![]() |
|
ماذا وراء المبادرات المختلفة لحل الصراع الفلسطيني - الأسرائيلي ؟
- نعيم الأشهب
جاءت نتيجة الإستفتاء في بريطانيا، على عضويتها في الإتحاد الأوروبي، باكورة أحداث متوقعة، نضجت وتنضج تحت تاثير العاملين الأساسيين التاليين ، الأول - الاثار التراكمية للإزمة المالية - الإقتصادية التي اندلعت عام 2008 وتداعيات استمرارها ، صعودا وهبوطا ، دون أفق ظاهر للخروج منها، ومن مفاعيلها في الميدانين الإجتماعي والسياسي ؛ والثاني - المتغيرات الدولية العاصفة ، منذ انهيار النظام الدولي ثنائي القطبية، هذه المتغيرات التي تتحدى نظام القطب الواحد - الولايات المتحدة.
ولعله لافت للنظر، قبل التعرض لبعض هذه الأحتمالا حالة التآكل في نفوذ الحزبين الرئيسيين في بريطانيا اللذين يتناوبان السلطة : المحافظون والعمال، اللذان تلإقيا في الدعوة للبقاء في الإتحاد ، لكن الأكثرية جاءت ضد إرادتهما ؛ ويمكن قول الشيء ذاته فيما يتعلق بمعركة الرئاسة الأميركية، فترامب ، الذي فرض نفسه مرشحا للحزب الجمهوري ، جاء من خارجه ؛ وكذلك ساندرز، الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة المنافس الأقوي لهيلري كلينتون، جاء بدوره من خارج الحزب الديمقراطي، واستقطب جمهوره من الشباب الذي يمتنع عادة عن المشاركة في مثل هذه الانتخابات. أما الإحتمالإت ، فلعل أحدها هو تداعي عملية الدومينو. وفي هذا المجال هناك أكثر من دولة أوروبية يمكن أن تتبع بريطانيا ، بخاصة تلك التي تفاقمت معاناة الطبقات الدنيا فيها من آثار سياسة التقشف وإلقاء أعباء أزمة العام 2008، على كاهل هذه الطبقات . وهنا ، تتردد أسماء بلدان مثل اسبانيا والبرتغال واليونان وإيطاليا وحتى فرنسا. في الوقت ذاته ، عاد الحديث عن عمليات انفصال داخل بعض الدول ، كأسكتلندا وإيرلندا الشمالية عن بريطانيا، واللتين صوتتا لصالح البقاء داخل الإتحاد الأوروبي وتريدان البقاء فيه ، والباسك عن إسبانيا ، وهكذا. وأخذًا في الحسبان أن بريطانيا ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية هي الحليف الدائم والأقرب للولايات المتحدة في القارة الأوروبية ، بل في العالم كله، وتمثل نوعا من الجسر بين أوروبا والولايات المتحدة، فإن خروجها من الإتحاد الأوروبي يشكل نكسة للنفوذ الأميركي في أوروبا، كما أنه يضعف احتمالات توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، هذه المعاهدة التي تتزايد الأصوات الأوروبية التي تعترض عليها وتنتقدها،باعتبارها تفتح أسواق أوروبا أمام المنتجات الزراعية الأميركية المعدّلة جينيا ، والتي يتحفظ الأوروبيون عليه ، وتلحق أضرارا كبيرة بالمزارعين الأوروبيين؛ وكان آخر من انتقد هذه الإتفاقية وعبّر عن معارضته لها رئيس وزراء فرنسا ، فانس، يوم 26 من حزيران. وتوقيت تصريحه بعد التصويت على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ليس بلإ معنى . وبالتالي، فخروج بريطانيا من ا?تحاد الأوروبي يشكل نكسة لهذا المشروع الأميركي . أما بالنسبة ?سرائيل ، فقد جاء أحد عناوين صحيفة هآرتس يوم 26 حزيران كالتالي:"بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي تخسر إسرائيل عنصرا رئيسيا"، وتضيف "لقد ساعدت بريطانيا في تعديل وتوازن قرارات الإتحاد الأوروبي حول عملية السلإم" أي الفلسطينية-ا?سرائيلية. والحقيقة، أن بريطانيا، لا تعبر فقط عن نفسها في هذا الشأن ، بل عن الولايات المتحدة . وقد مثلت قوة لجم داخل الإتحاد الأوروبي لمنع اتخاذ مواقف أوروبية أكثر جدية تجاه هذا النزاع ، وضد ممارسات الاحتلإل ا?سرائيلي العنصرية وا?رهابية ضد الشعب الفلسطيني. وإذا كانت هناك احتمالات أخرى، وهي عديدة لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ، فلعل أهمها هو تأثير هذا الخروج على تماسك المحور الإمبريالي الذي تشكل عقب سقوط الإتحاد السوفييتي ، من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي واليابان، بقيادة الأولى ، حيث مثلّت بريطانيا فيه ، دور الجسر بين الولايات المتحدة وأوروبا وأحد العوامل في توجه أوروبا غربا في المجال اقتصادي. وقد أخذ هذا المحور على عاتقه مهمة الإحتفاظ بهيمنته على بقية دول العالم وتشديدها، سواء بوسائل العنف ، أو بالحصار والعقوبات الإقتصادية. وهذا ما يفسر الاحتفاظ بحلف الناتو، بعد انهيار المعسكر الشرقي ، الذي كان المبرر المعلن لقيامه ، بل السعي لتعزيزه وتوسيع مداه خارج القارة الأوروربية ، التي يفترض حصر نشاطه فيها، بموجب ميثاقه. وإذا كانت أوروبا قد سلّمت قيادتها، مجددا، للولايات المتحدة ، في إطار هذا المحور، فلإن الأخيرة هي القوة العسكرية الرئيسية فيه التي لا غنى عنها في عملية إخضاع شعوب العالم لهذا المحور. فهي تنفق لوحدها أكثر من 40% من ا?نفاق العسكري للعالم كله ، ولها قرابة 800 قاعدة عسكرية منتشرة في أكثر من سبعين بلدا . وقد بدت وحدة موقف هذا المحور الإمبريالي في الأعمال العسكرية التي مارستها أطرافه ، وبخاصة الولايات المتحدة ، في الشرق الأوسط، ، وفي فرض العقوبات الإقتصادية على بعض الدول مثل إيران وسورية وروسيا وغيرها. لكن فرض العقوبات الإقتصادية على روسيا ، على وجه الخصوص ، ألحق أضرارا متفاوتة ببعض الدول الأوروبية ، وبخاصة ألمانيا ، زعيمة الإتحاد الأوروبي وقاطرته الإقتصادية ، في ضوء ما تشكل بينها وبين روسيا ، وبخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، من علإقات اقتصادية متنوعة، بدءا باستيراد الغاز والنفط الروسيين، مرورا بتصدير المنتجات الصناعية والزراعية الألمانية الى روسيا ، وانتهاءً بتوظيف الإستثمارات الألمانية في روسيا. ومع ذلك ، فواشنطن لم تكتف بالعقوبات الاقتصادية ، بل أرفقتها بنشاط عسكري متفاقم على الحدود الروسية ، سواء بالمناورات الاستفزازية في بولونيا ودول البلطيق ، أو بنشر قواعد الدرع الصاروخي في رومانيا وبولندا حتى الإن، أو بنشر المزيد من قوات الناتو قرب الحدود الروسية. ومعلوم أنه لدى اندلاع الأزمة الأوكرانية التي افتعلتها واشنطن ، تحرّكت كل من ألمانيا وفرنسا للوساطة في ايجاد تسويتها في مهدها، لقطع الطريق على تداعيات تصعيدها على العلإقات الإقتصادية مع روسيا ؛ وحينها تمّ اتفاق الأطراف المعنية على أسس التسوية بضمانة ألمانيا وفرنسا وروسيا. لكن واشنطن نسفت كل إمكانيات التسوية ، بتسليحها وتحريضها للعصابات الفاشية وبقايا النازيين الذين تعاونوا مع الاحتلإل النازي خلإل الحرب العالمية الثانية ، حيث قاموا بانقلإب على الرئيس الشرعي المنتخب ، وما تلإ ذلك من تداعيات خطيرة. ويبدو أن الكيل الألماني أخذ يطفح من هذا النهج الأميركي . ففي 18-6-2016 نشرت صحيفة تلغراف البريطانية مقالا للصحفي "جوستين هاغلر"( Justin Huggler) تحت العنوان التالي: " وزير الخارجية الألماني يتهم الناتو بالتحريض على الحرب ضد روسيا"، ومما جاء في المقال الذي هو تلخيص لمقابلة طويلة نشرت ، لاحقا، في 26 حزيران :" وزير الخارجية الألماني يخرج عن حلفاء الناتو ويتهم التحالف بالدعوة للحرب ضد روسيا"؛ ويتابع المقال:" فرانك وولتر شتاينر" (Frank Walter Ste) - أي وزيرالخارجية الألماني - تحدث ضد مناورات الناتو الجارية في بولونيا والبلطيق، واصفا إياها ب 'التهديد بالحرب' " ، وأضاف المقال ، نقلإ عن أقوال الوزير الألماني :" كل من يعتقد بأن استعراضا رمزيا لدبابة على الحدود الشرقية للتحالف يمكن له أن يأتي بالأمن فهو مخطئ"، وأضاف الوزير: " سنكون عقلإء حقا بأن لا نقدم الغطاء لتجديد مواجهة قديمة" . وكان وزير الخارجية الألماني يتكلم عقب بدء الناتو، في وقت سابق من حزيران ، أكبر مناورة حربية في أوروبا الشرقية منذ انتهاء الحرب الباردة. هذا، وكان وزير الدفاع الألماني قد انتقد ، بدوره ، هذه النشاطات الحربية للناتو ، التي تدفع بها واشنطن . وهذا الموقف الألماني المتحدي والناقد ، علنا، للسياسة الأميركية ، والذي هو الأول من نوعه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ربما كان بداية توجه أوروبا ، بقيادة ألمانيا، شرقا نحو الوحدة الإقتصادية الأورآسية ، بعد التخلص من بريطانيا ، التي ترمز الى توجه أوروبا نحو الغرب ، نحو الولايات المتحدة. إن إصابة هذا المحور ا?مبريالي بشرخ سيعني الكثير في الحياة الدولية ؛ فسيسهل عملية تشكل نظام دولي جديد - متعدد الأقطاب ، وسيضعف قبضة القوى ا?مبريالية تجاه الشعوب الأخرى، بعد تفكيك وحدة هذه القبضة ا?مبريالية ، ويعيد احتدام الصراعات والنزاعات بين الدول ا?مبريالية على الغنائم، وينال من حلف الناتو العدواني ، وبالتالي يسهل نضال الشعوب في درء التدخل الامبريالي في شؤونها وعرقلة انطلإقها على درب الحرية والتطور المستقل. ومع ذلك ، من السابق لأوانه التنبؤ بكامل أبعاد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ، حيث ما زلنا في مرحلة التهكنات ليس إلإ. عن موقع الجبهة 1/7/2016 |
® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com |