وعد من لا يملك لمن لا يستحق..!! - احمد كيوان

استعاد الشعب الفلسطيني، ومعه الشعوب العربية، في الثاني من تشرين الثاني الحالي، الذكرى الثامنة والتسعين لوعد بلفور المشؤوم لاقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد من قبل وزير خاريجية بريطانيا في ذلك الوقت، اللورد بلفور، بمثابة الحلقة الاولى في تنفيذ اتفاقية سايكس - بيكو، لتقسيم الوطن العربي واقامة كيان يهودي، وسط هذا الوطن، يفصل المغرب العربي عن المشرق العربي. وقد وجد الاستعمار في ذلك الوقت بالحركة الصهيونية اداة لتنفيذ اغراضه.صحيح انه عقد قبل ذلك مؤتمر بازل عام 1897، وان تيودور هرتسل كتب كتيبه الشهير "دولة اليهود"، لكن الحركة الصهيونية برئاسة هرتسل كانت تطمح لاقامة وطن قومي لليهود، في اي مكان يمكن ان يتم ذلك.

تحدثوا تارة عن الارجنتين في امريكا اللاتينية، وتحدثوا تارة اخرى عن اوغندا في افريقيا. ولم تكن فلسطين هي مربط الفرس لدى الحركة الصهيونية. وكل ما كان يشغلهم هو موطئ قدم لهم فوق هذا الكوكب. فاذا كان هناك من يتحدث عن روابط روحية لدى المتدينين اليهود بالقدس فهذا لا يعني بالضرورة اقامة كيان سياسي. فالفاتيكان مرتبطة روحيا بمئات الملايين من المسيحيين الكاثوليك، لكن لم ينظر اليها احد ككيان سياسي. وكذلك مكة والمدينة بالنسبة للمسلمين. ولا احد يفكر في ان تكون مكة او المدينة كيانا سياسيا لأي جماعة اسلامية، لان الرابط الروحي هو الذي يجعل مئات الملايين تهفو بقلوبها الى هذه الاماكن المقدسة. لكن الحركة الصهيونية، المرتبطة عضويا بالاستعمار القديم والحديث، هي التي قفزت على ما كان يدبره الحلفاء الاستعماريون لتقوم فيما بعد، وبمساعدة هؤلاء، باقتلاع شعب فلسطين من وطنه، واقامة دولة عبرية مكانه، تحت دعاوى "ارض الميعاد". وهي مزاعم واساطير توراتية وتلمودية جاءت لتمهد للجريمة التاريخية الكبرى، التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني المسالم والآمن في وطنه. ولتصبح نكبته اكبر نكبة اصابت شعبا من الشعوب في العصر الحديث.

وحين نستعيد هذه الذكرى اليوم، ذكرى وعد بلفور المشؤوم نستذكر مقولة "انه وعد من لا يملك لمن لا يستحق". وهذه العبارة، التي يتداولها الكثيرون واغلبهم لا يعرف حتى قائلها، وردت في الرسالة الشهيرة المطولة التي بعث بها الرئيس العربي جمال عبد الناصر، في صيف العام 1963، للرئيس الامريكي وقتها جون كنيدي، والذي تم اغتياله في السابع من نوفمبر 1964. وكان الرئيس جمال عبد الناصر وقتها قد توسّم في الرئيس الامريكي كنيدي رغبة قوية في التعرف على جذور القضية الفلسطينية. وكان منفتحا على شخص جمال عبد الناصر، مما حدا بالرجلين ان يتبادلا الرسائل المطولة. وكانت رسالة جمال عبد الناصر الى الرئيس جون كنيدي تاريخية حقا ومؤثرة الى ابعد الحدود، حتى انه قيل ان كنيدي قد تأثر بها كثيرا، ودخلت وجدانه. وقد تتاح لي الظروف ذات مرة لاعادة نشر هذه الرسالة كاملة لانها وثيقة تاريخية مهمة. وحين تطرق عبد الناصر، في رسالته الموجهة الى الزعيم الامريكي، الى القضية الفلسطينية اشار بشكل واضح الى وعد بلفور. وخاطب الرئيس كنيدي قائلا: "ان وعد بلفور، يا سيادة الرئيس، كان وعد من لا يملك لمن لا يستحق"..!

ومن حقي ان اتساءل، من باب التحليل لا من باب المعلومات التي لا تزال مجهولة حتى الآن: هل هناك من علاقة بين تأثر الرئيس كنيدي برسالة عبد الناصر ومصرعه فيما بعد على يد شخص يدعى اوسوولد، تمت تصفيته فيما بعد بشكل مثير لإخفاء الحقائق؟ ومن هي الجهة التي كانت تتحسب من تغير في السياسية الامريكية، بعد "الغزل" بين عبد الناصر وكنيدي، لا سيما وان الرئيس الامريكي كان ذا شعبية طاغية، وتأثير كبير في دفاعه عن المصالح القومية الامريكية، وكان ندا قويا للزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف في ازمة الصواريخ الكويتية؟ وستبقى هناك اسئلة كثيرة حول الجهة التي قامت بتصفية الرئيس الامريكي، قبل اكثر من خمسين عاما. ولا ادري ان كان المؤرخون في المستقبل سيكونون قادرين على فك رموز هذا اللغز، الذي لا زال ينتظر الجواب حتى الآن..!

*الانتخابات المبكرة في تركيا وابعادها*

جرت مطلع هذا الشهر الانتخابات المبكرة في تركيا، والتي اعتبرها البعض بالمهمة جدا بالنسبة لتركيا والمنطقة، بعد خمسة اشهر من الانتخابات السابقة التي خسر فيها حزب اردوغان "العدالة والتنمية" الاغلبية الكاسحة، التي كان يتمتع بها. وقد افشل بعدها قيام حكومة ائتلافية، ربما كان بامكانها ان تخرج تركيا من ازمتها، لكن السلطان العثماني الجديد بعنجهيته اراد ان يضمن لحزبه الاغلبية التي تؤهله لتشكيل حكومة بمفرده، وتعديل الدستور لاقامة نظام رئاسي، ليمسك بالسلطة التنفيذية كاملة وليكون السلطان الجديد المتوج. لهذا كانت الرغبة، ومنذ البداية، باجراء انتخابات مبكرة لعله يصل الى مبتغاه. وفي هذه الفترة تراجع عن مساعي السلام مع حزب العمال الكردستاني، واجبره على استئناف نشاطه العسكري، حتى يستطيع اردوغان ان يحشد حوله الاسلاميين والقوميين، لان المسألة الكردية لها حساسية عند الشعب التركي.

كما انه اراد اسقاط حزب الشعوب الديمقراطي، الذي كان مفاجأة الانتخابات الاولى بحصوله على 16% من الاصوات، متجاوزا عتبة العشرة بالمائة التي تؤهله لدخول البرلمان. وراح يتهم هذه الحزب وقيادته بتأييد الارهاب لابعاد التأييد الشعبي لهذا الحزب. وقام بالتضييق عليه وعلى كل الاحزاب المعارضة. واستعمل كل الوسائل القذرة للوصول الى هذا الهدف، فكانت العملية الارهابية التي استهدفت قواعد هذا الحزب في بلدة سروج، والعمل الارهابي الجبان الذي استهدف اجتماعا انتخابيا لحزب الشعوب الديمقراطي في انقره، وسقوط مئات الضحايا. وبالرغم من كل ذلك استطاع هذا الحزب ان يدخل البرلمان الجديد، متخطيا نسبة العشرة بالمئة التي تؤهله لذلك.

ومع ان الانتخابات التركية المبكرة اعطت لحزب اردوغان نسبة تقترب من الخمسين بالمئة، ويستطيع معها تشكيل حكومة على مزاجه، الا انها لا تعطيه امكانية تغيير الدستور كما كانت احلامه، ولن تغير نتيجة الانتخابات من واقع الحال في تركيا، اذا لم تتغير السياسة الخارجية التركية، لان ما يؤرق تركيا اليوم هو الامن وعودة الاستقرار الى الليرة التركية. فالامن والاستقرار في تركيا مرتبطان بالامن والاستقرار في سوريا، بعد ان عاث بها اردوغان خرابا ودمارا..!

عن موقع الجبهة
5/11/2015





® All Rights Reserved, Wajih Mbada Seman, Haifa.
WebSite Managed by Mr. Hanna Seman - wms@wajihseman.com