![]() |
|
الوطن يَصنَعُه أبناؤه - د. فؤاد خطيب
هُناك في رحم حضارة الرينيسانس الأوروبي و كل مرة من جديد أقثفي آثار الجمال وأبحث في ذاك الزخم الحضاري عن بقايا نُطفة الحضارة العربية - الاسلامية التي تاه بها الزمن منذ خرجنا من الاندلس عام 1492 وجعلها ألعوبة حضارية مُعاصرة تتطاحن بها الفكر وتُداس القيم بالأقدام الهمجية في كل بقعة أرض تحت الشمس العربية.
عندما كانت شوارع قرطبة تضاء بفوانيس العلم والحضارة كانت أوروبا هذه الجميلة المُتطورة تعيش في بحر الظلمات القرواوسطية وفي مجازر الحروب الدينية التي دامت عشرات ومئات السنين، حتى جاءت الثورة البرجوازية الفرنسية وفصلت الدين عن الدولة وحطمت ذاك الموروث اللاهوتي المُقدس مرة واحدة والى الأبد. هذا الأمر بالذات أطلق قدرات العقول الغربية التي ابتكرت وفكرت وخلقت الثورة الاجتماعية والسياسية والفكرية والصناعية والتقنية، يعيش أحداثها عالم اليوم كله. انا كأي شرقي يزور الغرب يبهره الجمال والنظافة والأمان والنظام والترتيب والهدوء ولا أنسى عداوته لنا لضعفنا وقلة الحيلة في أمرنا. دائما في ذاك الجمال الحضاري أبحث عن أصولي العربية وأجد ابن سينا وابن رشد وابن خلدون والخوارزمي وابن النفيس وابن الهيثم والمعري والخيام وغيرهم من علماء وأفذاذ الحضارة العربية- الاسلامية التي وضعت هناك حجر الأساس للحضارة الغربية المُعاصرة. الى هناك يأخذني الشوق والحنين وأجلس تحت شجرة وبجوار جدول رقراق وأحفر الأرض باصبعي ربما أجد سر معادلات الخوارزمي التي أضاءت الدنيا والوجود .أتمنى دائما أن أسرق نار المعرفة والنور كبروميثيوس الذي سرق نار آلهة الاولمب وكشف سر الآلهة للناس بعدما حرقت يده نار أساطير الاغريق القديمة. هنا أخذ الاوروبيون منا الجمال والعلم والألق وتركونا نعود الى الجهل والى صحراء العدم والى بداية رحلة الدم التي لم تنته منذ حوالى1500 عام، عندما بدأ الدين السياسي التكفيري رسميا في دنيا العرب وقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان وطارت رقبته وقطعت معها أصابع زينب زوجته وحبيبته التي حاولت رد سيف الجهالة والعصبية القبلية والدين السياسي التكفيري وهي أنامل لم تعرف الا طريقها للحب والحنان والجمال. من بعد هذا الحدث صارت رحلتنا رحلة قتل ودم وتكفير وخنق بذور الحضارة التي زرعناها في العالم، فأنبتت عندهم لا عندنا بحوثا واكتشافات وثورات وتطورا وجمالا وجامعات وعندنا حولت حياتنا الى جحيم على الأرض وأنهار دم مراقة وتَخلف وخَسارة شعلتنا الحضارية تاهت منا ربما الى الأبد. تحولت حياتنا التي لا نعرف العيش سواها الى جحيم على الأرض حقيقي وواقعي. اذ لم نقطع وبأداة حادة فكرية يد الفتنة والتكفير وفلسفة الحمير ونعيد للفكر العربي ألقه وللعلوم سحرها ونبقي على الدين الحنيف داخل الحنايا والنفوس وداخل المساجد ونترك الدين السياسي التكفيري لا نكفر فيه أحدا ولا نقتل به أحدا ولا نُدمر به مَعبدا ولا حضارة ولا نقطع شجرة ولا نقطف حتى وردة بغير أوانها. الآن في هذه اللحظات يجرنا التكفيري فعلا الى تدمير الذات العربية. في نهاية كل زيارة أجلس منذ عقود في ذاك الرواق القديم أنتظرها حتى تأتيني جميلة متألقة كعهدي بها. نعم في ذاك الرواق الذي أحفظ أنفاسه وأنفاسها وحجارته ومقعدها من الآبنوس العطري يذكرني أنا العربي بحكايا العصور كلها وحكايتي معها وقد طال الفراق حتى كاد يصبح حُلما وشوقا غابرا. هي في خضم محيط حضاري علمي زاحف ما زالت ضفائرها شقراء سرقت من الشمس كل أشعتها. أنا في فلسطين حيث القلب والذاكرة كلها وحيث زيتونة أبي التي باركها المسيح عليه السلام مرة في رحلة عذاباته، حيث المكان الأول والحب الأول وأصل الحكاية والرواية. فلسطين ليست حكاية ولا رواية بل هي حقيقة رحم الحياة وأساس الوجود كله. عن موقع الجبهة 18/9/2018 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |