كرزم: حرائق حيفا والقدس نموذج مصغر لسيناريوهات المستقبل المرعب لإسرائيل
"كشفت عيوباً أمنية لحكومة الاحتلال"

رام الله – «القدس العربي»: اعتبر جورج كرزم الخبير البيئي ورئيس وحدة الدراسات في مركز العمل التنموي/ معاً أن تأثير الحرائق الكبيرة التي اندلعت في العديد من مناطق فلسطين في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وبخاصة في مناطق مدينة حيفا وجبل الكرمل والجليل والقدس، والتي لا يراها مجرد صدفة عابرة بل حلقة في سياق اتجاه مناخي سيتفاقم خلال السنوات المقبلة.

ظاهرة الحرائق الآخذة في التعزز خلال أشهر الخريف والصيف وفق كرزم ليست حكراً على فلسطين فقط بل إن حرائق غابات مشابهة وبأحجام أكبر منها كثيراً تندلع سنوياً في جميع مناطق البحر المتوسط، مثل اسبانيا والبرتغال واليونان وفرنسا حيث تواجه تلك الدول كوارث مشابهة؛ إضافة إلى دول بعيدة أخرى مثل كاليفورنيا واستراليا. ففي الفترة ذاتها التي اندلعت فيها الحرائق الأخيرة في فلسطين اندلعت حرائق الغابات أيضاً في الأردن وسوريا.

ظاهرة حرائق المساحات الخضراء والأحراج مرتبطة بشكل أساسي بالتغير المناخي ذلك أنه في السنوات الأخيرة، أصبحت البداية الفعلية لفصل الشتاء تتأخر كما أصبح شهرا تشرين الثاني نوفمبر وكانون الأول جافان جدا وتتخللهما رياح قوية. ويرى كرزم أن موجات الحرارة الممتدة لفترات طويلة مع الهبوط الكبير في نسبة رطوبة الجو، كما لاحظنا مؤخراً في مدينة حيفا وجبل الكرمل والجليل والقدس يمكن أن تتسبب في اندلاع حرائق ضخمة ناتجة عن جفاف المواد العضوية القابلة للاشتعال في الغابات. يضيف كرزم أن الظاهرة المشابهة للحرائق الأخيرة والتي حدثت عام 2010 وكما في فصل الشتاء الحالي لم تهطل فيها الأمطار حتى بداية شهر كانون الأول/أكتوبر وبالتالي بقي الغطاء العشبي جافاً طيلة تسعة أشهر. إذاً وخلافاً لمزاعم بنيامين نتنياهو الهادفة إلى التستر على جرائم الاحتلال ضد البيئة الفلسطينية وأنظمتها الإيكولوجية فلا حاجة لعمليات إشعال فلسطينية متعمدة كي تندلع مثل هذه الحرائق التي تدمر أولا وأخيرا أراضينا وطوبغرافيتها الطبيعية الجميلة من جبال ووديان وأحراج؛ علماً أن قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه هم تحديداً الذين «تفننوا ويتفننون» منذ عشرات السنين في حرق وتجريف وتدمير عشرات آلاف الدونمات من أراضينا الزراعية أثناء اعتداءات المستوطنين والتدريبات العسكرية وإنشاء المشاريع الاستعمارية العنصرية من جدران عازلة وشوارع وأنفاق وجسور، واقتلاع ملايين الأشجار والأشتال، وقصف وتدمير أخصب الأراضي الزراعية في قطاع غزة من الجو والبر والبحر بالفسفور الأبيض والمواد الكيميائية والمشعة القاتلة، كما حصل مراراً في الحروب العدوانية التي شنتها إسرائيل في السنوات الماضية.

الحرائق الضخمة ستتعاظم

الحالة الشاذة الإضافية التي ميزت الحرائق الأخيرة وفق كرزم هي تأثير الرياح الشرقية خلافاً للرياح الغربية التي تميز الحرائق في فلسطين. وقد تجلى هذا الأمر على سبيل المثال في مناطق القدس التي اشتعلت فيها النيران إذ أن النيران التي تتقدم باتجاه سفح الجبل تكون أكثر بطأً من النيران التي تتحرك إلى أعلى. فلو كانت الرياح غربية، لكانت الكارثة الطبيعية أفظع بكثير. وأظهرت الأبحاث الأخيرة المتعلقة بنظام درجات الحرارة والأمطار المتوقعة في فلسطين أن الزيادة في شدة وتكرار الجفاف والحرارة المتطرفين ستتواصل ولفترات أطول من تلك التي عرفناها حتى الآن. وهذا يتطلب إعادة ترتيب الأولويات الوطنية مع اتخاذ إجراءات التكيف مع المناخ المتغير بما في ذلك تحسين الجاهزية الوطنية لمواجهة الحرائق الضخمة.

ثغرات وعيوب بيئية وأمنية

ويضيف كرزم أنه وبسياق نقاشنا لظاهرة الحرائق والاحترار العالمي من الأهمية بمكان التنويه إلى كتاب الباحث في معهد التخنيون الإسرائيلي «معهد الهندسة التطبيقية» البروفيسور يوسف جبارين من مدينة أم الفحم بعنوان الذي تضمن بحثا مقارنا للمدن الكبيرة في العالم، مثل باريس ولندن ونيويورك وموسكو وبكين وغيرها والتي تسَبّبَ تغير المناخ الناتج عن التلوث الجوي منذ انطلاق الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر- تسبب بكوارث مناخية وإيكولوجية في تلك المدن بما في ذلك العديد من العواصف والأعاصير التي ضربت بعضها كما حدث أكثر من مرة في مدينة نيويورك التي تدمرت واحترقت مئات المباني فيها بسبب الأعاصير (إعصار ساندي على سبيل المثال). وتطرق الكتاب إلى مدينة حيفا التي تحولت بدورها إلى مدينة خطر. ولتوضيح السيناريو المناخي الكارثي المتوقع لهذه المدينة الفلسطينية احتوى الكتاب خريطة بالحرائق المتوقعة الناتجة عن التغير المناخي. والحقيقة الساطعة التي تجلت في حرائق تشرين ثاني الماضي وللمرة الثانية خلال أقل من ست سنوات هي أن إسرائيل التي سوقت ذاتها وبعجرفة قل نظيرها باعتبارها قوة عسكرية وتكنولوجية واقتصادية «لا تقهر» عاجزة عن السيطرة على تلك الحرائق بقواها الذاتية دون توسل المساعدات الخارجية والجسر الجوي المكثف الامر الذي كشف ثغرات وعيوباً بيئية وأمنية إستراتيجية حساسة في إسرائيل لم يتوقعها الــــكثيرون.

11/2/2017





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com