|
في ذكرى مئوية عبدالناصر - د. فايز رشيد
رغم مضي نصف قرن تقريبا على وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، إلا أن ذكراه تفرض نفسها في كل المراحل. ترى توهجه ينتقل من جيل إلى جيل، وكأن كاريزماه الوطنية غير قابلة للنسيان.
include ('facebookshare.php'); ?>
حاولوا كثيرا تبهيت صورته لكنهم فشلوا بل أخفقوا. ذهبوا هم وبقي عبدالناصر متألقا. نعم، لم تعش الأمة العربية على المستويين الوطني والقومي فترة عزّ وشعور بالكرامة الوطنية، كما عاشتها في مرحلة عبد الناصر. كان نصيرا لكل حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. رفعت الثورة في عهده شعارات الحرية والكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية. حاول الانتقال بمصر إلى مرحلة التصنيع الثقيل، وكان له ما أراد. اعتمدت مصر في زمنه على البرامج التنموية المنتجة. بنى السد العالي رغم امتناع الغرب والبنك الدولي عن تمويله، كسر احتكار استيراد السلاح بعد امتناع الغرب عن توريده لمصر، فاشتراه من الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، التي موّلته أيضا بقروض مؤجلّة، خاصة في بناء السد. حاولت المخابرات المركزية الأمريكية رشوته بـ5 ملايين دولار، ففضحها وحول كامل المبلغ لتشييد برج القاهرة. سارت وراءه جماهير امتنا العربية، وهي الطامحة إلى تحقيق الإنجازات الوطنية الملموسة والتقدم، ومجابهة المخططات الاستعمارية التي تستهدف عموم منطقتنا العربية، تاريخا ووجودا وحضارة. سار أبناء أمتنا العربية وراء الرئيس الخالد تحت شعاره: ضرورة تصفية بقايا الاستعمار من المنطقة ومن آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، «الذي يتوجب عليه أن يحمل عصاه على كاهله ويرحل». توحدت جماهيرنا العربية مع القائد في رؤيته للصراع مع الكيان الصهيوني، وأن «ما اغتصبه هذا العدو من الأرض والحقوق العربية لا يسترد بغير القوة». كان إقليميا وعالميا، فاتسعت أحلامه لكل المناضلين والمقهورين في القارات الثلاث. في زمنه كانت القاهرة محجاً لكل المناضلين من ارنستو تشي جيفارا إلى أحفاد باتريس لومومبا وأحمد بن بلة وكل قادة الثورة الجزائرية. سطع نجمه في الدول النامية فأسس مع نهرو وتيتو وبندرانايكة ونكروما كتلة عدم الانحياز، التي ابتدا تنظيمها في مؤتمر باندونغ عام 1955 واستمرت حتى اللحظة. احتضن القضية الفلسطينية مبكرا، وهو الذي حارب الصهاينة في الفالوجة، ونتيجة للخيانات بدأ التفكير في الثورة، وفجّرها ورفاقه في 23 يوليو 1952. لا نقول مثلما يؤمن البعض «بأن القائد يولد قائدا بالسليقة» ولكن تعمّدت القيادة بهذا الزعيم وبما امتلكه من صلابة بنضالاته على الصعيد المصري، والآخر العربي والكفاح التحرري حيثما كان، وعلى الصعيد العالمي أيضا. مبكرا تآمروا عليه في مصر وحاولوا اغتياله في ما يعرف بحادثة المنصة (وهي غير حادثة قتل السادات) لكنهم فشلوا واستمر في خطابه. جمعوا جيوشهم بعد أن قام بتأميم قناة السويس لتصبح مصرية خالصة. حشّدوا قواتهم في العدوان الثلاثي: البريطاني-الفرنسي- الصهيوني وأشعلوا حرب السويس على مصر في عام 1956.. وقف مع الشعب المصري والأمة العربية وكل الشرفاء على صعيد العالم، وألقى خطابا من على منبر جامع الأزهر، وانهزمت إسرائيل وحلفاؤها في محور العدوان. آمن بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج وكانت الوحدة بين مصر وسورية في عام 1958، لكن المتآمرين الغربيين والصهاينة والبعض العربي واصلوا خططهم السوداء وكان الانفصال في عام 1961. في عام 1967 وبعد الهزيمة التي رفضها وتحمل مسؤوليتها بشجاعة واستقال على أثرها من منصبه، صرّح ديان وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك تصريحاً شهيراً (أورده في مذاكراته) بأنه ينتظر مكالمة هاتفية من عبدالناصر، تعلن استسلام مصر واستسلامه! ردّ عليه الزعيم الخالد بالجملة الشهيرة: «خسارة معركة لا تعني الهزيمة في الحرب»، وأجابه بلاءات مؤتمر قمة الخرطوم في عام 1968: لا مفاوضات، لا صلح، لا اعتراف بإسرائيل. انتفضت الجماهير العربية بعد إعلانه الاستقالة وامتلأت شوارع مصر والبلدان العربية بلا استثناء بالناس، وفي الكثير من مدن العالم أجرت الجاليات العربية فيها مظاهرات عارمة، والكل يطالبه بالعدول عن الاستقالة. استجاب الرئيس لها. ورُدت الروح إلى أمتنا العربية، التي أصرّت على النضال وهزيمة إسرائيل. انطلقت المقاومة الفلسطينية للرد على الهزيمة. ابتدأت مصر حرب الاستنزاف، التي خسرت فيها إسرائيل كثيراً، وكانت البروفة لحرب عام 1973 التي أرادها السادات حربا تحريكية لا تحريرية. امتثل الأخير لنصائح عزيزه هنري كيسنجر وآمن بأن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا، لم يؤمن مثل سلفه بقدرات الجماهير ولا بقدرة الجيش المصري أو الجيوش العربية على صنع المعجزات، وارتد عن الحلفاء السوفييت ودول المنظومة الاشتراكية، وقام بطرد الخبراء وتنكر لكل ما فعلته تلك الدول لمصر. وكانت اتفاقية كامب ديفيد التي كبّلت مصر وأخرجتها من إطارها العربي، وأصبحت تبعيتها المطلقة للولايات المتحدة وإسرائيل. تآمر جونسون والكثيرون من قادة الغرب والبعض العربي في أواسط الستينيات لهزيمة مصر وإقصاء عبد الناصر عن موقعه. بعد وفاته حاولوا الإساءة إلى منجزاته وله شخصياً، اعتبروا أن بناء السد العالي كان خطأً، وظهرت بعض وجهات النظر التي طالبت بهدمه! كتب عمرو موسى في مذكراته: أن عبد الناصر كان يستورد طعاماً خاصاً له من الخارج، وتحديداً من سويسرا، لاهتمامه بنظام غذائي يؤدي لخفض الوزن! وكان يرسل من وقت إلى آخر من يأتي له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالريجيم من سويسرا. وقال موسى: إنه خلال عمله في سفارة مصر في سويسرا، كان رجل ضخم الجثة يأتي لاستلام الطعام! وكان موسى (وفقا لادعاءاته) هو المسؤول عن تسليمها له. ووصف جمال عبدالناصر بالديكتاتور الذي قاد مصر للهزيمة، مضيفاً أن مظاهرات التنحي مسرحية، وأن عبد الناصر اختصر مصر في شخصه، فكل ما هو جيد له جيد لها. هذا غيض من فيض التهم التي كالها للرئيس الأسبق، من أفل نجمه السياسي ليعيد الأضواء إلى شخصه. حاولوا إثبات بعض التهم عليه، فلم يجدوا في حسابه البنكي سوى ثلاثة آلاف جنيه. حاول رؤساء مصر جميعهم وبعض الرؤساء العرب من بعده التشبه به، ومنهم من ما زال يحاول! فشلوا جميعاً، فقد ظلوا في حقيقتهم رؤساء لدولهم، وفشلوا في أن يكونوا زعماء للأمة العربية. عبد الناصر كان رئيساً وزعيماً كبيراً بحجم أمته العربية وامتداد الخريطة العربية، ولهذا عشقته أمتنا. كان محكوماً بأيديولوجيا الجماهير وحسها العفوي نحو القضايا واتجاهها السياسي. لم يكن تابعاً لأحد ولم يكن محكوماً بأيديولوجيا حزب معين. زاوج بين الإيمان النظري والمسلكية الشخصية، فلم يستغل منصبا ولا نفوذاً من أجل أفراد عائلته وأقاربه. وُلد جمال عبدالناصر بسيطاً، وعاش بسيطاً ومات بسيطاً. كان قريباً من الجماهير ومتحدثاً رسميا باسمها. في ذكرى مئوية مولده: الذين ناصبوه العداء منذ الثورة، خاصة أيام حكمهم الأسود لمصر، وهم يعتبرونه العدو رقم واحد لحركتهم ولتنظيمهم العالمي، وما يزالون، وقد آن لغيرهم من الحاقدين أن يكفوا عن حقدهم الأسود على هذا الزعيم الخالد، وسوء ظنونهم به، ومحاولتهم المستمرة لاغتيال شخصيته وتاريخه، في الوقت الذي لا ننكر فيه كلّ أخطائه، لكننا نقارن بين فترتين زمنيتين ما تزالان ماثلتين أمامنا ونقصد ھنا الفترة التي سبقت وفاة عبدالناصر، وتلك التي ما نزال نعيش فصولھا المتدحرجة، في انھيارات وانكسارات وھزائم وتراجع للمد القومي والفكر الوطني التحرّري، لصالح قوى الرجعية والتخلّف من أصحاب المؤامرات المتواصلة أنظمة وأحزابا وأشخاصاً، التي حاربت عبدالناصر في حياته وتآمرت لإسقاطه. لكنهم لم يستطيعوا ولن يستطيعوا! عبدالناصر: سلام عليك أيها الغائب الحاضر. كاتب فلسطيني عن القدس العربي 18/1/2018 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |