهارت فيها قيادات أحزاب شيوعيّة عديدة، محليًا وفي أرجاء العالم، واهتزّت فيها قناعات لرفاق عديدين وتفشّى فيها التشكيك حتـّى بمبادئ الطريق، وهناك أحزاب شيوعية غيّرت اسمها وعدّلت من توجهاتها الثورية. في هذه الفترات العصيبة يبرز دور القائد المعلم الذي يملك أساسًا فكريًا متينًا لا يهزّه الانهيار مهما كان مدويًـّا. لقد خرج الرفيق المعلم متصديًا للارتداد الفكريّ والتراجع التنظيميّ ومثبتًا الرفاق على طريق الشيوعية، وكل ذلك بأسلوب المعلم المثقف، الذي يعرض الحجج المقنعة التي تخاطب العقل وترسّخ الوعي الطبقيّ في نفوس السّائرين على درب الشيوعية. لقد نشر آنذاك مقالاته تحت عنوان: "رسالة إلى رفيق متلبّك" يناقش فيها ادّعاءات التردّد والتراجع والتلبّك الذي ضرب وعي الكثير من الرّفاق. ومن منّا لا يذكر سلسلة مقالاته في صحيفة الاتحاد، حول سوريا والحرب الدائرة فيها، وكيف ساهمت هذه المقالات برؤيتها الفكريّة الماركسيّة بمساعدة الكثيرين بقراءة الصّورة السّياسيّة في المنطقة قراءة فكريّة وطبقيّة واعية انطلاقًا من الفكر الماركسيّ، الذي ما زال صحيحًا ويشكّل بديلاً للنهج الرأسمالي السائد. لقد كان الرّفيق المعلم نمر مرقس يُعدّ موادّ متعدّدة، هي دراسات كان قد عالجها في حياته، بعضها موادّ تثقيف حزبية لرفاق الشبيبة الشيوعية ولرفاق الحزب، وبعضها الآخر حول الصّهيونيّة، وأعتقد أن هذه الموادّ على غاية من الأهمية من ناحية الحاجة إليها، ومن ناحية ما تضيفه من خبرة حياته على المواد النظرية. لكنني سأتوقف عند دراسة الحركة الصّهيونيّة من رؤية طبقيّة يُثبت فيها أن الحركة الصّهيونيّة هي ليست حركة قومية للشعب اليهوديّ، بل هي حركة الرأسمال اليهودي العالمي، وهذا ما يفسّر علاقتها بالولايات المتحدة وبأوروبا. أعتقد أنّ الرفيق المعلم يضيف الكثير للتعريف السائد للحركة الصهيونية، الذي يركز على الجانب القوميّ وذلك بالانطلاق من وجهة نظر طبقية ماركسية. ولأهميّة هذه الدّراسة على حزبنا ومؤسّساته أن يقوم بإصدارها وبتعميمها. إنّ الرفيق المعلم نمر مرقس قد ساهم بإغناء مكتبتنا الشيوعية المحلية المتواضعة بإصدار كتابه "أقوى من النسيان". هذا الكتاب يُعتبر سيرة ذاتية ليس للرفيق الكاتب ولكن للحزب الشيوعيّ، الذي لم يعمل بما يكفي ليوثق مسيرته الكفاحيّة في هذه البلاد. إنّ الكتاب مساهمة إضافيّة من الرفيق المعلم في التثقيف الحزبيّ والشعبيّ وهو يُضاف إلى التراث التثقيفيّ المتواصل لهذا الرفيق. لقد كان الرفيق المعلم ملازمًا لوسائل الإعلام حتى في أصعب مرحلة من حياته مرحلة فقدان النظر الكليّ. فإضافة لمساعدة من حوله له بقراءة الصحف، كان ملتصقًا بالمرناة وكان ينام والمذياع مفتوح، وكان يطلب نهارًا تسجيل بعض ما سمعه ليلاً. كانت الأحداث هي نبض الحياة التي يرتب أولويات النشاط الحزبيّ بين الناس بناء عليه. وكان ينقل ما يسمع مضيفًا تحليله الماركسيّ للأحداث الجارية. لقد آثرت أن أكتب في هذه العجالة عن جانب من حياة الرفيق المعلم نمر مرقس كان قد أولاه اهتمامًا كبيرًا في حياته الخاصّة والحزبية والعامّة. فقد بدأ الرفيق المعلم بتثقيف نفسه، ثمّ بأهل بيته فنشأوا على درجة عالية من الوعي الفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ وذلك إلى جانب شريكة حياته الشّيوعيّة الواعية والمثابرة الرفيقة نبيهة مرقس، ثمّ واصل عملية التثقيف المنظم في الشبيبة الشيوعيّة ثمّ في صفوف الحزب الشيوعيّ وساهم مساهمة جديّة في توعية وتثقيف الجمهور بروح القيم والمفاهيم الطبقيّة والشيوعيّة. لقد استحقّ الرفيق نمر مرقس لقب المعلم، ليس بالمهنة الأولى التي مارسها ألا وهي مهنة التعليم، وإنّما بالتعليم والتثقيف الواعي المثابر الذي مارسه هذا الرفيق بكل وعي واهتمام ومسؤولية، منذ مطلع شبابه وحتى آخر يوم في حياته. لقد ترك هذا المعلم سيرة كفاحية غنيّة، وتراثـًا قياديّا يُحتذى، وعملاً ينفع الناس ووعيًا عميقًا في نفوس كلّ من تعامل معه، ما يخلّده في الحياة ويبقيه حيًا في نفوس الناس عامة ومكملي الطريق خاصة. لذا فإنّ ذكرى ميلاد الرفيق المعلم نمر مرقس هي الخالدة أمّا ذكرى وفاته فهي العابرة. دمت حيًا في نفوسنا أيّها المعلّم! أحد مكمّلي الطّريق. ( كفرياسيف ) 31/1/2014 include ('facebookshare.php'); ?> |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |